أعلن زبيغنيو بريجنسكي صراحة أن الحرب الباردة بين أميركا وروسيا قد بدأ فعلًا في ضوء الأزمة الأوكرانية، مقترحًا صيغة حل ترضي الطرفين، ولا تنتقص من سيادة أوكرانيا. وطمأن العالم إلى أن تحول هذه الحرب من البرود إلى السخونة مستبعد.
&
قال زبيغنيو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي في إدارة جيمي كارتر، إن العلاقة المتأزمة بين روسيا والولايات المتحدة ليست بداية حرب باردة، بل هي فعلًا حرب باردة، "لكن من حسن الحظ أن احتمالات تحولها إلى حرب ساخنة ما زالت قليلة".
&
لسنا البادئين
واستبعد بريجنسكي، في حديث لمجلة "شبيغل" الالمانية، أن تستمر الحرب الباردة الجديدة عقودًا كالحرب الباردة السابقة التي دامت 40 عامًا. وقال: "ضغوط الخارج محسوسة اليوم بقدر أكبر في الداخل، وإذا استمرت هذه الضغوط ولم يحدث انهيار في اوكرانيا فإن الضغوط الداخلية في روسيا ستفرض على القيادة، ايًا تكن، البحث عن بدائل".
واعرب بريجنسكي عن الأمل في أن يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذكيًا بما فيه الكفاية كي يعرف أنه من الأفضل له أن يبحث عن بدائل قبل فوات الأوان، "ومن الصعب القول إذا كان بوتين ذكيًا بما فيه الكفاية، لكن الرئيس الروسي يتمتع بذكاء غريزي"، كما قال، مُتسائلًا عن سبب تعمد بوتين استعداء أكثر من 40 مليون اوكراني كانوا حتى الآونة الأخيرة لا يضمرون أي عداء لروسيا.
وتناول بريجنسكي إرسال اسلحة اميركية ثقيلة إلى اوروبا الشرقية ودول البلقان، قائلًا: "روسيا هي التي أرسلت قوات وأسلحة في اوكرانيا، وأشعلت حربًا محدودة بعد السيطرة على جزء كبير منها، وبالتالي هي مسألة فعل ورد فعل". وأكد انه لا يدعو إلى الحرب، وأن الولايات المتحدة حين ترد على افعال روسيا الأحادية لا تكون هي الاستفزازية والبادئة بإشعال حرب، "بل على العكس، فإن التقاعس عن الرد هو الطريق الأقصر لإشعال حرب"، بحسب بريجنسكي.
&
بوتين كهتلر
رفض بريجنسكي الرأي القائل إن إقدام الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي على وضع أسلحة ثقيلة في اوروبا الشرقية يخدم دعاية بوتين ضد الغرب. قال: "إن الحلف يرسل اسلحة وقوات إلى اراضي دول اعضاء فيه، لأن ما يجري على اعتابها يمكن أن تكون له تداعيات خطيرة عليها، والتشكيك بصواب هذه الخطوة على اساس انها تعزز موقع بوتين في روسيا يشبه الحجة التي طُرحت لصالح الرد المائع عندما اجتاح هتلر اراضي السوديت في تشيكوسلوفاكيا، أو عندما أقدم على ضم النمسا".
وحين سُئل بريجنسكي إن كان يقارن بوتين بهتلر، أجاب: "هناك بعض أوجه الشبه، لكن هناك اختلافات ايضا، فهتلر لم يكن قط مهتمًا على نحو خاص بالكسب المالي الشخصي إلى حد كبير، ولدى بوتين اهتمام جانبي بكسب الكثير من المال، لكنه مقامر، وهذه سمة خطيرة".
وعما سيكون رد فعل حلف ناتو في حال إقدام روسيا على غزو دول البلطيق، قال مستشار الأمن القومي الاميركي السابق: "هذا هو مبرر وجود حلف ناتو اصلًا، فهل نقول للعالم إننا لا نعني ما نقول ولن نفعل شيئًا؟ هذا اشبه بتعليق يافطة على باب البيت تقول: نحن لسنا في الدار والباب ليس مقفلًا، فهل هذه استراتيجية أمنية ذكية؟"
&
ليدفعوا الثمن
وأظهر استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث أن 58 في المئة من الالمان يرون أن المانيا يجب ألا تستخدم القوة العسكرية للدفاع عن دولة اطلسية حليفة إذا هاجمتها روسيا. وفي هذا الشأن سأل بريجنسكي: "ما هي نسبة الالمان الذين سيقولون إن ليس على أميركا أن تنبري لحماية ألمانيا إذا تعرضت للهجوم؟"، معربًا عن اعتقاده بأن غالبية الالمان سيطلبون مساعدة الولايات المتحدة، "فهذه طبيعة بشرية، ولهذا السبب أنا لستُ قلقًا بشأن هذه الأمور، لأن الطبيعة البشرية تتغير مع تغير الظروف. انظروا إلى الليتوانيين، فهم أعلنوا لتوهم انهم سيدافعون عن أنفسهم، وكفى. وينبغي أن تخجل المانيا من ذلك، بل أنا في الحقيقة أعتقد أن المانيا ستقاتل. وأعتقد أن المستشارة انغيلا ميركل ستقاتل، والمعارضة ستقاتل".
واعتبر بريجنسكي أن ميركل تؤدي مهمتها على أحسن وجه، في اشارة إلى تنازل الرئيس الاميركي باراك اوباما عن القيادة لها في النزاع الاوكراني. قال: "لدى اوباما مشاكل أخرى، مثل الشرق الأوسط".
وكانت ميركل اعربت عن رفضها ارسال أسلحة إلى الحكومة الاوكرانية، لأن الأزمة لا يمكن أن تُحل بالطرق العسكرية. فقال بريجنسكي: "على الغرب أن يجعل الروس يدفعون ثمنًا أبهظ لاستخدامهم القوة. واعتقد أن من المنطقي مد الاوكرانيين بأسلحة دفاعية للدفاع عن المدن الرئيسة. فمن يريد السيطرة على بلد كبير يجب أن يسيطر على المدن الكبيرة، والسيطرة على المدن الكبيرة باهظة الكلفة إذا كان السكان مستعدين للدفاع عنها".
&
الحل الأمثل
واقترح بريجنسكي أن يكون حل الأزمة الاوكرانية على أساس تفاهم اطاره شمول اوكرانيا بالترتيبات نفسها التي وفرها الغرب للاستقرار والسلام منذ عقود بين الغرب وفنلندا.
ويعني هذا، كما اوضح بريجنسكي لمجلة شبيغل: "اوكرانيا يجب أن تكون حرة في اختيار هويتها السياسية وفلسفتها السياسية وتأطيرها بعلاقات أمتن مع اوروبا، وفي الوقت نفسه يجب طمأنة روسيا بمصداقية إلى أن اوكرانيا لن تصبح عضوًا في حلف شمال الأطلسي".
واضاف: "ما زالتُ اعتقد أن هذه هي الصيغة الأمثل لايجاد حل للمسألة الأوكرانية".
وبالارتباط مع ما كُشف عن تنصت وكالة الأمن القومي الاميركية على هاتف المستشارة ميركل وكبار المسؤولين الالمان، سُئل بريجنسكي إذا كانت الوكالة تتنصت على المستشار الالماني هيلموت شميدت حين كان هو مستشارًا للأمن القومي في البيت الأبيض، فأجاب بريجنسكي قائلًا: "لدي شعور بالمسؤولية تجاه موقعي السابق، وبالتالي لن أجيب عن هذا السؤال".