أكدت الحكومة الألمانية تمسكها بخطة تحدد عام 2020 لرؤية مليون سيارة كهربائية، شخصية وحكومية، تسير في شوارع ألمانيا. ويبدو أن للحكومة ما يبرر موقفها لأن التقنيات الجديدة المتسارعة تؤكد صواب موقفها.

بيروت: استعرض معهد فراونهوفر الألماني للتقنية والأبحاث على المواد سيارة كهربائية تشحن نفسها بنفسها، وهي تسير على الشارع بطريقة الحث. وتمكن النموذج الأول من "ارتيغا1" الرياضية أن تشحن محركًا يسيرها بقدرة 312 كيلوواط (424 حصانًا)، وبسرعة أولية قدرها 30 كم في الساعة، والوصول إلى سرعة قصوى بلغت 130كم في الساعة.
&
وأكدت مصادر المعهد أن تقنية الحث الكهربائي، والاستفادة من المجالات المغناطيسية، التي استخدمت في تحريك "ارتيغا1" ليست جديدة، لأن العالم البريطاني مايكل فارادي كان أول من استخدمها في عمليات الشحن الكهربائي في القرن التاسع عشر. وعمل مهندسو المعهد على تطوير التقنية بما يحرك عجلة كبيرة مثل السيارة، وبما يجعلها صالحة كبديل مستقبلي لمحركات حرق الوقود التقليدية.
&
تحول إلى السيارات الكهربائية
&
يعوّل معهد فراونهوفر المعروف على هذه التقنية في تحقيق إلتزام الحكومة الألمانية الرامي إلى التحول بالكامل إلى السيارات الكهربائية في 2050. وتقدر وزارة البيئة الاتحادية أن السيارات الشخصية الصغيرة في ألمانيا ستستهلك في 2016 نحو 24 مليار لتر من البنزين، و20 مليار لتر من الديزل، تضاف إليها كميات أكبر تستهلكها الشاحنات والحافلات.
&
وهناك مؤشرات على ارتفاع هذه الكميات بالتدريج حتى 2020، لكن توفير كهربة السيارات بطريقة الحث يمكن أن يطلق العد العكسي في استهلاك الوقود من قبل السيارات خلال 15 سنة من الآن.
&
ولا يمكن إجراء هذه النقلة من دون البدء في بناء الهياكل الارتكازية اللازمة لكهربة السيارات، خصوصًا بناء محطات وأعمدة التزود بالكهرباء، وهي عملية طويلة ومكلفة جدًا، وتقدر وزارة البيئة الحاجة إلى مليون محطة وعمود تزود بالكهرباء كي تنهض بعملية التحول من السيارة التقليدية إلى السيارة الكهربائية في 2030. ويمكن لطريقة تحريك السيارات الكهربائية بالحث، بمعنى جعلها تتزود ذاتيًا بالكهرباء أثناء سيرها على الشارع، أن تختصر الكثير من الوقت والجهد والمال الذي سيبذل في هذه العملية.
&
وسادة مغناطيسية
&
تمت تجربة الطريقة على قطعة من الطريق العام بالقرب من بلدة لاتن الألمانية، وتم اخفاء ملفات كهربائية ثانوية متفرقة في اسفلت الشارع. تعمل هذه الملفات الكهربائية، اثناء مرور السيارة عليها، على تكوين مجال مغناطيسي يسير تحت السيارة مع حركتها مثل الوسادة. زود العلماء عجلات السيارة بملفات أخرى تستقي الكهرباء من هذا المجال المغناطيس وتخزنه في بطارية كهربائية مثبتة تحت السيارة أيضًا.
&
في هذه التجربة، وعلى طول 25 مترًا فقط، كانت الملفات الكهربائية المدمجة بأسفلت الشارع تنشط وتكون مجالها المغناطيسي ثم تنطفئ مجددًا لفترات زمنية لاتتعدى بضعة ميليثوان، أثناء مرور السيارة عليها، لكنها فترات كانت كافية لابقاء الوسادة المغناطيسية تحت السيارة، رغم قصر مسافة التجربة. هذه التيارات غير محسوسة ولا تشكل عائقًا أمام السير، ولا تشكل أي خطر على البشر أو الحيوانات.
&
وذكر البروفيسور ماتياس بوسه، رئيس فريق العمل من معهد فراونهوفر، أن ارتيغا1 تخطت المجال النظري تجريبيًا ودخلت مرحلة التطبيق العملي. وكانت الطريقة تشحن البطارية بقدرة 38 كيلوواط في الساعة, وهي قدرة كافية لتحريك السيارة من دون توقف. كما كانت البطارية تعيد شحن نفسها من دون توقف من الوسادة المغناطيسية. وتستهلك السيارة الكهربائية عادة من 10 إلى 15 كيلوواط من الكهرباء كي تصل إلى سرعة 130كم في الساعة، وهذا ما تمكنت الطريقة من توفيره لسيارة أرتيغا1 من دون انقطاع.
&
فوائد جمة
&
يضيف البروفيسور بوسه أن طريقة الحث الكهربائي تضمن الكهربة الكاملة للسيارات والشوارع، وربط السيارة بشكل دائم بشبكات المعلوماتية، وتخدم الخطط المستقبلية الباحثة عن السيارات الذاتية الحركة (الروبوتية) التي تتحرك في الشوارع من دون سائق. وهي حل لمشكلة الشاحنات الكبيرة التي تزدحم على الشوارع الألمانية، لأن شاحنة من حمولة 40 طنًا، بحسب البروفيسور بوسه، قادرة على شحن نفسها بطريقة الحث الشارعي التي ابتكروها. وتم تصميم الطريقة بحيث تتمكن السيارة من كسب الطاقة المهدورة في الفرملة، مجددًا إلى بطاريتها، وهذا اقتصاد إضافي في الطاقة.
&
من ناحية أخرى، دمج الملفات الكهربائية في اسفلت الشارع يعني وضعها بعيدًا عن أيدي العابثين. ومعروف أن أسلاك الكهرباء الممتدة فوق القطارات الفائقة السرعة في ألمانيا تتعرض للتخريب والسرقة، وتضطر دائرة السكك شهريًا إلى وقف بعض خطوط القطارات بهدف تصليح ما دمرته أيدي العابثين في الأسلاك الكهربائية.
&
يستفيد المستهلك، أي صاحب السيارة، من طاقة كهربائية صغيرة ورخيصة وعامة لشحن سيارته. كما أن الطريقة لا تتطلب كثيرًا من الوقت، ولا تستلزم الوقوف في طابور شحن السيارات من أعمدة الشحن وفي محطات الشحن. ولن يكون صاحب السيارة بحاجة إلى محطة شحن أصلًا.
&
اقتصاد بالطاقة والكلفة
&
في خطوة لاحقة، يحاول علماء معهد فراونهوفر حساب الكلفة التقريبية لتنفيذ مشروع الملفات الكهربائية المدمجة في الشوارع ومقارنتها بكلفة تحويل الهياكل الارتكازية بالكامل، من المحطات التقليدية إلى محطات الشحن الكهربائي.&
&
وتحدث البروفيسور سلفًا عن الاقتصاد بجزء عظيم من كلفة شحن السيارات الشخصية الصغيرة بالبنزين والديزل، التي تبلغ في ألمانيا نحو 60 مليار يورو سنويًا. مع ملاحظة أن هذه الاحصائية لاتشمل الناقلات والشاحنات والحافلات.
&
يذهب نصف هذا المبلغ إلى خزينة الدولة الألمانية بشكل ضرائب، ونستنتج من ذلك أن هناك 30 مليارًا ستكون في متناول الدولة لتوظيفها في مشروع دمج الملفات الكهربائية الصغيرة في الشوارع.&
&
وتبقى مشكلة دمج هذه الملفات الكهربائية بإسفلت الشارع قائمة برغم ذلك، لأن في ألمانيا 13 ألف كم من الطرقات السريعة فقط، يضاف إليها عدد غير محدد من الشوارع بين المدن والشوارع الفرعية. ويقول بوسة إن عملية تجديد هذه الطرقات وترميمها تجري باستمرار وهذا يتيح دمج هذه الملفات في أرضيتها بالتدريج. ثم أن كلفة إنتاج ودمج هذه الملفات الكهربائية الصغيرة، تبقى أقل بكثير من كلفة استبدال كامل الهياكل الارتكازية التقليدية بأخرى ملائمة لمحطات الشحن الكهربائي.
&
التجاوب مع الخطط الأوروبية&
&
وكانت المفوضية الأوروبية وضعت في العام 2012 الخطوط العامة لكتاب"النقل الأبيض"، الذي يرمي إلى "كهربة" 50% من السيارات العاملة في المدن الأوروبية مع حلول 2030، مع التحول بالكامل إلى السيارات الكهربائية بحلول 2050. ويجد البروفيسور بوسه أن كهربة الشوارع بالملفات الكهربائية سيتناغم تمامًا مع مشاريع الاتحاد الأوروبي البيئية الطموحة.
&
وجاء في الكتاب أن سكان المدن في النصف الثاني من القرن الواحد والعشرين يمكنهم التمتع بالسيارات الكهربائية الرئيفة بالبيئة سواء كانت عرباتهم تسير على الأرض أو تطير.
ويفترض كتاب النقل الأبيض البدء في تحويل الهياكل الارتكازية للنقل التقليدي، من محطات البنزين والديزل والوقود البيئي إلى محطات الشحن الكهربائي، وينتظر خبراء البيئة أن تؤدي هذه الخطوات إلى خفض انبعاث ثاني أوكسيد الكربون إلى النصف، وتقليل استهلاك الوقود التقليدية بنسبة مماثلة.
&
وتعتمد مفوضية الاتحاد الأوروبي في خططها هذه على التطور السريع الجاري على تقنية كهربة محركات السيارات. فسيارات اليوم الكهربائية تتخطى في سيرها، بعد الشحن، حاجز 300 كم قبل أن تحتاج إلى الشحن مجددًا، كما توصلت شركات السيارات إلى طرق مستحدثة تختصر زمن الشحن الكهربائي إلى دقائق بعد أن كانت تستغرق الليل بأكمله.