في هيكلية اجتماعية لا تختلف كثيرًا عن أنظمة الدولة المدنية، يساعد داعش مقاتليه بالمال كي يتزوجوا ويكونوا أسرًا ويبنوا بيوتًا، لكن عليهم البقاء على الجبهات.

بيروت: لم يطل شهر العسل بعيدًا عن خطوط الحرب الأمامية في سوريا. ففي عاصمة دولة الخلافة، التي أقامها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التقى المقاتل السوري أبو بلال الحمصي وعروسه التونسية لأول مرة، بعد أشهر أمضياها في الدردشة الالكترونية، فتزوجا، وقضيا أيامًا تالية لعرسهما يتناولان اللحم المشوي في مطاعم الرقة، يمشيان على ضفاف الفرات، ويأكلان المثلجات. وكل ذلك كان ممكنًا بفضل منحة زواج قيمتها 1500 دولار، تلقاها أبو بلال من داعش، ليبدأ تكوين اسرته في منزل جديد، بحسب تقرير نشرته صحيفة غلوب أند ميل الكندية.

أبناء الخلافة

نقلت الصحيفة عن الحمصي قوله: "في الرقة كل شيء قد يرغب فيه المرء ليقيم زفافه". وفيها، أيضًا، ينتشر أعضاء التنظيم المتشدد، يقيمون الحواجز على الطرقات، يبحلقون في المارة بحثًا عن أي علامة تشير إلى انتهاك للشريعة الاسلامية، ولو كانت طفيفة لا تتجاوز وضع بعض الدهون&على الشعر، بينما يخفي بعض قادة التنظيم في بيوتهم نساءً وفتيات ايزيديات تم خطفهن في العراق.

ولأن بناء دولة الخلافة مستحيل بلا سخاء، وضع داعش قيد التداول نظامًا سخيًا للرعاية الاجتماعية، يساعد في تيسير أمور آلاف الجهاديين، رجالاً ونساء، تدفقوا إلى أرض الخلافة من أنحاء العالم العربي وأوروبا وآسيا الوسطى والولايات المتحدة. يقول الحمصي للصحيفة: "لا يقتصر أمرنا على القتال، فهناك مؤسسات قائمة، وهناك مدنيون في الدولة الإسلامية، والدولة مسؤولة عنهم، وهناك أراضٍ واسعة. والمهاجرون ايضًا أبناء الدولة، وعلى الدولة مساعدتهم في زواجهم ورعايتهم".

الرقة نيويورك

نخبة داعش ظاهرة بوضوح في الرقة، المدينة السورية الأكبر التي سيطر عليها متشددو داعش وحكموها، إذ صادروا منازل وشققاً سكنية فارهة كانت مساكن لكبار مسؤولي النظام السوري، "وقد استولى عليها أبناء الطبقة الحاكمة الجديدة في داعش"، كما تنسب الصحيفة الكندية لعضو في مجموعة إعلامية محلية مناهضة للتنظيم، يطلق على نفسه اسم أبو إبراهيم الرقاوي.

والرقة اليوم بعيدة عن خطوط القتال الدائر على أطراف أراضي الدولة الإسلامية. فمتاجرها عامرة بالسلع، وتكثر فيها مقاهي الإنترنت. قال الرقاوي: :الرقة مستقرة، فيها كل ما يحتاجه ساكنها من خدمات، فهي مدنية ولا تشبه الأرياف التي يسيطر عليها التنظيم... إنها نيويورك الخلافة".

زوجته طبيبة!

تعد مساعدة المقاتلين على الزواج أولوية مهمة من أولويات التنظيم. فإلى جانب الراتب الشهري الذي يتقاضاه، يحصل المقاتل الأجنبي على 500 دولار عند زواجه لمساعدته في بدء حياته الزوجية. وحصل الحمصي (28 عامًا) على مكافأة زواج ضخمة خاصة لأن زوجته طبيبة، وتتحدث أربع لغات.

ونقل تقرير الصحيفة عن أسوشيتدبرس أن الحمصي بدأ ناشطًا يغطي التطورات الميدانية والاشتباكات في مدينته حمص وسط سوريا.

وقال الحمصي إنه دعم داعش منذ 2013، لكنه لم يتحوّل إلى مقاتل إلا في منتصف العام 2014، "أي بعد عامين من حصار عقابي فرضه النظام السوري على حمص، وعندما انتهى الحصار بهدنة& أيار (مايو) 2014، صار الحمصي مقاتلًا في تنظيم الدولة الإسلامية".

تعرف على زوجته التونسية على وسائل التواصل الاجتماعي، وعرف أن شقيقها انضم إلى داعش، وهو موجود في دير الزور، فذهب إليه وطلب يدها للزواج منه، كما هي العادة في سوريا. فما كان من العروس (24 عامًا) إلا أن سافرت من تونس إلى تركيا عبر الجزائر، ثم إلى الرقة مع نساء انضممن إلى تنظيم الدولة الإسلامية، حيث أقمن في دار ضيافة للسيدات، هو مقر لقيادة الشرطة النسائية في داعش.

هدية المولود

تقول غلوب أند ميل الكندية إن الحمصي ارتحل 250 كيلومترًا، في رحلة محفوفة بالمخاطر، من حمص إلى الرقة لينضم إليها، بعدما حصل على توصية من قائده المباشر في التنظيم. كان هذا زواجًا نادرًا لمقاتل سوري من مهاجرة أجنبية، فالعادة السائدة هي زواج الأجنبيات من مقاتلين أجانب، وليس من سوريين.

وبعد أيام قليلة، سمياها شهر عسل، عاد الزوجان إلى حمص، حيث يقف داعش نظام الأسد والثوار في آن واحد، فاستخدم مال المنحة لتجهيز منزل لعروسته ولقططه الأربع، وهما ينتظران الآن طفلًا، ويأملان في الحصول على مال مزيد بعد ولادة هذا الطفل، إذ يخصص داعش 400 دولار هدية لكل مولود جديد في أرض الخلافة.

ويتقاضى الحمصي 50 دولارًا شهريًا، كذلك تتقاضى زوجته. كما يحصل أيضًا على بدل خاص للملابس، وبعض أدوات التنظيف المنزلية، وسلة منتجات غذائية قيمتها الشهرية 65 دولارًا.

لكنه عاد إلى الجبهة، وهو اليوم في تدمر، فكيف له أن يضع طعامًا على مائدة زوجته الحامل؟