هل أخطأ حزب الله اليوم، في هذه الظروف بالذات، في تخوين شيعة لا يوافقونه على تورطه في سوريا؟ يبدو أن شيعة السفارة، كما سماهم، يتحولون شيئًا فشيئًا إلى تيار عريض، في أكبر تصدع يصيب قاعدة الحزب الدينية.

بيروت: ليس توصيف "شيعة السفارة" بجديد على أدبيات حزب الله، بل هو قديم حين كشفت ويكيليكس تواصلًا بين نخب شيعية، ضاقت ذرعًا بممارسات حزب الله وتهويله، وبين السفارة الأميركية في بيروت، وكان جيفري فيلتمان حينها سفيرًا اميركيًا في لبنان.

لم يكن في ما كشفته ويكيليكس ما يخوّن هؤلاء الشيعة، لكن مجرد التواصل هذا وضعهم في دائرة هدف حزب الله، الذي هاله أن يخرج عليه شيعة يزعم أنهم "في جيبه" دائمًا، خصوصًا أن بين هذه الشخصيات الخارجة عليه مثقفين وسياسيين و"سيّادا" وإعلاميين ومناضلين، أي نخبة لا يريد حزب الله أن تعاديه، لأنها قادرة على إصابته في مقتل إن أرادت كشف تجاوزاته، وهي العليمة ببواطن أمور الطائفة.

حينها، تولت إحدى الصحف الممانعة، اللصيقة بحزب الله وبأذيال زعيمه، تهديد هؤلاء الشيعة، وبشكل مباشر قالت لهم: "تحسسوا رؤوسكم".

نخب ضد حزب الله

اليوم، ومع ارتفاع أصوات النخب الشيعية ضد حزب الله، وضد زج أولاد الشيعة في حرب عبثية دفاعًا عن بشار الأسد، وضد أكاذيب حسن نصرالله الذي يدعي قتال داعش ويخوف الناس من داعش ولم يدخل في معركة واحدة ضد داعش، عادت نغمة "شيعة السفارة"، إذ خونهم نصرالله، وتوعدهم بالقصاص.

أثار هذا الوعيد حفيظة شريحة واسعة من المثقفين اللبنانيين، شيعة وغير شيعة، خصوصًا أن نصرالله في خطابه السري المسرب في يوم الجريح، والذي هدد فيه هؤلاء، لم يجد تهمة مباشرة واضحة المعالم ليدينهم بها، ولا برر موقفه ليثبت خطأ نظرياتهم، إنما فضل الهروب إلى الأمام، على عادة الأحزاب الشمولية العربية الخشبية الممانعة، ليرميهم بالخيانة، والتعامل مع أميركا.

ربما كان هذا الاتهام الأخير أكثر الاتهامات هزليةً في التاريخ، "طالما أن شيعة إيران يتفقون مع الأميركيين، وطيران التحالف يغطي الحشد الشعبي في الأنبار، والكبتاغون والبنتاغون في خندق واحد حول الرمادي"، كما قال المغرد صقر العين، غامزًا من اتهامات لشقيق أحد كبار مسؤولي ونواب حزب الله بتصنيع مخدر كبتاغون وتروجه في لبنان.

كلنا

#كلنا_شيعة_السفارة هو ميدان الرد على نصرالله، بالحجة ولو لم يستخدمها، وبالشتيمة ولو لم تناسب. فهذا الوسم ناشط بصورة كبيرة منذ الأحد الماضي، أي منذ تسريب الاتهام من جديد، وهذا الوسم قسم الشيعة بين "شيعة السفارة الأميركية وشيعة المستشارية الإيرانية، وأنا مع السفارة"، كما قال المغرد عوض.

الناشطة مروى عليق، التي منعت مرارًا من زيارة بيتها في الجنوب، أثرت هذا الوسم بسلسلة من التغريدات: "كلنا ضد حزب حول شباب الجنوب الى قنبلة موقوتة ستنفجر بوجه كل من يختلف عنها، كرمى لعيون نظام الملالي الايراني الظلامي"، "كلنا ضد من يرى شباب الجنوب ارقام لا هم ان ماتوا وهم في ربيع عمرهم، ضد من لا يهمه إن مات نصفهم أم ثلاثة ارباعهم" (في رد على نصرالله الذي قال إنه لن يهتم لو مات نصف مقاتليه أو ثلاثة أرباعهم، بل سيستمر في القتال بسوريا)، "كلنا ضد براميل الاسد المتفجرة التي يسقطها على رؤوس العائلات والقرى السورية بدلا من استخدامها في حربه ضد داعش كما يدعي"، "كلنا ضد القتل والتهجير والتنكيل والتعذيب الذي يتعرض له الشعب السوري من قبل نظام الاسد وحزب الله".

هؤلاء هم... وغيرهم

وقال المغرد عبدالرحمن مطر: "شيعة السفارة نافذتنا المشرعة على الحرية، تلون فضاءاتنا بحروف الروح، تحية الى شركائنا في التحدي والمصير والكلمة". وغرد خليل دني: "لأنني أعشق اعتدال العلامة السيد محمد الأمين وانفتاح العلامة السيد هاني فحص وحكمة العلامة السيد محمد حسين فضل الله #كلنا_شيعة_السفارة".

وقال سامر الخوري: "كرمال لبحبو لبنان.. كرمال لي ما عندهم أجاندة أجنبية كرمال ل بآمنو بجيشهم والشرعية أنا المواطن لي مش شيعي، بقول بفخر #كلنا_شيعة_السفارة". وحدها ألين رفضت التسمية، وغردت: لا يوجد شيعة للسفارة، ولن ننجرّ لتسمياتهم.الشيعة الوطنيون هم لبنانيون فحسب، لذا كلنا شيعة أحرار وليس #كلنا_شيعة_السفارة".

وتداول ناشطون على فايسبوك صورًا لنخب شيعية، جرى تعريفها أنها صديقة للشعب السوري، من شيعة السفارة، مثل يوسف بزي ويحيى جابر ووضاح شرارة ونزار مرتضى وعاصم ترحيني ونديم قطيش وأسامة حريري وعباس ناصر وجهاد بزي وعلي وحسن مراد وديانا مقلد وبادية هاني فحص وميساء ضاهر وكريم صالح وعمر حرقوص وفاروق يعقوب وفادي توفيق وفادي طفيلي وسعود المولى وهادي الأمين ومحمد بركات ومصطفى فحص وفؤاد سلامة وأحمد بيضون وعماد قميحة وعلي الأمين وحازم الأمين وأحمد عيساوي وزياد ماجد ولقمان سليم ومنى فياض... وآخرون.

أخطأ

يرى مراقبون أن حزب الله أخطأ فعليًا اليوم بفتح هذه الجبهة الداخلية على نفسه، إذ كان بغنى عنها، خصوصًا أنها تنكأ اليوم جراح العشرات، بل المئات، من عائلات فقدت أولادها في الميادين السورية، من دون اي تبرير، وتحت شعار "الواجب الجهادي" الذي صار مبهمًا.

فالتفاعل على هذا الوسم، وفي الشارع الشيعي تحديدًا، وارتفاع عدد الشخصيات الشيعية التي تقبلت بكل رضى أن توصف بلقب "شيعة السفارة"، يشي بما هو أعظم، أي بتصدعات شيعية لا يمكنها إلا أن تطال الأساس الشعبي لحزب الله نفسه.

يقول الصحافي عماد قميحة (أحد شيعة السفارة) في منشور له على صفحته بموقع فايسبوك: "اعتقد ان إثارة تهمة شيعة السفارة اليوم، ليس المقصود منها الأصوات الشيعية الرافضة للقتال بسوريا من خارج صفوف الحزب فقط، بل المقصود منها - كتهمة استباقية - أصوات يُتخَوف خروجها من داخل صفوف الحزب ايضًا!".

فحزب الله، بحسب المراقبين، ليس منيعًا على تداعيات ما يحصل في سوريا كما يحاول أن يدعي، ما اللجوء إلى التعبئة العامة اليوم إلا لضرب عصفورين بحجر واحد: تعزيز الجبهة بآلاف الشباب وشد العصب الشيعي... فشعار "زينب لن تسبى مرتين" جاهز.