لم يتمكن الخبراء حتى الآن من معرفة تفاصيل آلاف اللوحات المرسومة على جدران الكهوف والكنائس وعلى القماش لتآكلها وتلاشي ألوانها. لكن العلماء الألمان استخدموا كاميرا خاصة لتصوير المخفي في هذه اللوحات.

ماجد الخطيب: أعاد العلماء الألمان تركيب ولصق جداريات شارع الموكب وباب عشتار البابلية (العراق)، وفي استخدام الكومبيوتر لاعادة تركيب آثار تل حلف (سوريا)، التي أُعتبرت نفاية طوال ستة عقود أعقبت تدميرها في الحرب العالمية الثانية، وفي استخدام جهاز يعمل بالموجات الصوتية لرسم مدينة مطمورة في تركيا، يعتقد أنها طروادة، من فوق سطح الأرض، دون الحاجة إلى حفريات.

يطل علينا معهد فراونهوفر الألماني الشهير اليوم بتقنية جديدة لحفظ الآثار واستعادة المتلاشي أو المنقرض منها، بعد أن كان علماؤه قد ابتكروا غازًا سائلًا يتغلغل داخل مسامات الآثار الخشبية ويمنع تأثرها بعوامل التعرية المختلفة والآفات، وبعد أن كان المعهد قد وضع بين أيدي البشرية نظامًا إلكترونيا حديثًا للتحذير من بدء عملية تآكل الآثار أطلقوا عليه اسم "حارس الفن".

و"كاميرا الترميم" ابتكار جديد استخدمه علماء معهد فراونهوفر للتقنيات الميكانيكية والأتمتة في ماغدبورغ لتصوير اللوحات الجدارية الملونة المتلاشية التي ضاعت تفاصيلها في كاتدرائية براندبورغ& قرب برلين. ونجحت الكاميرا باستخدام تقنية متطورة للفصل بين الألوان في اظهار تفاصيل اللوحات بالكامل، ما يعبد الطريق أمام ترميم كامل اللوحات الجدارية المتلاشية.

50 قناة ملونة

الكاميرا التي تصور ما تعجز العين البشرية عن تصويره هي كاميرا "فوق طيفية" تستخدم أكثر من 50 قناة ملونة للفصل بين آثار الألوان المتبقية على الجدران، وترسم الخطوط التفصيلية للأشكال في اللوحة مع ألوانها. ويمكن عن طريق تكرار التصوير على عدة مستويات من اللوحة، وباستخدام برنامج حاسوب خاص، التوصل إلى كافة التفاصيل التي تتيح اعادة ترميم اللوحة بالكامل.

وذكر الباحث اندرياس هيرتسوغ، الذي طور الكاميرا، أنها تلتقط الضوء الذي لا تستطيع العين البشرية السليمة التقاطه. فما كان بقع لونية باهتة في اللوحة على جدار كاتدرائية براندبورغ اتضح انه لوحة لفرسان وخيول وبشر بثياب زاهية.

أطوال أشعة الضوء الصادرة عن تفاصيل اللوحة تقع ضمن أطوال الأشعة فوق الحمراء، كما أن طيفها الضوئي أقل من المعتاد، وهذا ما يجعلها عصية على العين الطبيعية، وظاهرة بالنسبة للكاميرا فوق الطيفية. وإذ تلتقط العين البشرية ألوان الأخضر والأحمر والأزرق وتدرجاتها، تستخدم كاميرا الترميم 51 قناة ملونة للتعرف على أطياف مختلف الألوان. فالعين البشرية ترى في مكان ما اللون الأزرق فقط، في حين أن قنوات الكاميرا فوق الطيفية تلتقط أطياف الألوان الأخرى في نفس هذا الأزرق أيضًا.

وأوضح الباحث أن أعمال الترميم لم تبدأ بعد، لكن خبراء الترميم من الفنانين اكدوا أن الصور التي التقطتها الكاميرا تكفي لمنح اللوحات المتلاشية جاذبيتها السابقة للعين البشرية.
&
أقل ضررًا

وهذا ليس كل ما تتيحه كاميرا الترميم من إمكانيات أمام المتاحف ودوائر حفظ الآثار، لأنها تصور اللوحة على عدة مستويات، وتكشف إذا كان الفنان رسمها بطبقة واحدة أو بعدة طبقات. وهذا يعني انه يمكنها أن تكشف أيضًا إذا كان الرسام أخفى لوحة ثانية تحت اللوحة الظاهرة، أو رسم لوحة ما ثم قرر أن يطليها بالأبيض ةأن يعيد رسم لوحة جديدة فوقها. وتتيح هذه الإمكانية لفناني اليوم ترميم اللوحة المتلاشية بالتدريج، وعلى طبقات، كما فعل الرسام الأصلي وبنفس درجات الألوان بالضبط.

استخدم علماء الآثار الأشعة فوق البنفسجية حتى الآن للكشف عن اللوحات المخفية وراء لوحات أخرى، وفي محاولة التعرف على تفاصيل الأعمال الفنية، وهي عملية تجعل اللوحة المخفية تشع بألوان مشعة. لكنه ثبت أن هذه الطريقة تؤثر في ألوان اللوحات الأصلية، وسبق لمعهد فراونهوفر أن حذر منها، وأن اثبت أن اللوحات التي تعرضت للأشعة فوق البنفسجية فقدت من نوعية ألوانها وبريقها لاحقًا، في حين أن الكاميرا فوق الطيفية لا تضر بالأعمال الفنية، لأنها تستخدم أطوال أشعة ضوء ضمن الأطوال الطبيعية التي يصدرها اي مصدر ضوئي حديث.

حارس الفن

يقدر الباحثون وجود أكثر من 150 مليون تحفة فنية ولُقية قديمة، تنتشر في متاحف العالم، وفي المجموعات الشخصية، وهي قطع قديمة تاريخية يمكن أن تفقد الكثير من قيمتها بمرور الوقت، وبفعل تغير شروط الحفظ، أو بسبب السرقة التي تتعرض لها هذه المتاحف.

ولذلك، عمل علماء معهد فراونهوفر الألماني على تطوير نظام جديد يراقب التغيرات التي يمكن أن تطرأ على شروط الحفظ طوال 24 ساعة في اليوم. أطلق العلماء على النظام اسم "آرت غارديان" أو حارس الفن، وزودوه بعدة أنظمة استشعار بالغة الصغر تتولى مراقبة الحركة ودرحة الحرارة والرطوبة وكمية الضوء الذي يصل إلى اللوحة أو القطعة الفنية. وحرص خبراء معهد فراونهوفر على تطوير هذه الأنظمة بحيث تبقى غير مرئية ولا تضر بالمنظر أو بالقطعة الفينة، كما يمكن دمجها في زجاج الدولاب الذي يحيط بالتحفة المعنية. وهذا يعني أنهم جعلوا هذه "العيون" شفافة وقابلة للإندماج بشروط عرض القطعة الفنية الممتدة بين الزجاج والاطارات والزوايا...إلخ

عدا عن ذلك، إرسال نظام "حارس الفن" اللاسلكي بعيد المدى، وقادر على فرض الرقابة من مركزه في المتحف، على القطع الفنية، أثناء نقلها داخل المدينة الواحدة، أو أثناء عرضها في قاعة أخرى غير المتحف المعروضة به.
&
ثاني أوكسيد الكربون سائل

تعاني معظم المتاحف العالمية من مشكلة صيانة الآثار الخشبية، ليس بسبب آفات الخشب المعروفة مثل العث والارضة وغيرها، وانما بسبب تخلف طرق الحفاظ عليها واقتصارها حتى الآن على استخدام السموم ومبيدات الحشرات.

توصل علماء معهد فراونهوفر إلى طريقة "نظيفة " لتخليص التماثيل الخشبية وقطع الأثاث التاريخية وغيرها من المواد السامة، وحفظها جيدًا باستخدام ثاني اوكسيد الكربون السائل، الذي يتحلى بخواص ذوبانية عالية تؤهله للنفاذ إلى كافة المسامات الخشبية بسهولة.

وذكر ايريش يلين من معهد فراونهوفر أن ثاني اوكسيد الكربون السائل نجح في طرد المواد الحافظة السابقة من المسامات الخشبية والحلول محلها. وراقب العلماء كيفية نفوذ سائل ثاني اوكسيد الكربون إلى داخل الخشب وطرده لمادتي "دي دي تي" و "بي سي بي" بشكل كامل تقريبًا، وكيفية جمعه المادتين الأخيرتين بواسطة فلترات خاصة من الفحم الناشط بهدف منع انطلاقها إلى أجواء الغرف.

عدا عن تأثير هذه المواد على صحة الإنسان، ثبت أيضًا انها تؤدي إلى نشوء طبقة بيضاء بلورية على سطح التماثيل نتيجة تسلل المادة الكلورية من مسامات الخشب. وهي طبقة من الممكن إزالتها عن سطح الأجسام الخشبية، إلا انها تعاود الظهور بسبب استمرار تدفق مادة دي دي تي من المسامات، وثاني أوكسيد الكربون السائل يوقف هذه العملية.