قالت بيتي دام، كاتبة سيرة الملا عمر، إنه كان محترمًا، وثق بالأميركيين بعدما ساعدوه لطرد السوفيات، لكنه كان شديد الغموض، وذلك في كتاب يتناول سيرته.

&
تعكف الصحافية الهولندية بيتي دام (36 عامًا)، والتي عملت ثمانية أعوام مراسلة في العاصمة الافغانية كابل، على كتابة سيرة حياة زعيم طالبان الملا عمر، الذي أكدت الحركة وفاته بعد تصريحات افغانية وباكستانية بأنه توفى قبل عامين أو ثلاثة اعوام. وكان الملا عمر، الذي اختفى منذ سقوط حكم طالبان إثر الغزو الاميركي في العام 2001، مطلوبًا بتهمة توفير ملاذ آمن لتنظيم القاعدة، وإيواء زعيمه اسامة بن لادن. واعلنت الولايات المتحدة 10 ملايين دولار مكافأة لمن يرشدها إليه.
&
السياسي الغامض
تحدثت دام عن وفاة الملا عمر وحقيقة ما كان يتمتع به من نفوذ داخل الحركة، قائلة إن توقيت إعلان نبأ وفاته، وتأكيد طالبان النبأ، لم يأتيا بالصدفة مع اشتداد الضغط على قيادة الحركة والحكومة الافغانية لإجراء مفاوضات سلام جدية، تنهي الحرب في افغانستان.
واشارت دام إلى أن نبأ وفاة الملا عمر جاء من مصادر في باكستان، التي ربما أرادت بذلك أن تدفع طالبان إلى تسمية قائد جديد، لأن أحدًا لم يشاهد الملا عمر منذ العام 2009. وكان اعضاء طالبان يطلبون باستمرار تصريحًا من الملا عمر عن محادثات السلام، ولعل القيادة قررت أن هذا هو الوقت المناسب لتأكيد وفاته، كي تتمكن من التحرك بحرية اكثر. &&
وعن السبب وراء إبقاء وفاته سرًا طيلة هذه الفترة، قالت دام في مقابلة مع مجلة شبيغل: "كان الملا عمر أكثر القادة السياسيين في العالم غموضًا، وكان الجيش الاميركي والاعلام يضخمان حجم دوره داخل طالبان، إذ جرى تصويره العدو الأكبر، لكن ابحاثي تبين أن شيئًا لم يُسمع منه منذ 2001، وكان احيانًا يُشاهد في المنطقة حتى العام 2009، وتظهر قصص عنه بين حين وآخر، كمشاهدته يصلي في مسجد مثلًا أو يدخل مكان آخر".
&
بالغنا
لاحظت دام أن البعض يقول إن الملا عمر استمر في قيادة طالبان، لكن من دون دليل يثبت ذلك. فهو لم يكن يمارس نفوذًا سياسيًا او عسكريًا كبيرًا، وبقيت الحركة نشيطة من دون توجيهاته، بل أصبح غريبًا عن الكثير من اتباعه أنفسهم، بحسب دام.
وكان موقع طالبان نشر قبل ايام بيانًا قيل إن الملا عمر كاتبه، واصفًا فيه مفاوضات السلام بأنها "شرعية". وفي هذا الشأن، قالت الصحافية الهولندية إن الملا عمر لم يكتب هذا البيان، وإنها حادثت طالبانيين كانوا يكتبون البيانات باسمه. واضافت: "اعتقد اننا في الغرب بالغنا في تصوير موقعه قائدًا للعدو، وبهذا المعنى لم نفهم العدو قط، والاميركيون لم يفهموه وقرأوا تحركاته قراءة خاطئة منذ البداية".
وتحدثت دام عن الأسباب التي دفعتها إلى كتابة سيرة رجل لا يُعرف عنه الكثير اصلًا، فأوضحت أنها لاحظت خطأ الغرب في تحديد العدو الحقيقي في افغانستان، وأدركت أن الحكم الافغاني الفاسد، بما فيه من امراء حرب يتقاتلون في ما بينهم، كان ايضا العدو، على حد تعبيرها.
&
منظور مختلف
واشارت دام إلى أن تفجيرات كانت في احيان كثيرة تُنسب إلى طالبان من دون أن تكون طالبان وراءها، لذا وجدت من الضروري رسم صورة لحركة طالبان وقيادتها توضح مَنْ يكونون، "ونتيجة لهذا البحث سيبين الكتاب لماذا يخسر الغرب الحرب في افغانستان"، كما قالت.
أضافت: "طالبان كانت مخيفة من منظور العيش في كابل، لكن بعد التجول على نطاق واسع في الجنوب الذي ينتمي اليه كثير من عناصر طالبان، أخذتُ انظر إلى الأمر من منظور مختلف، إذ كان عناصر طالبان مستعدين للحديث عن طيب خاطر ويشعرون بأنهم ضحية سوء فهم. فهم على سبيل المثال يعتبرون أن استسلام غالبية عناصر طالبان للرئيس حامد كرزاي بعد هجمات 11 ايلول (سبتمبر) وتسليم اسلحتهم كان بادرة مهمة، لكن الولايات المتحدة وبعض الدول المتحالفة معها لم تقبل استسلام طلبان ودفعت جيوشًا لمطاردتها، وعندما طلبت من طالبان عقد لقاءات مع قادتها في البداية، تعين علي أن أكسب ثقتهم، لكن بعد حين كانوا الوصول اليهم أسهل مما توقعت".
&
وثق بأميركا
تناولت الصحافية الهولندية في حديثها لمجلة شبيغل الصورة التي تكونت لديها عن طالبان في مجرى أبحاثها لتأليف الكتاب. وقالت: "اللافت أن الملا عمر كان شخصيًا شديد الاهتمام بالغرب، ووضع ثقته في الولايات المتحدة في البداية لأن الاميركيين ساعدوه خلال الجهاد إبان الثمانينات لطرد السوفيات. وفي العام 1996 عندما اصبح قائد طالبان كان اول شيء توقع أن يحدث هو إعادة فتح السفارة الاميركية في كابل. وبدلا من ذلك حدث سوء فهم ثقافي كبير لأن ما رأيناه هو بالطبع معاملة طالبان للمرأة واعمال الرجم".
ورأت دام أن هذه الممارسات، على بشاعتها، كانت تقع في سياق الحرب الاهلية، "حيث كانت النساء يُخطفن من الشارع ويتعرضن للاغتصاب الجماعي والقتل، وكانوا يضعون النساء في أكياس ويرمونهن في الماء، وكانت قبائل عديدة تتقاتل في ما بينها".
&
كان محترمًا
نوهت الصحافية الهولندية بدور طالبان في غمرة تلك الفوضى، قائلة: "الدين أصبح أداة لإعادة حكم القانون، وفي الغالب كان كثير من الأفغان يؤيدون ذلك، وإذا أخذنا ذلك في الاعتبار فإن طالبان كانت حركة محلية يمكن أن تعيد نفسها غدًا لأنها تتمتع بتأييد وخاصة حين يكون الوضع الأمني مترديًا".
وعن التركة التي سترثها طالبان من قيادة الملا عمر، قالت الصحافية الهولندية بيتي دام أن من سيقال عنه في افغانستان انه كان رجلا غير متعلم وملا بسيطًا وكان ايضًا ضد الفساد، "وبحسب البعض كان محترمًا لأنه أقام أول دولة اسلامية في افغانستان". وبالطبع، كان له اعداؤه الذي لديهم نظرة مختلفة، لكن عمومًا فان ما يذكره الناس في احيان كثيرة أن افغانستان حتى العام 2001 كانت آمنة بنسبة 90 في المئة، والفساد فيها لا يزيد على 10 في المئة".
&