في موقف الأمير بندر بن سلطان من الإتفاق النووي، الذي نشره عبر "إيلاف"، الكثير من المعطيات التي ينبغي على المنطقة استيعابها عند الحديث عن "صداقة" أميركا، كما فيه نبرة تشاؤمية، وهو المُدرك لخفايا عمليات اتخاذ القرار في واشنطن.

ليال بشارة من باريس: يُعطي الأمير بندر بن سلطان، رئيس المخابرات السعودية السابق وسفير الرياض السابق في واشنطن، نظرة تشاؤمية حيال الإتفاق حول النووي الإيراني، إذ يعتبر في مقالته التي خصّ بها "إيلاف" الخميس أن الرئيس الأميركي باراك أوباما كان على دراية كبيرة بانعكاسات ذلك الإتفاق على الشرق الأوسط، حيث ستسود الفوضى هذه المنطقة التي تعيش دولها أصلًا حالة من عدم الإستقرار تلعب فيها إيران دورًا مركزيًا، ورغم ذلك أقدم على تبنيه.
مصلحة أميركا أولًا وثانيًا وثالثًا!

وفي قراءة لما كتبه الأمير بندر، يقول عبد الله بخاري، رئيس اللجنة السياسية في مجلس الشورى السعودي سابقًا، لـ"إيلاف" أن نظرة الأمير تشاؤمية أكثر من اللازم، "وهذا الكلام لا ينتقص من مكانة الأمير السعودي بصفته رجلًا محنكًا في السياسة الخارجية، لكن من الواضح اليوم أن سياسة اوباما الخارجية تقوم على مصلحة أميركا أولا، ومصلحة أميركا ثانيًا وثالثًا، وما هو معروف طبعًا أن الصداقات والتحالفات الدولية متقلبة ومتغيرة بحسب تغيّر الظروف والمواقف، ولا شيء ثابتًا اليوم في العالم."

يضيف: "لذلك أرى شخصيًا أن الغرب عامة واميركا خاصة قاموا بعقد إتفاق يلبي مصالحهم المستقبلية قبل أي شيء، قد يكونون مخطئين أو محقين بشأن قدرتهم على التعامل مع أي مستجدات او نتائج مستحدثة قد تظهر من وراء هذا الإتفاق".
الحذر من "الحليف" الأميركي.

يرى ستيفان لا كروا، أستاذ العلوم السياسية في معهد باريس للعلوم السياسية، أن موقف الأمير بندر بن سلطان يعكس الموقف السعودي الرسمي، ويعبر عنه صراحة اليوم، نظرًا لتواجده خارج دائرة القرار السياسي السعودي.
يقول لا كروا لـ"إيلاف": "هو من داعمي مقولة إن دول الخليج علمت منذ فترة زمنية أنه لا يُمكنُها الإعتماد كليًا على الولايات المتحدة، وهو موقف لا يعني إرساء قطيعة مع الولايات المتحدة، لكن الإبقاء على علاقات جيدة مع واشنطن من جانب، والقيام بما تقتضيه الظروف من جانب آخر، من دون العودة إلى الولايات المتحدة، وهذا ما ظهر جليًا للعيان من خلال العملية العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن، فلقد فهمت دول الخليج أن عليها اخذ الحيطة والحذر من الحليف الأميركي التقليدي".

أضرار جانبية

يرى الأمير بندر بن سلطان أن الرئيس الأميركي وصل إلى قناعة ألا وهي أن كل ما يمكن أن يكون كارثيًا بسبب قراره يبقى ضررًا جانبيًا مقبولًا. لماذا؟

يعتقد بخاري أن اوباما توصل إلى هذه النتيجة لإعتقاده بأن عواقب عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران أخطر أو أصعب بكثير في التعامل مستقبلًا مع عواقب التوصل إلى أي اتفاق بشأن برنامج إيران النووي، "فعدم التوقيع على اتفاق مع إيران يعطيها حرية التصرف، ولا شيء يوقفها عن التخصيب، وبالتالي ستظن إيران أن لديها حرية التصرف، لكن لا ننسى البعد الإقتصادي وموقف إسرائيل".

يضيف بخاري: "أعتقد أن أوباما أخذ كل شيء في الإعتبار، وكان التوقيع على اتفاق أحلى الأمرّين، لأنه من جهة لا بد من وجود إتفاق مع إيران يحجم قدراتها في تخصيب اليورانيوم، ومن جهة أخرى إيجاد اتفاق يطمئن الدول المحيطة بأن يد إيران ليست مطلقة في المنطقة. أما بالنسبة إلينا في الشرق الأوسط، فعلينا التعايش مع هذا الإتفاق، مع أخذ كامل الحيطة والتدابير لمواجهة عواقبه المنتظرة والمتوقعة وغير المنظورة".

لسنا متلقين فقط

صحيحٌ أن إيران نجحت في تخصيب اليورانيوم إلى نسبة 20 في المئة، وهي نسبة لا تُمكنها من حيازة السلاح النووي بعد، لكن تضعها على الطريق الصحيح لإنتاج قنبلة نووية، فمتى وُجدت الآليات هانت الطرق.

يقول الأمير بندر بن سلطان في مقالته، التي نشرتها "إيلاف" حصرًا وخلّفت ردود فعل واسعة، إن الرئيس الأميركي مدركٌ تمام الإدراك أن كل المعلومات الإستخبارتية لم تتنبأ جميعها بالتوصل إلى نتيجة الإتفاق النووي مع كوريا الشمالية فحسب، بل تنبأت بما هو أسوأ. فما أسباب إصراره في وقت اكد مرارًا أن عدم التوصل إلى اتفاق مع إيران هو أفضل من الخروج بإتفاق سيئ؟ يجيب بخاري عن هذا التساؤل، قائلًا: "عدم إلزام إيران بإتفاق محدد يعطيها حرية مطلقة للسير قدمًا في برنامجها النووي، ويؤدي إلى سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط، وأعتقد أن الأمير بندر بن سلطان ألغى الدور العربي في الموضوع كليًا، فنحن لسنا متلقين فقط للأحداث والنتائج، وإنما فاعلون ومؤثرون، ويجب علينا أن نكون كذلك، واعتقد أن النتائج ستكون كارثية إذا وقفنا موقف المتفرج السلبي فقط، نستقبل ما يحدث ونوكل امرنا لله، واعتقد علينا أن نلعب دورًا أكثر حنكة، ولا ينقصنا ذلك في التعاملات الدولية، خصوصًا مع دولة وجارة كبيرة مثل إيران".

تعويض عن فشل

لكن، هل يعوض إتفاق فيينا فشل الإدارة الاميركية في حل ازمات المنطقة العربية؟ يعتقد لا كروا أن أوباما عمل جاهدًا لإنجاح المفاوضات وللخروج بإتفاق حول برنامج إيران النووي بعد فشله في حل أزمات إقليمية عديدة، من عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى الأزمة السورية.

يقول لا كروا لـ"إيلاف": "يريد الرئيس الأميركي أن يكون هذا الإتفاق نصرًا لسياساته الإقليمية في الشرق الأوسط، وهذا يظهر جليًا بمتابعة سير المفاوضات، فلا يُمكنُ إلا الإشارة إلى أن الولايات المتحدة بدأت سرية مع إيران في عُمان قبل أكثر من عام، ثم بدأت المفاوضات المباشرة بين مجموعة الخمس زائد واحد وطهران في عهد الرئيس الإيراني حسن روحاني، ولعبت فيها الإدارة الأميركية دورًا محوريًا في وقت كانت فيه فرنسا حذرة وأقل تفاؤلًا حيال إيران".
تعايش مع الحقيقة

يستشهد الأمير بندر بن سلطان بعبارة من يسميه "الثعلب القديم" هنري كيسنيجر: "على أعداء اميركا أن يخشوا اميركا، لكن على أصدقائها أن يخشوها أكثر". في العالم العربي مقولة أخرى، يذكر بها بخاري، وهي: "إن كنت تعلم فتلك مصيبة وإن كنت لا تعلم فالمصيبة أعظم".

يتابع: "علينا نحن في الشرق الأوسط أن نتعايش مع حقيقة مفادها أن اميركا لا تبحث عن أصدقاء وإنما لديها حلفاء ومصالح تستفيد منهم ويستفيدون منها، وتعلمنا من التاريخ أن معظم من ظن نفسه صديقًا مقربًا من أميركا تعرض يومًا إلى الإحتراق بنارها، وعلينا أن نتعلم من الأحداث ونستوعب العبر قبل أن نتفاجأ بعودة احداث قديمة بثوب جديد. ونحن نأمل أن تكون لدى الجميع الحنكة والتجربة في التعامل مع المستجدات التي قد تنتج عن هذا الإتفاق، وأقل ما فيها محاولة إحتواء هذه النتائج".
يضيف: "إيران دولة جارة ونحن نتوقع من إيران أن تحترم ذلك، وأرجو أن تنشأ في المستقبل علاقات بناءة بين دول الخليج وإيران، وهذا شيء متوقع جدًا وانا لست متشائمًا أبدًا، لكن يجب أن نكون مستعدين وحذرين لما يمكن أن يطرأ".

أما لا كروا فيرى أن الإدارة الاميركية تخطىء إذا ما اعتبرت أن إيران يمكن أن تلعب دورًا في إعادة الإستقرار لمنطقة الشرق الوسط، فهي تقوم حاليًا بالدور المزعزع.