52 درجة مئوية وأكثر، لا مشاة في الشوارع، لا باعة في الطرقات، سيارات تحولت إلى أفران متنقلة، ومعلومات تتبخر من رأس التلاميذ، ومواطن يقلي بيضة على الأشعة الشمسية، ولا كهرباء للتبريد... هذا هو حرّ العراق.
&
بغداد: بدأت درجات الحرارة ترتفع اعلى من معدلاتها العامة، فيما يعاني العراقيون من عدم توفر الطاقة الكهربائية بشكل مستمر مع صيام رمضان، ما يجعلهم في حالة تذمر شديد، إذ ليس سهلًا في هذه الايام المشي في شوارع بغداد خلال اكثر من ثماني ساعات، حين ترتفع درجات الحرارة بشكل مرعب، فيلتهب اسفلت الشوارع.

52 درجة

يحاول العراقيون التفنن في مقاومة حرِ الصيف، لكن محاولاتهم باءت بالفشل.&فالحر شديد، ووزارة الصحة العراقية تحذر المواطنين من مخاطر ارتفاع درجات الحرارة خلال تموز (يوليو)، والتعرض بشكل مباشر لأشعة الشمس، ونصحت باللجوء إلى مناطق الظل وارتداء أغطية الرأس الواقية من أشعة الشمس.

قالت هيئة الانواء الجوية إن المنخفض الموسمي الحراري الذي تشهده البلاد سيتعمق تأثيره، ما يؤدي إلى ارتفاع في درجات الحرارة لتكون اعلى من معدلاتها العامة بعدة درجات. وافادت بارتفاع درجات الحرارة في العراق إلى 52 درجة مئوية، خصوصا في المنطقة الجنوبية، مع احتمال تصاعد نسبة الاشعة البنفسجية إلى 2%، وهي الأشعة التي تسبب سرطان الجلد، إن تم التعرض لهذه الأشعة لفترات طويلة.

بيضة مقلية بالشمس

قام مواطن عراقي بتوجيه رسالة غريبة من نوعها إلى المسؤولين في الحكومة العراقية تعبيرًا عن الضيق من ارتفاع درجات الحرارة، بقيامه بقلي بيضة تحت اشعة الشمس وبدون استخدام أي مصدر آخر للحرارة ليبين درجة الحرارة المرتفعة التي يشهدها العراق.

&ودعا احمد خيري المسؤولين إلى توفير الاحتياجات الاساسية كالكهرباء واجهزة التبريد للنازحين الذين يعيشون ظروفًا صعبة، تحت درجات الحرارة المرتفعة.

وحذّرت المفوضية العليا المستقلة لحقوق الإنسان في العراق من حدوث وفيات بين الأطفال النازحين، المقيمين في المخيمات الموقتة بعدة محافظات، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وغياب وسائل التبريد.

وقالت سلامة الخفاجي، عضو المفوضية: "ارتفاع درجات الحرارة في بغداد وبعض المحافظات يهدد بحدوث وفيات بين الأطفال النازحين، خصوصًا الذين يقيمون حاليًا في وحدات سكن جاهزة مصنوعة من الحديد غير مجهزة بوسائل التبريد، التي تشكل خطرًا على حياة الأطفال، بسبب ارتفاع درجة حرارتها"،& لافتةً إلى أن قلة ساعات إمداد التيار الكهربائي إلى المخيمات يزيد من وفيات الأطفال صغار السن.

الفلوجة والبصرة

قال المواطن البصري عدي حمدي إن درجة حرارة وصلت إلى 51 درجة مئوية، "لكنها في الحقيقة حارقة خارقة ولا تطاق، واتوقع أن تستمر موجة الحر فتجلسنا في بيوتنا، والبصرة بلا مكيفات هواء تصبح غرفة من غرف جهنم".

وأضاف: "بسبب عدم وجود كهرباء، الظاهرة الملفتة في البصرة هي الاقبال المتزايد على شراء قوالب الثلج الذي ارتفعت اسعاره من المعامل والباعة المتجولة، خاصة اننا في شهر رمضان ونحتاج الماء البارد والمحلى".

اما العسكري حسين شهيد فقال إن درجة الحرارة في الفلوجة وصلت إلى 55 درجة مئوية، "ولا يمكن وصف مستوى درجات الحرارة فهي تذيب حتى الظلال هنا، فكل شيء ساخن والارض لا يمكن لأحد أن يضع قدمه حافية عليها، لكننا نتبرد بعزيمتنا على تحرير المدينة".

ندرة المارة

شوارع بغداد شبه خالية من المشاة ومن باعة الماء الذين كانوا قبل دخول رمضان يملأون الشوارع. كما أن محال بيع المشروبات الغازية والعصائر مغلقة هي الاخرى، فحظر الافطار العلني غيبهم، لذلك ترى غير الصائمين يشاركون الصائمين العطش، فيما اغلقت المطاعم والمقاهي التي كانت تمثل ملاذًا بسيطًا للمواطنين للهروب من الحر.

السائر لا يجد ما يلجأ اليه من اشعة الشمس الا بعض الظلال في اماكن مختلفة، لكن احدًا لم يستخدم المظلات الشمسية ولا القبعات لأن العراقيين غير معتادين على ذلك رغم أنهم يطلقون اسم "شمسية" على المظلة. ويستعيض البعض عنها برفع جريدة لتقيه اشعة الشمس. والطريف هو عدم وجود زحام كما هو الحال في اغلب أشهر السنة، لأن السيارات قليلة جدًا.

يغادر كثير من الباعة امكنتهم مع اول الظهيرة، وبعضهم يحاول التمسك بظلال مظلة لا تنفغ كثيرًا، لأنه مجبر على العمل للعيش. يقول أحدهم: "رزقنا نحن الباعة الصغار مما نبيعه في يومنا، لكن عندما تشتد درجات الحرارة لا احد يمر بنا ولا احد يشتري، نخاف من الامراض التي تسببها الشمس والحرارة لكن ليس بيدنا غير الصبر، والرزق على الله".

سيارات تغلي

الامر الذي يزعج الكثيرين أن اغلب سيارات النقل الخاص بلا تكييف، وهذا يعني أن السيارة تتحول إلى علبة حديدية تفور وسط اجواء مرهقة للجسد والروح. ولا تسمع من الركاب سوى التأفف والانزعاج، ولا أحد يصدق درجة الحرارة كما تعلنها الأحوال الجوية بل يؤكدون انها اعلى من خمسين درجة مئوية.

داخل سيارة للنقل الخاص سمعت رجلا في الخمسين من عمره يتحدث بصوت عال: "يقولون درجة الحرارة 40، ويستحون أن يقولوا انها 50 او 60 حتى لا يعطوا الناس عطلة مثل السنة الماضية، والله هذا حر غير طبيعي وانا اعتقد انه عقوبة من الله للعراقيين ولكن لماذا ؟ لا اعرف". لكن احد الراكبين في السيارة اجابه : "بسبب فساد السياسيين"، ما اضحك غالبية الراكبين.

"دوش" في الشوارع

ومن السهل مشاهدة الوسيلة المبتكرة لتخفيف وطأة الحر في الشوارع العامة، ومساعدة الصائمين اثناء مرورهم في الشوارع في المناطق العامة والاسواق الشعبية، وهو الـ "دوش" الذي يرش الماء طوال النهار، ويغتسل به المارة، ويبللون اجسادهم وملابسهم، وقد صار ظاهرة صيفية، لكن هذا الدوش يكون في الغالب محط ترفيه وضحك وسخرية يتبارى الاخرون في دفع اجسادهم تحته، لكن النساء لا يفعلن سوى مد ايديهن وغسل وجوههن ورش الماء على رؤوسهن.

وتُسمع بسهولة شكوى طلاب السادس الاعدادي الذين يؤدون امتحاناتهم تحت اشعة الشمس الحارقة، حتى أن احدهم وهو الطالب مشتاق طالب قال: "الحر الشديد لا يمنحني مزاجًا طيبًا للقراءة، فما اقرأه انساه بعد دقائق، احسه يتبخر بسبب الحرارة، فهذا حر غير طبيعي ولو كنت مسؤولا لجعلت الامتحانات ليلًا".