أثار المقرر الأممي الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية في تقرير أخير مخاوف من تطور هذه الأشكال، بسبب التقدم التقني الذي يسهّل انتشار الشعور المعادي للغير عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ويطلب إجراءات حمائية فعالة.

لندن: في تقرير رفعه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، قال المقرر الأممي الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري، وكراهية الأجانب وبما يتصل بذلك من تعصب، قال إن حركات وجماعات متطرفة، بينها النازيون الجدد وذوو الرؤوس الحليقة وغيرها من الحركات اليمينية، تستمر في ارتكاب اعمال عنف عنصرية ضد الغجر والمسلمين واليهود، وضد طوائف دينية غير تقليدية، تستهدف اماكن عبادتها. كما اعرب المقرر الخاص عن قلقه بشأن المضايقات وأعمال العنف التي تستهدف اشخاصًا ذوي أصول افريقية، وكذلك أعمال العنف التي يرتكبها ضد المهاجرين والأجانب افراد مرتبطون بأحزاب قومية يمينية متطرفة، كإضرام النار في البيوت وتخريب المدارس واماكن العبادة، فضلا عن حالات طعن في الشارع ذهب ضحيتها مهاجرون وطالبو لجوء. وتلقى المقرر الخاص معلومات عن تهديدات ضد مسلمات محجبات، وعن اعتداءات جسدية على أئمة مساجد، وتقارير عن رسم صليب معقوب على مدارس يهودية، وكتابة شعارات ضد اليهود. وتعرضت مقابر يهودية للتدنيس وتحطيم شواهد القبور ورسم الصليب المعقوب عليها.

غياب الأطر الحمائية
اعتبر المقرر الخاص أن اعمال التمييز العنصري اسباب شائعة لفرار الأشخاص من بلدانهم، ويمكن أن تهدد سلامة طالبي اللجوء والمهاجرين في مراحل مختلفة من دورة نزوحهم. يضاف إلى ذلك، غياب الأطر القانونية والمعيارية لحماية هؤلاء الأشخاص في آسيا ومنطقة المحيط الهادئ ينتقص من حقوق المهجرين واللاجئين الذين قد يحتاجون إلى حماية نتيجة الاضطهاد الاثني والعرقي أو كراهية الأجانب في بلدانهم الأصلية.
وتلقى معلومات عن حالات تطرف داخل قوات الشرطة، فلاحظ أن عناصر الشرطة في بعض البلدان يروجون أفكارًا قومية يمينية متطرفة معادية للأجانب علنًا بصفتهم الرسمية، مبديًا قلقه من تقارير اوروبا الشرقية عن أفراد شرطة يمتنعون عن التدخل لمنع المضايقات والتحرشات والاعتداءات الشفهية والعنيفة وعن متابعة الشكاوى التي يقدمها ضحايا الجرائم العنصرية والمعادية للأجانب، لا سيما المهاجرين والأقليات، ناهيك عما تردد عن ضلوع عناصر من الشرطة في جرائم جنسية وجرائم ضد النساء ذوات الأصول الأفريقية ونساء الأقليات، التي كثيرًا ما تُرتكب دون الابلاغ عنها أو التحقيق فيها، لتضاف إلى خوف الضحايا من مراجعة السلطات المختصة للابلاغ عما يتعرضون اليه من حوادث خشية تعرضهم لأعمال انتقامية أو الملاحقة، لا سيما إذا كانت اقامتهم غير نظامية، أو بسبب انعدام الثقة بنظام العدالة الجنائية بالاضافة إلى حواجز اللغة والجهل بحقوقهم. فهذا يمكن أن يؤدي إلى التقليل من حجم المشكلة وطبيعتها، وأن يوحي بعدم وجود جرائم عنصرية ترتكبها احزاب وجماعات سياسة متطرفة أو بأنها اقل انتشارًا مما هي في الواقع.

الكراهية عبر التواصل الاجتماعي
تبين معلومات المقرر الخاص تصاعد الخطاب العنصري وكراهية الأجانب والتعصب ضد اللاجئين وطالبي اللجوء، فأصبحت مظاهر العنصرية وكراهية الأجانب والأقليات شائعة في وسائل الاعلام وعلى الانترنت وعبر شبكات التواصل الاجتماعي. وتلقى المقرر الخاص تقارير من اوروبا الشرقية عن حملة سافرة ضد الغجر في اعلام احدى الدول، حيث يجري تصويرهم على انهم تهديد سكاني، في ظل سكوت مقلق من جانب الرأي العام، وتواني القضاء عن التدخل بحزم.
وقال إن التكنولوجيات الجديدة تُستخدم بصورة أدوات لنشر الأفكار العنصرية وخطاب الكراهية، في ظل الحماية التي توفرها هذه المنصات لهوية من ينشرون هذه الأفكار.
وتعمل حركات وجماعات متطرفة بنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي لترويج التمييز والعنف العنصري والتحريض عليه، ولتوسيع شبكة المؤيدين على نطاق عالمي، ليشاركوا في فعاليات مختلفة على الانترنت من دون أن تشكل المسافات عائقًا. كما يلاحظ المقرر الخاص أن الأنظمة المطبقة في بعض البلدان لمعاقبة الانتهاكات التي تُرتكب ضد القوانين الخاصة باستخدام شبكات التواصل الاجتماعي ليست أنظمة فاعلة.
وينوه المقرر الخاص بأن الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي يمكن أن تُستخدم لمنع انتشار الايديولوجيات العنصرية، ويقدر أن وسائل الاعلام في بعض البلدان بدأت تدرك القيمة الثقافية للتنوع، وتعمل لتحسين ظروف معيشة أفراد الأقليات وظروف عملهم.

محاربة العنصرية في الرياضة
تنشط جماعات متطرفة في الملاعب والمضامير الرياضية خلال المباريات الكروية وفي الفعاليات الرياضية المحترفة. وقد اعرب المقرر الخاص عن قلقه حيال زيادة ما يُبلغ عنه من حالات استخدام رموز ولافتات عنصرية وعرضها خلال المباريات الكروية وإطلاق شعارات عنصرية والقيام بحركات عنصرية خلال هذه الفعاليات. وكثيرًا ما تكون هذه الخروقات موجهة ضد لاعبين أجانب أو لاعبين ومشجعين ذوي اصول افريقية، وآخرين بسبب اصولهم الإثنية.
وأكد المقرر الخاص أن لا مكان للعنصرية والتعصب في الرياضة، التي تلتقي فيها الثقافات على اختلافها في منافسة شريفة، بعيدًا عن الانقسامات الاجتماعية والسياسية، داعيًا الدول والاتحادات الرياضية والجهات المختصة إلى معالجة المشكلة جذريًا، ومؤكدًا أن التزامات تقع على عاتق الدول في هذا الشأن بموجب معاهدات دولية كالاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري.

تشريعات مناهضة للعنصرية
لاحظ المقرر الخاص تزايد عدد البلدان التي تحظر التمييز العنصري وكراهية الأجانب في تشريعاتها الداخلية، والتي ألحقت الاتفاقية الدولية للقضاء على كل اشكال العنصرية بالقانون المعمول به على أراضيها، فبعض البلدان أضافت بنودًا في قوانينها الخاصة بالهجرة واللجوء تؤكد مبدأ عدم التمييز، وتلزم المؤسسات ذات العلاقة اتخاذ كل الاجراءات اللازمة لمنع التمييز ضد اللاجئين والمهاجرين. وفي بعض الحالات، اقترنت هذه التطورات التشريعية باستحداث مؤسسات خاصة كمفوضيات حقوق الانسان، أو اجهزة رقابة ومتابعة للشكاوى التي تُقدم في هذا المجال.
ويقول المقرر الخاص إنه تلقى معلومات تفيد بأن بعض الدول اتخذت اجراءات لتدريب مسؤوليها والعاملين في مجال إنفاذ القانون على مبادئ احترام حقوق الانسان. وفي احد بلدان الشرق الأوسط، نظمت مفوضية حقوق الانسان ورشات عمل للتوعية بحقوق الانسان بين أفراد الشرطة والكوادر العاملة في السلطة القضائية والمسؤولين الحكوميين. كما أُقر قانون في البلد نفسه لإشاعة ثقافة حقوق الانسان، بما في ذلك اعداد خطة عمل وطنية. وشدد على أهمية استمرار التعاون مع المؤسسات الدولية والاقليمية المختصة بحقوق الانسان ومنظمات المجتمع الدولي في مواجهة الجماعات والحركات المتطرفة.

خلاصات وتوصيات
يرى المقرر الخاص ضرورة التعامل مع قضايا العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب ضمن إطار قانوني متين معزز بالبرامج التثقيفية والتوعوية، مقترحًا تبادل الممارسات الايجابية التي يستعرضها التقرير على اساس منتظم بين جميع العاملين في هذا المجال.

ومن أجل هذا الهدف يقدم المقرر الخاص التوصيات الآتية:
1-على الدول أن تضع نصب أعينها دائما أن صيانة وتعزيز قيم الديمقراطية ضروريان لمنع ومكافحة العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب. لذا يتعين على القادة السياسيين والأحزاب السياسية أن يدينوا بشدة كل ادعاءات التفوق العرقي أو الكراهية والتحريض على التمييز العنصري أو كراهية الأجانب، وأن يكون احترام حقوق الانسان والحريات والديمقراطية وحكم القانون حجر الزاوية في برامجهم ونشاطاتهم.
2- أي دعوة إلى الكراهية القومية أو العرقية أو الدينية تشكل تحريضًا على التمييز او العنف يجب أن تُمنع بقوة القانون.
3- يوصي المقرر الخاص بأن تشرع الدول قوانين تتوافق مع المعايير الدولية لحقوق الانسان، بما في ذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على كل اشكال العنصرية.
4- يؤكد المقرر الخاص أن التزامًا يقع على عاتق الدول بمعاقبة الجرائم التي تُرتكب بدوافع العنصرية او كراهية الأجانب أو معاداة السامية أو المثلية، ومكافحة الافلات من العقاب، مع ضمان تحقيق شامل ومحايد وسريع في هذه الجرائم.


5- على الدول أن تضمن تلقي ضحايا هذه الجرائم كل المعونة القانونية، بما في ذلك الحق في طلب تعويض عما لحق بهم من أذى نتيجة هذه الجرائم، مع توفير كل مساعدة قانونية وطبية ونفسية ممكنة للضحايا، وتوعيتهم بحقوقهم والحلول القضائية وغير القضائية المتاحة.
6- يقدر المقرر الخاص الجهود التي تُبذل لتوثيق الجرائم ذات الدوافع العنصرية ويؤكد مجددا التوصيات السابقة في تقارير مجلس الأمم المتحدة لحقوق الانسان والجمعية العام للأمم المتحدة بأن تجمع الدول بيانات واحصاءات عن جرائم العنصرية وكراهية الأجانب ومعاداة السامية والمثلية لتحديد اشكالها وسمات الضحايا والمرتكبين وما إذا كانوا ينتمون إلى جماعات او حركات متطرفة.
7- التربية والتثقيف هما أشد الوسائل فاعلية في مواجهة التأثير السلبي للأحزاب والجماعات والحركات المتطرفة وخاصة على الشباب.
8- على الدول أن تدرك اهمية التربية الرسمية وغير الرسمية في محاربة التحامل وتغيير المواقف السلبية واشاعة التفاهم وتعزيز التلاحم الاجتماعي، وتشجيع النشاطات والاجراءات التربوية لتحقيق هذا الهدف.
9- ينبغي تعزيز قدرة المسؤولين في أجهزة انفاذ القانون والقضاء لمكافحة الجرائم التي تُرتكب بدوافع العنصرية وكراهية الأجانب ومعاداة السامية أو المثلية، وتنظيم دورات شاملة والزامية لتدريب المسؤولين، بمن فيهم العاملون في اجهزة انفاذ القانون، في مجال حقوق الانسان، بما في ذلك التدريب المتخصص بمكافحة جرائم العنصرية وكراهية الأجانب، مع إعداد توجيهات وآليات واضحة لتمكينهم من رصد مثل هذه الجرائم والتحقيق فيها.


10- يقدر المقرر الخاص تنظيم نشاطات لرفع الوعي مثل الفعاليات الثقافية والمهرجانات والمؤتمرات والندوات والمسابقات والمعارض والدراسات والمطبوعات، وكذلك الحملات الاعلامية وغيرها من المبادرات الهادفة إلى توفير فضاء للحوار والتفاعل بين الثقافات، بما يسهم في بناء مجتمع يقوم على التعددية والتسامح واحترام التنوع الثقافي والتعددية الثقافية وعدم التمييز.
11- يلاحظ المقرر الخاص بقلق استخدام الانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي بصورة متزايدة من جانب الحركات والجماعات المتطرفة لنشر افكارها. وعلى الدول أن تغتنم كل الفرص المتاحة، بما في ذلك التي توفرها الانترنت، لمكافحة نشر هذه الأفكار القائمة على التفوق العرقي أو الكراهية، واشاعة قيم المساواة والتنوع والديمقراطية.
12- يدعو المقرر الخاص الدول إلى تعزيز الاجراءات الرامية إلى منع مظاهر العنصرية وكراهية الأجانب في الفعاليات الرياضية. ويلاحظ الدور الكبير الذي تقوم به الرياضة في خدمة التنوع الثقافي والتسامح والوئام.
13- يدين المقرر الخاص كل مظاهر اللاتسامح الديني والتحريض والمضايقات والعنف ضد الأفراد أو الجماعات على اساس الأصول الإثنية أو الاعتقاد الديني.
14- يعيد المقرر الخاص إلى الاذهان اهمية تعزيز التعاون مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الاقليمية والدولية المعنية بحقوق الانسان لمواجهة الأحزاب والجماعات والحركات السياسية المتطرفة، ويشدد على دور المجتمع المدني في جمع المعلومات والعمل مع الضحايا وإشاعة المبادئ الديمقراطية وحقوق الانسان.
15- يدعو المقرر الخاص الدول إلى تقديم معلومات بشأن الاجراءات المتخذة في اراضيها، بالارتباط مع البنود التي ينص عليها قرار الجمعية العامة 69/160 حول مكافحة تمجيد النازية والنازية الجديدة وغيرها من الممارسات التي تسهم في إذكاء أشكال معاصرة من العنصرية والتمييز العنصري وكراهية الأجانب وما يتصل بها من تعصب.


&