&يحذر فرنسيون من أن المزيد من القيود على الحجاب يخدم المتطرفين، الذين يريدون دق إسفين بين المسلمين وغير المسلمين في الغرب.

إعداد عبد الاله مجيد: بعد أكثر من عشر سنوات على أول قانون اصدرته فرنسا بمنع البنات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس الحكومية، ما زال سياسيون يدعون إلى اتخاذ اجراءات جديدة لحرمان المسلمة المحجبة من فرص العمل والدراسة والانخراط في الحياة العامة. وكثيرًا ما يقول هؤلاء السياسيون إنهم يفعلون ذلك من أجل النظام العام، أو باسم فصل الدين عن الدولة.

تمييز ترعاه الدولة

لكن هذا الموقف يواجه انتقادات قوية، تؤكد أن مثل هذه الاجراءات لم تشع احساسًا بالمشاركة العلمانية، بل شجعت التمييز على نطاق واسع ضمن مسلمي فرنسا عمومًا والنساء المحجبات بصفة خاصة.

وأسفر ذلك عن شعور واسع الانتشار بين المسلمين بأن فرنسا التي تحتفل بالعطل المسيحية في مدارسها الحكومية تمارس شكلا من اشكال "التمييز الذي ترعاه الدولة". كما يحذر منتقدو الدعوة إلى مزيد من القيود على الحجاب من أن الحظر يقدم خدمة إلى الاسلاميين المتطرفين الذين يريدون دق اسفين أكبر بين المسلمين وغير المسلمين في الغرب.

واصدرت فرنسا حتى الآن قانونين، احدهما في 2004 بحظر الحجاب في المدارس الابتدائية والثانوية، والآخر في 2011 بحظر البرقع الذي اصلا لا ترتديه إلا نسبة ضئيلة من المسلمات. وتؤكد مسلمات فرنسيات محجبات أن استمرار الحديث عن تشريع قوانين جديدة جعلهن هدفًا لاعتداءات منوعة من البصق عليهن إلى إزالة الحجاب عن رؤوسهن عنوة أو دفعهن بقوة في الشارع.

تعرّضن لاعتداءات

في بعض المدن، مُنعت أُمهات محجبات من أخذ اطفالهن من المدارس بعد انتهاء الدوام أو المشاركة في سفرات مدرسية مع اطفالهن. واتُهم احد المتاجر بتفتيش النساء المحجبات من زبائنه بانتظام.

وتعرضت مسلمات محجبات إلى اعتداءات عنيفة ايضًا. وفي تولوز دخلت امرأة مسلمة حامل المستشفى بعد أن اعتدى عليها شاب بالضرب واصفا اياها بأنها "مسلمة قذرة".

وتبين الاحصاءات التي جمعها المرصد الوطني لمكافحة الاسلاموفوبيا أن 80 في المئة من الأعمال المعادية للمسلمين خلال العامين الماضيين، بما في ذلك العنف والاعتداء، كانت موجهة ضد النساء المسلمات، وفي الغالب ضد المحجبات تحديدًا.

ونقلت نيويورك تايمز عن رئيس المرصد عبد الله زكري قوله: "ما يثير الاشمئزاز هو أن مثل هذه الأشياء تحدث في وضح النهار وبلامبالاة تامة من الناس الموجودين في المكان".

انشغال فرنسي

ويدعو سياسيون ينتمون إلى الأحزاب الرئيسة بينهم، من اليمين، الرئيس السابق نيكولا ساركوزي، إلى منع المسلمات المحجبات من دخول الجامعات ويريد آخرون في حزب ساركوزي تقديم المبرقعات في الأماكن العامة إلى القضاء. ومن اليسار طالب احد الأحزاب الصغيرة بإصدار قانون يمنع المسلمة المحجبة من العمل في دور الحضانة.

وحتى في الحزب الاشتراكي، الذي يرأسه فرانسوا هولاند، قالت وزيرة الدولة لحقوق المرأة باكسال بواستار: "لا مكان للحجاب على المستوى الجامعي".

وقال مفوض حقوق الانسان في مجلس اوروبا نيلز موزنيكس في تقريره عن فرنسا إن العدد الكبير للاعتداءات على المسلمات المحجبات مبعث قلق بصفة خاصة. وانتقد ما سماه "انشغال" فرنسا بملابس المسلمات.

ويقول خبراء&إن استهداف المسلمات المحجبات اصبح شعارا يلتف حوله اليمين الذي يقول إن محاربته الحجاب سلاح يستخدمه للدفاع عن تقاليد الحياة الفرنسية ضد ما يسميه اليمينيون "النفوذ المخيف للسكان المسلمين المتزايد عددهم".

ويسخر بعض هؤلاء الخبراء من اصدار قانون يستهدف فئة ضئيلة من المسلمات الفرنسيات لا يزيد عددهن على 2000 وربما يبلغ 500 امرأة فقط يرتدين البرقع، كثير منهن فرنسيات اعتنقن الاسلام حديثًا.

لا يحررهن

وخلال ثلاث سنوات، منذ صدور القانون، لم تُفرض إلا 1000 غرامة يمكن أن تصل إلى 150 يورو. ويبدو أن بعض النساء يتعمدن ارتداء البرقع لاستفزاز الشرطة تعبيرًا عن الاحتجاج. وسجلت احدى المبرقعات رقمًا قياسيًا بتعرضها لأكثر من 80 غرامة. واستحدث رجل اعمال جزائري ثري صندوقا لدفع هذه الغرامات.

في هذه الأثناء، قال باحثون إن بعض المسلمات الفرنسيات أصبحن سجينات البيت يخفن الخروج. ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن الناشطة نعمية بوتلجة من مؤسسة المجتمع المفتوح لحقوق الانسان: "هذا القانون لا يحررهن بل يسجنهن".

وينظر كثير من الفرنسيين بازدراء إلى القانون قائلين إن سائحات ثريات من الشرق الأوسط يتجولن مبرقعات في الشانزلزيه وعلى شاطئ كوت دازور، من دون أن يغرمهن أحد.