تكتسب زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، إلى فرنسا غدًا الثلاثاء أهمية خاصة ومرحلة انطلاق جديدة في تطور العلاقات السعودية الفرنسية، في ظل تسارع التغيّرات الدولية والإقليمية، التي تتطلب تبادل الآراء وتنسيق المواقف بين المملكة والدول الأخرى، التي تتبوّأ فيها فرنسا موقعًا متميزاً.
&
الرياض: تشكل الزيارة المرتقبة للأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، إلى فرنسا إضافة في نمو تطور العلاقات بين البلدين، حيث سيلتقي قادة وكبار المسؤولين الفرنسيين.
&
وتأتي الزيارة بعد أيام على زيارة مماثلة قام بها الأمير محمد لجمهورية روسيا التقى خلالها الرئيس فلاديمير بوتين وكبار أركان الحكومة.&
&
وكان الأمير محمد بن سلمان قد التقى في أبو ظبي في شباط (فبراير) الماضي وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لو دريان، وذلك على هامش انعقاد معرض ومؤتمر الدفاع الدولي الثاني عشر آيدكس 2015 ، وجرى خلال اللقاء استعراض علاقات التعاون المثمرة بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها، كما وتسلم رسالة من وزير الدفاع الفرنسي سلمها سفير فرنسا لدى المملكة براتران بزانسنو، خلال استقباله في مكتبه بالمعذر في آذار (مارس) الماضي.&
&
وتجمع السياستين السعودية والفرنسية رغبة مشتركة في الإسهام في تحقيق الأمن والاستقرار والسلام في العالم، وخاصة في المنطقة.

العلاقات الثنائية
&
وفي استعراض لتاريخ العلاقات الثنائية بين السعودية وفرنسا، نرصد أهم المحطات، حيث جاء البيان الختامي للزيارة التاريخية التي قام بها العاهل السعودي الملك عبدالله إلى فرنسا في 21 نيسان (ابريل) 2005 - عندما كان وليًا للعهد - تأكيداً على عمق العلاقات والتفاهم الثنائي، بين المملكة وفرنسا، ومدى التعاون المتبادل بين البلدين، والقيادتين التي أفرزت تعاوناً وثيقاً وتجاوزت المرحلة التقليدية إلى علاقات استراتيجية مفيدة للبلدين.
&
وخلال زيارته للمملكة عام 2006 أكد الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، على عمق العلاقات بين البلدين حيث وصفها "بأنها استثنائية ووثيقة ومتينة وتتعزز على مر السنين"، معيدًا الأذهان إلى الزيارة التاريخية التي قام بها الملك فيصل بن عبدالعزيز إلى فرنسا، عام 1967 وزيارة العاهل السعودي الملك عبدالله إلى باريس في نيسان (أبريل) عام 2005، عندما كان ولياً للعهد، مبيناً أن تلك الزيارة أكدت على تواصل الشراكة الاستراتيجية التي أبرمها الملك فهد عام 1996.
&
وتثبت الأحداث والتطورات، عمق العلاقات بين البلدين من خلال التشاور المستمر بين قيادتيهما لإيجاد أفضل السبل لحل الأوضاع في المنطقة، فالمملكة وفرنسا تركزان على السلام والاستقرار إقليمياً ودولياً، وعلى استعمال الدبلوماسية لحل النزاعات كما أن البلدين قررا التعاون مع بعضهما البعض سعيًا لأفضل السبل للتأثير إيجابيًا على القضايا التي تواجه المنطقة.
&
وتشهد العلاقات السعودية الفرنسية التي أرسى قواعدها الملك فيصل بن عبدالعزيز، والرئيس الفرنسي الراحل شارل ديجول، عندما قام الملك فيصل بزيارة إلى فرنسا عام 1967، تطورًا مستمرًا بفضل حرص قادتهما على دعمها وتعزيزها لتشمل مجالات أرحب، بما يحقق المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما.
&
زيارات تاريخية
&
ومن أهم وأبرز الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين وكبار المسؤولين فيهما، التي أسهمت في تطور العلاقات بين المملكة وفرنسا، كانت زيارة العاهل السعودي الملك فهد &لفرنسا عندما كان وليًا للعهد عام 1974، التي شكلت خطوة مهمة في سبيل تطوير العلاقات الاقتصادية، حيث قام&ورئيس وزراء فرنسا آنذاك جاك شيراك، بتوقيع اتفاقية عامة للتعاون الاقتصادي تهدف إلى تنمية ودعم التعاون بين البلدين في المجالات الصناعية والزراعية والتقنية وإنشاء لجنة مشتركة برئاسة وزيري الخارجية في البلدين، لتطوير ذلك التعاون ووضعه موضع التنفيذ.
&
وفي عام 1977 زار الرئيس الفرنسي الأسبق فليري جيسكار ديستان المملكة، وهي أول زيارة يقوم بها رئيس فرنسي للمملكة وكرر زيارة مماثلة في العام 1979.
&
وقام الملك خالد بن عبدالعزيز، بزيارتين إلى فرنسا الأولى عام 1977 والثانية في عام 1979، وجاءت هذه الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك فهد إلى فرنسا، عندما كان وليًا للعهد إيذانًا ببدء مرحلة جديدة من التعاون بين المملكة وفرنسا، وعلى إثر ذلك، قام الرئيس فرانسوا ميتران بزيارة رسمية للمملكة في العام نفسه، وقام العاهل السعودي الملك فهد بزيارة رسمية إلى فرنسا أجرى خلالها محادثات مع الرئيس الفرنسي ميتران، وكانت وجهات نظر الجانبين متطابقة بالنسبة للمسائل التي بحثها الزعيمان، ولم تتوقف الزيارات التاريخية بين المملكة وفرنسا على مدى التاريخ، في خطوة تؤكد على متانة العلاقات بين الدولتين.
&
الملك سلمان يعزز الشراكة
&
وفي أيلول (سبتمبر) 2014، قام العاهل السعودي الملك سلمان - كان حينها وليًا للعهد ووزيراً للدفاع - بزيارة رسمية لفرنسا تلبية لدعوة تلقاها من الرئيس فرانسوا هولاند، صدر عنها بيان مشترك أكد على أهمية المضي في تعزيز الشراكة الاستراتيجية، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما، كما أعرب الجانبان عن نجاح معرض الحج في معهد العالم العربي الذي افتتحه الرئيس فرانسوا هولاند في في أبريل 2014، واتفقا على تعزيز التعاون بينهما في المجالين الثقافي والفني، بما في ذلك تنظيم المناسبات الثقافية في البلدين.
&
اتفاقيات سياسية
&
وفي عام 2008، &قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة للمملكة التقى خلالها بالعاهل السعودي الملك عبدالله، ووقع خلالها اتفاقية تعاون مشترك بشأن المشاورات السياسية الثنائية بين وزارة الخارجية في البلدين، كما جرى توقيع اتفاقية في مجال التدريب المهني والتعليم التقني، واتفاقية تعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي، والطاقة والتعاون الثنائي في مجال البترول والغاز.
&
التعاون الأمني&
&
ويرتكز التعاون الأمني والعسكري بين السعودية وفرنسا على الاتصالات الوثيقة بين البلدين، في مجالات التدريب والتسليح، لتعزيز الأمن الداخلي للمملكة ودفاعها عن مقدساتها وأراضيها والحق والعدل والسلم في العالم، وهو ما بدا واضحًا من خلال الزيارات المتبادلة بين المسؤولين العسكريين والأمنيين في البلدين، من تقارب وجهات النظر السياسية وتعزيز التعاون الأمني والعسكري بينهما.
ويتمثل التعاون في هذا المجال في التدريب الأمني وتسليح القوات البرية والبحرية والجوية في المملكة العربية السعودية، فسبق للسعودية وفرنسا أن وقعتا اتفاقية أمنية في مجال قوى الأمن والدفاع.
&
الثقافة بين البلدين
&
وتشهد السعودية وفرنسا مزيدًا من الروابط الثقافية بين البلدين، تتجسد في المعارض الثقافية، أبرزها معرض المملكة بين الأمس واليوم، الذي نظم في باريس عام 1986، وافتتحه العاهل السعودي الملك سلمان، عندما كان أمير منطقة الرياض آنذاك، والرئيس الفرنسي جاك شيراك، وزاره مئات الآلاف من الفرنسيين والمقيمين، وتعرفوا من خلاله إلى ماضي المملكة وتقاليدها وقيمها الدينية والحضارية، ونموها الحديث ومنجزاتها العملاقة.
&
ووقع العاهل السعودي الملك سلمان عام 1997 وعمدة باريس جان لييري، ميثاق تعاون وصداقة بين مدينتي الرياض وباريس، كما أجرى خلال زيارته عدة لقاءات بكبار المسؤولين الفرنسيين، من بينها لقاؤه في قصر الاليزيه بالرئيس جاك شيراك، كما استقبلت فرنسا معرض الحرمين الشريفين.
&
علاقات اقتصادية
&
ويعد التعاون الاقتصادي بين المملكة وفرنسا خير شاهد على متانة العلاقات بين البلدين، وتعد فرنسا شريكاً رئيسياً حيث احتلت خلال عام 2012، المرتبة الثامنة من بين أكبر 10 دول مصدرة للمملكة، كما احتلت المرتبة 15 من بين الدول التي تصدر لها المملكة، فقد تضاعف حجم التبادلات التجارية بين البلدين لتصل إلى أكثر من 10 مليارات يورو في العام 2014 بزيادة 10% مقارنة بعام 2013.
&
وتمثل فرنسا المستثمر الثالث في المملكة، وتصل قيمة أسهم الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 15.3 مليار دولار أميركي، في حين بلغت قيمة الاستثمار السعودي في فرنسا 900 مليون يورو، ويعادل الاستثمار المباشر السعودي في فرنسا 3 % من قيمة الاستثمار المباشر الأجنبي السعودي في العالم، و30 % من الاستثمار المباشر الأجنبي لدول مجلس التعاون في فرنسا.
&
وفي نيسان (أبريل) عام 2013، منحت الهيئة العامة للاستثمار تراخيص جديدة لعدد من الشركات الفرنسية لتأسيس مشروعات استثمارية داخل المملكة في قطاعات ومجالات مختلفة.
&
وتعتبر فرنسا من الدول المستهدفة في خطة الهيئة العامة للاستثمار الترويجية، التي تعكف على إعدادها بالتشاور والتنسيق الكامل مع الجهات ذات العلاقة، وتحتل المرتبة الأولى والثالثة عالميًا من حيث رصيد التدفقات الاستثمارية التي استقطبتها المملكة، بإجمالي استثمارات تتجاوز 15 مليار دولار، موزعة على 70 شركة فرنسية تستثمر حاليًا في المملكة.

أكبر تجمع اقتصادي
&
ويعد منتدى فرص الأعمال السعودي الفرنسي الأول، أكبر تجمع اقتصادي سعودي - فرنسي يهتم بالشؤون الاقتصادية والاستثمارية والتجارية بين البلدين، ويشارك فيه مجموعة من كبار المسؤولين في البلدين، بالإضافة إلى عدد من المستثمرين ورجال الأعمال وكبار مسؤولي الشركات، يتناول فيه الجانبان تعزيز التعاون في عدد من القطاعات المهمة من خلال جلسات عامة ومتخصصة تتناول الاقتصاد السعودي وقطاعات المال والصحة والطاقة المتجددة والتنمية المستدامة" النفط، والغاز، والبتر وكيماويات، والنقل، والتنمية الحضرية &والصحة، والمياه والكهرباء، والصناعات الزراعية والبنية التحتية الصناعية.
&
وكان الأمير محمد بن سلمان قد التقى في الرياض، في نيسان (إبريل) الماضي، وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، والوفد المرافق له، وجرى خلال اللقاء استعراض أوجه العلاقات الثنائية بين المملكة وفرنسا، ومجالات التعاون في مستجدات الأحداث في المنطقة، كما التقى الشهر الماضي في قصر الدرعية للمؤتمرات بالرياض الرئيس فرانسوا هولاند، حيث جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية بين البلدين الصديقين وسبل دعمها وتطويرها في مختلف المجالات وخاصة الجانب الدفاعي، بالإضافة إلى بحث تطورات الأوضاع في المنطقة.