طلعت الاستخبارات الأميركية والبريطانية على شفرات دول عديدة &خلال الحرب الباردة، أتاحتها لها الشركة السويسرية التي تصنّع آلات التشفير.

&
إستخدمت الاستخبارات الاميركية والبريطانية علاقة سرية مع مؤسس شركة سويسرية مختصة بالتشفير للتجسّس على بلدان أخرى خلال الحرب الباردة، كما كشفت وثائق اميركية رُفع عنها حظر النشر أخيرًا. والمعروف أن البريطانيين فكوا شفرة الاتصالات الالمانية التي كانت تستخدم آلة إنيغما خلال الحرب العالمية الثانية.
&
اتفاق سري
لكن ما ليس معروفًا هو ما حدث لاحقًا، وعلى الأخص خلال فترة الحرب الباردة، إذ شهدت تلك الفترة زيادة الطلب على آلات التشفير مثل انيغما، وكانت شركة كريبتو أي جي Crypto AG التي أسسها بوريس هاغلين سباقة في تلبية هذا الطلب.
&
كانت شركة كريبتو تبيع آلات تشفير في أنحاء العالم، لكن ما لم تعرفه الحكومات التي تتعامل معها أن هاغلين عقد اتفاقًا سريًا مع وكالة الأمن القومي الاميركية، من خلال الخبير الاميركي في تفكيك الشفرات وليام فريدمان الذي كانت تربطه علاقة قوية مع هاغلين، أساسها الصداقة التي نشأت بينهما خلال الحرب العالمية الثانية، واستمرت بعد انتقال الشركة من السويد إلى سويسرا.
&
وتتضمن العلاقة التي سُميت في البداية "اتفاق جنتلمان" أن يقوم هاغلين باطلاع وكالة الأمن القومي وجهاز المقر العام للاتصالات الحكومية البريطاني على المواصفات التقنية المختلفة لآلات التشفير التي تنتجها شركته والبلدان المختلفة التي تشتريها منه، بحسب بي بي سي التي قامت بتحليل الوثائق.
&
معلومات ثمينة
قال بول روفرز، الذي يدير الموقع الالكتروني لمتحف تاريخ التشفير، إن هذه المعلومات كانت ثمينة للغاية، وإن اطلاع الآخرين عليها لا يحدث في الأحوال الاعتيادية، لأن سلامة الزبون وسريته الزامية في هذه التجارة.
والمفتاح لفك الشفرات هو أن تَفهم بالتفصيل كيف تعمل الآلات التي تنتج الشفرات وكيف تُستخدم. ويصح هذا على الآلات التي كانت تبيعها شركة هاغلين، مثلما يصح على آلة إنيغما التي استخدمها الالمان.
&
ويشير هاغلين، في احدى الوثائق، إلى أنه يستطيع أن يجهز زبائن معينين بآلة محددة يكون فك شفرتها أسهل من الطرازات الجديدة.
كما تضمن الاتفاق الامتناع عن بيع آلات تشفير متطورة إلى بلدان معينة، مثل الطراز سي أكس 52. وكان السبب هو إمكانية تصميم هذه الآلة بالمواصفات التي تحددها الدولة المشترية، وتنقل بي بي سي عن البروفيسور ريتشارد اولدريج من جامعة ووريك البريطانية قوله إن هذا يعني تفكيك شفرة كل آلة يشتريها بلد ما، الواحدة تلو الأخرى.
&
خداع الزبائن
بحسب الوثائق، فإن بلدانًا معينة مثل مصر والهند لم تُبلَّغ بوجود طرازات متطورة من آلة التشفير، وبالتالي كانت تشتري آلات من السهل على الاستخبارات الاميركية والبريطانية فك شفراتها. وتشير إحدى الوثائق إلى أن شركة كريبتو أي جي كانت تزود بلدانًا مختلفة بآلات تشفير ذات قدرات مختلفة، نزولًا عند مشيئة حلف الأطلسي.
&
ويقول المؤرخ ستفين بوديانسكي: "هناك درجة معينة من خداع الزبائن الذين كانوا يشترون آلات تشفير، ويعتقدون أنهم يحصلون على البضاعة نفسها التي يبيعها هاغلين إلى بلدان أخرى، في حين أنهم كانوا في الواقع يشترون منه آلات ضعيفة".
ومن بين البلدان التي أدرجها هاغلين على قائمة زبائنه في تلك الفترة مصر والعراق والعربية السعودية وسوريا والاردن وباكستان والهند ودول اخرى في العالم الثالث.
&
وكانت مجموعة من الضباط اطاحت في تموز (يوليو) 1958 بالنظام الملكي في العراق، بينهم ضباط قوميون من أنصار الزعيم المصري جمال عبد الناصر.
ونقلت بي بي سي عن المؤرخ ديفيد إيستر، من كلية كنغ في لندن، قوله إن المعلومات المستلة من الاتصالات المصرية المشفَّرة كانت ذات أهمية بالغة لتمكين بريطانيا من الاسراع بإرسال قوات إلى الاردن، جار العراق، لقطع الطريق على انقلاب يعقب إنقلاب العراق، ضد دولة حليفة لبريطانيا.
&

مكشوفة للاختراق
ورفض غيليانو اوت، المدير التنفيذي لشركة كريبتو أي جي، التعليق على العلاقة السرية بين شركته ووكالة الأمن القومي الاميركية خلال الحرب الباردة. ولكنه قال لـ"بي بي سي" إن الشركة اليوم تتمتع بسمعة ممتازة، وإن البرمجيات المستخدمة في آلاتها الحديثة تمنح الزبائن من سيطرة حصرية عليها. واضاف: "لهذا السبب، من المتعذر تقنيًا على جهات ثالثة أن تمارس تأثيرها، بل حتى شركة كريبتو أي جي نفسها لا تستطيع الدخول على هذه البرمجيات".
&
ورفض متحدث باسم جهاز المقر العام للاتصالات الحكومية التعليق مكتفيًا بالقول: "إن الوثائق يجب أن تُقرأ على خلفية كانت بريطانيا والولايات المتحدة والدول الحليفة تواجه فيها احتمال وقوع عمليات قتالية سافرة مع الكتلة السوفياتية".
كما رفضت وكالة الأمن القومي الاميركية التعليق على الخلاصات المحددة التي يمكن الخروج بها من تحليل الوثائق. لكن المدير المشارك لشؤون السياسة والسجلات في الوكالة ديفيد شيرمان قال لـ"بي بي سي": "ليس من المستغرب أن تحرص الولايات المتحدة وبريطانيا على أمن اتصالات البلدان الاوروبية الغربية ومعرفة المنظومات التي تستخدمها، كي لا تكون الاتصالات الحساسة لحلف الأطلسي مكشوفة للاختراق من جانب الاتحاد السوفياتي".
&