تنتهي حياة أكثر من 1000 ناقلة نفط ضخمة والمئات من ناقلات الحاويات العملاقة إلى ورش خردة لتفكيكها وبيعها حديدًا. لكن مكتب "غروندة" الهندسي الهولندي ينوي تحويل هذه الناقلات إلى فنادق ومراكز سياحية وثقافية.


ماجد الخطيب: تعتبر ناقلة النفط العملاقة "ياره فايكنغ" من أكبر ناقلات النفط الخام في العالم، ويبلغ طولها نحو 458 مترًا، وعرضها 86 مترًا، وارتفاعها 30 مترًا، وتتسع إلى 4,3 مليون برميل من النفط الخام.

ولو تصورنا امكانية ايقاف هذه الناقلة على مؤخرتها لحصلنا على ناطحة سحاب من 150 طابقًا.

لن تذهب هذه الناقلة إلى النفايات، بحسب قرارات الأمم المتحدة، لأنها ناقلة حديثة يتألف جدارها الخارجي من طبقتين. لكن أكثر من 1000 ناقلة نفط عملاقة يقل حجمها قليلًا عن "يارة فايكنغ" ستذهب إلى ورش الخردة في آسيا،للاستفادة من ملايين أطنان الحديد التي استخدمت في إنتاجها.

بجدارين

قضت تعليمات منظمة الملاحة الدولية، حتى نهاية العام 2015، بإحالة كل ناقلات النفط التي تتألف جدرانها الخارجية من طبقة واحدة، وتزيد حمولتها عن 5000 طن، إلى التقاعد.

كما تم وقف إنتاج ناقلات النفط أحادية الجدار منذ 1996 بعد أن تكررت حوادث تسرب النفط من الناقلات، وزاد تلوث البحار والمحيطات بمركبات النفط جراء ذلك.

يرمي القرار إلى تحويل أساطيل نقل البترول الخام إلى ناقلات تتألف جدرانها من طبقتين تفصل بينهما مسافة 2-3 أمتار، زيادة في إجراءات الاحتياط ضد تلوث البحار بالبقع الزيتية، ولمنع تسرب النفط من الناقلة عند ارتطامها بالصخورأو بجبال الجليد، أو تعرضها للتخريب.

ولا ننسى هنا عوامل التعرية البحرية التي تتآكل جدران الناقلات بسببها بالتدريج. ومعروف أن تعليمات منظمة الملاحة البحرية لاتنصح باستخدام ناقلات النفط التي يزيد عمرها عن 20 سنة، لكن 40% من الناقلات العاملة في بحار العالم، وخصوصًا في البلدان الفقيرة، تعدى عمرها 24 سنة، منها نسبة 28% لاتصلح لغير الخردة.

وتعقدت المشكلة أكثر منذ قيام الشركات الكبرى ببيع ناقلاتها القديمة إلى بلدان آسيا وأفريقيا الفقيرةبدلًا من أن ترسلها إلى الخردة، وهذا سببب انخفاض العمل في"مقابر" الناقلات منذ نهاية التسعينات.

فنادق ومراكز ثقافية

قدم المصمم الهندسي كريس كولاريس وشركاه بخرائط ومشروع متكامل للاستفادة من هذه الناقلات العملاقة بتحويلها إلى فنادق ومتاحف ومراكز ثقافية وسياحية عائمة بدلًا من تفكيكها وبيعها خردة.

وقال المهندسون إن كلفة إعادة استخدام هذه الناقلات في السياحة أقل من كلفة تفكيكها، كما أن الموارد المتأتية عنها ستكون أعلى من موارد بيعها كحديد مستخدم، إذ لايزيد سعر الطن من حديد الناقلات الخردة عن 400 دولار اميركي، بحسب تقارير منظمة الملاحة الدولية، علمًا أن الحديد يؤلف 92% من الهيكل والبناء الداخلي والديكور في كل ناقلة نفط.
استخدام هذه الناقلات كمراكز سياحية وثقافية يعالج مشكلة إنسانية وبيئية عويصة، إذ تتركز ورش تفكيك الناقلات الضخمة في الصين وبنغلاديش والهند.

وتتحدث تقارير المنظمات الإنسانية عن شروط عمل غير إنسانية تسود في هذه الورش، ولاتستخدم أدوات الكترونية متقدمة، ويضطر العمال للعمل بأيديهم، من دون استخدام كمامات تقيهم أبخرة بقايا البترول الخام المتطايرة.

يعمل العمال هناك، بحسب تقارير الأمم المتحدة، مقابل 1,5-2,5 يورو في اليوم، والمهم أن طاقة كل هذه الورش مجتمعة لاتزيد عن تفكيك 14 ناقلة ضخمة في السنة، وهذا يعني أن مئات الناقلات ستتراكم في هذه الورش والمياه البحرية القريبة منها من دون رقابة لمنع تسرب النفط العالق بالجدران إلى المياه.

وتقدر منظمة "الاقتصاد البحري واللوجيستيك" التخلي عن 200 إلى 600 ناقلة عملاقة، للبضائع أو السوائل، إلى ورش الخردة سنويًا على المستوى العالمي، مع توقع زيادة هذا العدد بدءًا من 2016.

"الذهب الاسود"

أطلق كريس كولاريس على مشروعه اسم"الذهب الاسود"، وذكر أن مشروعه يخصص تحويل الناقلات الخردة إلى مراكز ثقافية وسياحية، بالذات في البلدان التي تأتي منها هذه الناقلات، أو التي تصدر النفط أكثر من غيرها، وخصوصًا المملكة العربية السعودية والعراق وفنزويلا وغيرها.

ويتصور المهندس امكانية احالة هذه الناقلات إلى التقاعد بالقرب من سواحل المدن السعودية، وتنظيفها وترميمها وأجراء التغيرات المناسبة عليها، ومن ثم بناء هياكل ارتكازية تربطها بالمدن، مثل الشوارع ومصادر الماء والكهرباء...إلخ.

ويمكن تحويل هذه الناقلات الضخمة إلى مراكز ثقافية تستجيب للتقاليد والثقافة والتاريخالسائدين محليًا، وبناء الفنادق والمسابح والمسارح، وما إلى ذلك بهدف جعلها مراكز جذب للناس والسواح.

وستكون الناقلات ذات الجدار المزدوج أكثر ملائمة لأجواء البلدان الحارة لأنه تمكن الاستفادة من المسافة بين جداري الناقلة في عملية تكييف هذه المراكز.

وسيزداد عدد هذه المراكز البرمائيةأو العائمةمع دنو نهاية العصر النفطي، حيث ستتزايد أعداد الناقلات الخردة بالتدريج.

ضخامة جوف الناقلات تتيح للمهندسين التفنن في تصميمها، وتميل المخططات التي عرضها كولاريس وزملاؤه إلى التصاميم الداخلية"الوظيفية"، بمعنى المطواعية والقابلية على التغيير وتعدد الاستخدام.

على أية حال، يمكن للناقلات "السكنية" في مشروع "الذهب الأسود" أن تدر مالًا، باعتبارها مشاريع مستقبلية، أكثر مما يدره بيعها كحديد"أسود".