أشار مراقبون إلى أن المستشار هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، هو المقصود بقانون أقرّه الرئيس المصري يتيح له إقالة رؤساء وأعضاء الأجهزة الرقابية، لكن هذا الأخير نفى أن يكون القانون قادرًا على النيل منه، فهو يتمتع بالإستقلالية وغير قابل للعزل.

القاهرة: أصدر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قرارًا بقانون يمنحه الحق في عزل رؤساء الهيئات والأجهزة الرقابية المستقلة، رغم أن الدستور ينص على منح هؤلاء حصانة ضد العزل. وجاء نص القانون الذي حمل رقم 89 لسنة 2015: "يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم فى أربع حالات، الأولى: إذا قامت بشأنه دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها؛ الثانية: إذا فقد الثقة والاعتبار؛ الثالثة إذا أخل بواجبات وظيفته بما من شأنه الإضرار بالمصالح العليا للبلاد أو أحد الأشخاص لاعتبارية العامة؛ الرابعة: إذا فقد أحد شروط الصلاحية للمنصب الذي يشغله لغير الأسباب الصحية".

لا ينال مني

أثار هذا القانون الكثير من الجدل وانتقدته القوى السياسية، وتناثرت أنباء تفيد بأن رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات المستشار هشام جنينة هو المقصود بالقانون الجديد، لا سيما أنه الجهاز الأول والأكبر المسؤول عن مكافحة الفساد، في ظل إصراره على كشف الفساد في الوزارات والهيئات التي تحمل وصف "سيادية"، ومنها وزارة الداخلية ووزارة العدل ومؤسسة القضاء.

ووقع صدام شديد بين جنينة والقضاة، وتوعده المستشار أحمد الزند بالعقاب، خاصة بعد أن وصل الصدام بينهما إلى ساحات القضاء. ويوجه خصوم جنينة إليه إتهامات بأنه "إخواني" بسبب تعيينه من قبل الرئيس السابق محمد مرسي.

غير أن جنينة يؤكد أنه غير قابل للعزل، حتى بعد إصدار السيسي هذا القانون. وقال في تصريحات له: "قانون الجهاز المركزي للمحاسبات يحصنني من العزل، والمادة 20 من قانون الجهاز تنص على عدم جواز عزل رئيس الجهاز إلا بموافقة منه، ويصدر بعدها قرار من رئيس الجمهورية في شكل موافقة على استقالة يقدمها رئيس الجهاز بنفسه، والقرار بالقانون الذي أصدره السيسي لم ينص على إلغاء هذه المادة من قانون الجهاز".

سيئ السمعة

يقدر جنينة حجم الفساد في مصر خلال العام الماضي 2014 بـ200 مليار جنيه، مشيرًا إلى أن نصيب وزارة الداخلية والنيابة العامة والقضاء منه 26 مليار جنيه. وأضاف أن وزارة الداخلية ترفض الكشف عن رواتب ومكافآت ومخصصات العاملين فيها، بحجة محاربة الإرهاب.

ووفقًا للخبراء القانونيين والسياسيين، فإن القانون يخالف الدستور المصري، واعتبرته القوى السياسية "قانونًا سيئ السمعة". وقال رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان جمال عيد لـ"إيلاف" إن القانون غير دستوري ينتهك المادتين 215 و216 من الدستور المصري، وهاتان المادتان تمنحان مجلس النواب الحق في تعيين رؤساء الجهات الرقابية، وتدخل السلطة التنفيذية في عمل الجهات الرقابية يضرب استقلالها، ما يجعلها مجرد كيانات تابعة لمؤسسة الرئاسة.

أضاف: "القانون يهدر استقلال الأجهزة الرقابية، ويناقض تعهدات السيسي التي أطلقها قبل أقل من ثلاثة أشهر أثناء عيد العمال، وقال فيها إنه لن يتدخل لدى أي جهاز رقابي فى الدولة للتستر على أي فساد، والسيسي بإصداره هذا القانون يستحوذ أيضًا على السلطة القضائية، بعد أن استحوذ لنفسه على السلطتين التنفيذية والتشريعية، والأسباب التي منحها لنفسه لعزل رؤساء الأجهزة الرقابية لا يمكن التحقق منها إلا من خلال القضاء".

ليس جادًا

وقال الدكتور محمود سعيد، أستاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة، إن القانون يخالف الدستور ويغل يد الأجهزة الرقابية عن مواجهة الفساد. وأضاف لـ"إيلاف" أن المادة 215 من الدستور تنص على الآتي: "يحدد القانون الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية، وتتمتع تلك الهيئات والأجهزة بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال الفني والمالي والإداري، ويؤخذ رأيها في مشروعات القوانين، واللوائح المتعلقة بمجال عملها، وتعد من تلك الهيئات والأجهزة البنك المركزي والهيئة العامة للرقابة المالية، والجهاز المركزي للمحاسبات، هيئة الرقابة الإدارية".

ولفت إلى أن المادة 216 من الدستور تنص أيضًا على الآتي: "يصدر بتشكيل كل هيئة مستقلة أو جهاز رقابي قانون، يحدد اختصاصاتها، ونظام عملها، وضمانات استقلالها، والحماية اللازمة لأعضائها، وسائر أوضاعهم الوظيفية، بما يكفل لهم الحياد والاستقلال، ويعين رئيس الجمهورية رؤساء تلك الهيئات والأجهزة بعد موافقة مجلس النواب بأغلبية أعضائه لمدة أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة، ولا يُعفي أي منهم من منصبه إلا في الحالات المحددة بالقانون، ويُحظر عليهم ما يُحظر على الوزراء".

وأوضح أن هاتين المادتين من الدستور المصري تتوافقان مع المعايير الدولية لضمانات استقلال وحياد الأجهزة المكافحة للفساد، "وضمانات عدم العزل من الوظيفة تمكن تلك الأجهزة من حرية العمل ورصد ومكافحة الفساد، وفي حال تطبيق القانون وعزل رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات أو رئيس هيئة الرقابة الإدارية فإن الفساد سيزيد، لاسيما أنه في حالة اتخاذ السيسي قرار العزل سوف يعطي اشارات للفاسدين بأنه ليس جادًا في محاربة الفساد".

يتعارض مع الدستور

قال حزب التيار الشعبي ـ تحت التأسيس ـ بزعامة المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي: "في استمرار لمسلسل القوانين سيئة السمعة التي تصدر في غيبة مجلس النواب، أصدر رئيس الجمهورية قانونًا أجاز فيه لنفسه إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة و الأجهزة الرقابية"، معتبرًا أن القانون يتعارض مع روح الدستور، متهمًا "السلطة التنفيذية" بأنها ضربت بالدستور عرض الحائط".

وأضاف: "هذا القانون يتعارض تعارضًا بينًا مع كل قواعد الفصل في الإختصاصات وأعمال الرقابة التي تعارفت عليها الخبرات الإدارية العالمية والمحلية من زاوية أنه لا يجوز أن يتدخل أي من أعضاء السلطة التنفيذية في أعمال السلطة الرقابية حتى يتوفر لها حرية العمل دون رقيبٍ إلا من ضمير أعضائها أو خوفٍ قد يُخلُ بحيادها، فما بالنا ورئيس السلطة التنفيذية الذي يجمع السلطة التشريعية كذلك إلى صلاحياته موقتًا وبمنتهى البساطة يمنح نفسه حق عزل من يُفترض فيهم القيام بالرقابة على أعماله بما سيضع الجهاز الرقابي تحت رحمة الجهاز التنفيذي الأمر الذي ينسف مفاهيم الإستقلالية و الفصل بين السلطات من أساسه".

أثر سلبي

وحذر الحزب من أن إصدار مثل هذه القوانين من شأنه أن يؤثر تأثيرًا بالغَ السلبية في مسار العملية السياسية بأكمله، والذي انحرف بالفعل منذ فترةٍ بما أفقد تحالف 30 يونيو رصيده، وأدى إلى إنهياره، كما أنه ينذر بعواقب إجتماعية و سياسية وخيمة ويفتح الباب على مصراعيه لفسادٍ كان أحد أسباب ثورة الشعب المصري في كانون الثاني (يناير) 2011".

ودعا الحزب إلى إلغاء هذا القانون، وتعديل قانون تنظيم التظاهر غير الدستوري، والإفراج الفوري عن شباب الثورة المُعتقلين بلا سندٍ قانوني والمحبوسين على ذمة قانون التظاهر وغيره من القوانين المُكبلة للحريات دون قيد أو شرط، فاتحة لإطلاق مناخٍ شاملٍ للحريات، ويدعوها للاستجابة لمطالب القوى السياسية والاجتماعية بشأن قانون مكافحة الإرهاب".