ليست للعيد في بغداد تحديدا اية مظاهر ، وليست هنالك ألعاب للصغار بل ان لا صغار في الشوارع التي تتفجر حرارة ، فيما الكثيرون اعلنوا تأجيلهم الاحتفال بعيد الفطر بسبب الحرب الدائرة في الجبهة الغربية ،بينما قام البعض على استحياء بالتهنئة ، والاغلب من هؤلاء كان موقع التواصل (الفيس بوك) ساحتهم المفضّلة.

وتجد العديدين يقولون :(عذرا اصدقائي ،لا اريد تهنئة بالعيد ونحن ننزح من ديارنا،اعتذر عن قبول التهاني والتبريكات حتى يقف نزف الدماء والقتل في شعبي)، او (حبذا لو أجّلتم التهاني حتى تهدأ بلادي وتكنس آخر داعشي من غربان العالم الوسخ يجوس في ارضي فسادا واجراما ،ولسان حالهم يقول : أيامنا ليست سعيدة وعيدنا ليس سعيدا.

لا مظاهر للعيد&

في الصباح وجدت الشوارع شبه خالية ، ذهبت الى ابعد مسافة من الحديقة العامة التي يرتادها الاطفال في الاعياد، لم اشاهد احدا ولا اي مظهر للعيد ، وحين سألت &رجلًا هناك اجابني :( مجنون الذي يسمح لاطفاله بالخروج في هذا الجو الحار والشمس الحارقة )، وفي العصر كان الشيء ذاته والاجابة نفسها فالجو حار ومن غير الممكن الذهاب الى حدائق الالعاب او المتنزهات المكشوفة اغلبها لكنما التهاني كانت متبادلة بين الناس، لكن المساء كان حافلا وخاصة في المناطق التجارية وخاصة في (المول) الذي هذا حاله على الدوام ، فيما العديد من الناس الذين سألناهم عن رأيهم بالعيد كانت &اجاباتهم تلقي ظلال الوضع الامني العام والحرب الدائرة في محافظة الانبار تحديدا لكنهم لا يجدون بدا من قول (كل عام وانت بخير) لمن يلقونه .

وكما قال لي ابراهيم محمد حسن ،مدرس متقاعد : لا يمكن ان ننسى او نتناسى العيد او نهمشه تماما فهو فرحة او مناسبة سعيدة او قل مناسبة اجتماعية مميزة ضرورية والعراقيون تعودوا على مصائب الحروب منذ سنوات طويلة ، فلا يمر عام دون ان تكون هناك مشاكل في العراق ، وفي احلك الظروف تجد العراقيين قلوبهم مع وطنهم لكنهم يؤدون واجب العيد ويحيون التقاليد ، ونرجو من الله ان يزيح الغمة السوداء الحالية وتتحرر المدن ويعود النازحون الى ديارهم ويكون العيد المقبل اجمل .

وقبل ان اغادره قال لي : يوم غد إذا سألوك: انت صايم ام فاطر؟ جاوبهم:انا عراقي !! (واطلق ضحكة)!!

لن اعايد احدا

وقد اكدت الكاتبة الروائية لطفية الدليمي انها لن تحتفل بهذا العيد ، وقالت :تضامنا مع بناتنا واخواتنا السبيات لدى داعش والمباعات في سوق النخاسة والمهجرين والنازحين من مدنهم الذي ماتوا عطشا في هربهم من وحوش داعش اعتذر عن المعايدة وتقبل التهاني في انتظار ان تتحرر ارض العراق كلها من داعش ويعود النازحون الى بيوتهم واعود الى بيتي ووطني بزوال غمة الطائفية والتهجير وانتهاء هيمنة الاحزاب الدينية من جميع الطوائف على بلدنا ومصائرنا وبيوتنا ووطننا.

واضافت : &لن اعايد احدا ولن اتقبل التهاني فمعذرة للاصدقاء جميعا.

عيد وفي القلب غصة

اما الدكتور حسين القاصد فتحدث قائلا : &انتهى رمضان وآن للناس أن يحتفلوا بعيدهم فإن في القلب غصة ، وفي الأفق ما يرتجى من الفرج ، وما لا يرتجى من مكائد الساسة ، وقد ابتلي هذا الشعب بساسته ، حتى قسموه إلى ملل وطوائف ، فلا التركمان ظلوا في بيوتهم ، ولا الايزيديون عثروا على نسائهم المخطوفات ، ولا الاقليات الاخرى ممن يصح أن نقول لهم : عيد سعيد .

واضاف: أهل السنة في العراق يستقبلون العيد وهم بلا وطن ، فلا بيوتهم عادت بيوتهم ، ولا محافظاتهم هي محافظاتهم ، إنما هي لساستهم وللدواعش ؛ كما ان الشيعة في العراق ليسوا بأفضل حال ، فأغلبهم سيتوجه في أول أيام العيد لزيارة (علي العالمين ) ثم يأخذون قسطا كافياً من البكاء في وادي السلام ، حيث تتوافد جثامين الشهداء الطاهرة .

وتابع : إذن ، والحال سواء ، فبين نازح سني ، وشهيد شيعي ، وبين امهات ثكلى وابطال يثأرون لابنائهم ، وبين مدن اصبحت قرى ، وبين قرى اصبحت مذابح ، فلا شيء سوى العراق الواحد، فالعراق هو البلد الوحيد الذي تجد فيه التنوع داخل البيت الواحد ، فقد يكون الابن شيعيا وخاله سنيًا ، وقد يكون العكس كذلك ؛ لذلك نبقى على رغم انوف الساسة الانتهازيين ، وطائفيتهم السياسية ، وتذكروا ان لنا فضلا على البلدان العربية بأن في بلدنا كانت عاصمة الخلافة الراشدة ، قبل ان تصبح بغداد ام الدنيا والعالم اجمع ، وعاصمة العلم والثقافة والأدب.

وختم حديثه بالقول : ليكن هذا العيد آخر عيد يمر على فرقتنا ، ونحن نترقب انباء تحرير المدن المغتصبة ، ونرنو بشغف الى ما تحمله سواعد الحشد المقدس من انباء نصر لا تسر الا العراقيين الحقيقيين . كل عام والعراق وأهله ومحبوه بأمان وخير وعافية . والرحمة على ارواح شهدائنا ، والشفاء العاجل للجرحى ، والسلام على صناع السلام بدمائهم .

تساؤلات مؤلمة&

اما الكاتب جمال كريم فقد رسم تساؤلاته على وجه العيد قائلا : عيد باي بلاد حللت يا عيد.. ببلاد تهرس أبناءها، وتهجر أبناءها،وتوصد الابواب بوجه أبنائها...بأي بلاد حللت ياعيد ؟ببلاد ما زالت تتنازعها الرماح وضغائن النحل والملل وفروع الاديان،ومعتركات غابر الازمان..ام ببلاد ما زال يتربصها إقماع البشر من الناعبين والنابحين والطبالين والدفافين لماض ولى على ركامها وحطامها ورمادها..، ام ببلاد تقتل طفولتها وتختم على قلوب أنامها بالأسى والألم والوجوم..ام ببلاد ما زالت مضمخة بالدم والويلات والليل السحيق.

عيد الاحزان

الكاتب والصحافي فلاح المشعل وصف عيد فطر هذا العام بأنه (عيد الأحزان) وقال : كل عام والعراق بخير، ولكن على الناس وهم يتبادلون التهاني أو قطع الحلوى والشربات في العيد،ان يتذكروا أن ثمة دماء تراق الآن في معركة تحرير العراق من "داعش " ، وان هناك دموع ثكالى مجزرة سبايكر لم تجف بعد ، وحيرة اكثر من مليوني نازح ومهجر ، ومئات الأسرى والضائعين ، ومثلهم جائعين وخائفين من الحياة العسيرة .

تهنئة للوطنيين فقط!&

اما الفنان والاكاديمي غالب العميدي فقد هنأ رغم اختلاط الامور الوطنيين فقط ،وقال : على الرغم من تداخل الأمور ببعضها فلا نعرف الصح من الخطأ ولا نعرف الحق من الباطل .. الكل يدعي حب الوطن.. الكل يتهم الآخر بالعمالة .. الكل يريد البناء ولا بناء الكل يدعي النزاهة ولا نزاهة .. أقول رغم كل ذلك .. ولأنني متفائل : كل عام ووطني بألف ألف خير .. اللهم بحق من صام صادقاً وبحق من تحب إرفع هذه الغمة عن وطني وسدد خطى أبنائه الصالحين .. ووفق من يحبه صادقاُ .. آمين رب العالمين.

واضاف: هذه الدعوة لا تشمل كل من جاء على الدبابة الأميركية الغازية ولا من له إرتباطات أجنبية إنها للوطنيين العراقيين المخلصين فقط .. فقط .. فقط.

العيد ابتسامة وطن

الى ذلك قال المخرج عادل طاهر :أي عيد، أعيدٌ والوطن يذبح، أعيد والعراق يحترق، أعيد والمدن تدمر، والأحبة تُهجّر، أعيد والعراقيون لاجئون ونازحون ومهجرون في زوايا العزلة داخل الوطن، ومخيِّمون على أبواب المدن، يتجرعون كؤوس حقد الطائفية والفساد والمفسدين، أعيدٌ وملايين الارامل واليتامى تعج بهم الارصفة والشوارع ومكبات القمامة، أعيد والثكالى أبكين الصلد من الصخور، أعيد والذين غصَّت بهم المقابر فاق عددهم الأحياء، أعيد والقتل والذبح وقطع الرؤوس والسلب والنهب والاختطاف والاغتصاب والعوز والفقر والتفجيرات والجوع ولعبة الحروب الكونية فوق أرضنا، ودجل المعممين، ومكائد السياسيين، وعبث الميليشيات، وقد دمّر ما تبقى من الوطن، أعيد والأجنبي يخطط ويقرر ويعبث ويقصف والساسة العملاء يهللون.

واضاف: ماذا تبقى ما بين النهرين والشط والخليج لكي نقول، كل عام وانتم بخير، كل عام ونحن نموت، والوطن الى زوال اذا بقينا نُطبّل لهذا ونصفق لذاك، ونجتر من التاريخ خزعبلات الدين والمذاهب،معذرة، فالعيد ابتسامة وطن.