أثارت منظمة العفو الدولية موجة من الاعتراض على اقتراحها اعتبار الدعارة "حقًا انسانيًا وخيارًا حرًا"، وطالب مشاهير أميركيون بوقف هذا المسعى لأنه يكافئ القوادين وتجار النساء.

&
الدعارة أقدم مهنة في التاريخ، كما يعرّفها العديد من العلماء والخبراء، بدأت مع بداية العصور والمجتمعات الانسانية، واتخذت صفات عدة مع تطور الحضارة والقوانين الدولية وحقوق الانسان. تعريفها في القانون والعلوم الاجتماعية هو فعل استئجار أو تقديم أو ممارسة خدمات جنسية لقاء مقابل مادي، لكن التمييز بين الدعارة القسرية والدعارة الطوعية لا يزال موضع جدل حتى يومنا هذا.
&
مسألة خيار
الحلقة الأحدث في هذا الجدل استعرت في الأيام القليلة الماضية مع التقارير التي تشير إلى أن منظمة العفو الدولية تنوي إعلان الدعارة "حقًا من حقوق الإنسان"، ما أثار ردود فعل واسعة أغلبها معارضة للفكرة، لأنها تحمي من يشتري الجنس بدلًا من الطرف الآخر الذي يكون مرغمًا في كثير من الأحيان.
وفقًا لقناة "فوكس نيوز" الأميركية، منظمة العفو الدولية صارت "واحدة من أنصار تجارة الجنس العالمية"، لأنها تنوي أن تعقد اجتماعًا لمجلسها الدولي الاسبوع المقبل في دبلن، حيث ستطلب من المندوبين من جميع أنحاء العالم التصويت على اقتراح الاعتراف بالدعارة كحق من حقوق الإنسان.
في حال حصل هذا الاقتراح على موافقة الأعضاء، فهذا يعني أن المنظمة لن تدعم النساء اللواتي قد لا يكون لديهن الخيار بممارسة الدعارة، بل ستحمي القوادين وتجار الجنس. وبحجة أن الدعارة مسألة اختيار، قد تقع منظمة العفو الدولة في فخ الترويج بشكل كبير لصناعة الجنس التجارية التي تجني مليارات الدولارات، وهي بذلك تفترض أيضًا أن الدعارة تعني أن العاملين في مجال تجارة الجنس قد وافقوا على القيام بذلك طوعًا.
&
مقاربة مأزومة
يفشل هذا التعريف في الأخذ في الاعتبار أن بيع الجنس عادة ما تكون أسبابه قاهرة وقسرية كالحاجة الاقتصادية الملحة، والاعتداء الجنسي على الأطفال، والإكراه الوحشي للعاملين من قبل القوادين، واختلافات القوة بين الجنس والعرق التي تدفع صناعة الجنس التجارية.
لكن منظمة العفو تؤكد أن مثل هذه الظروف لا تجعل الأفراد غير قادرين على ممارسة أية حرية شخصية، "فللفرد حرية الخيار بدخول هذه المهنة أم لا، مهما كانت الظروف، وهو أمر مناف للواقع بشكل قطعي".
وعندما يتاجر شخص ما بالجنس مقابل الغذاء مثلًا، وهو ما يعرف بـ "جنس البقاء"، فهذا الأمر قد يكون توافقيًا من الناحية التقنية، لكن لا يمكن أن يعتبر مثالًا على الإرادة الحرة. كل الدعارة تقريبًا شكل من أشكال "الجنس من أجل البقاء". وهذا يعني أن في مقاربة منظمة العفو كثيرًا من المغالطات، وفقًا لفوكس نيوز.
&
الختان انتهاك
ليست هذه المرة الاولى التي تخفق فيها المنظمة أو تتأخر في حماية حقوق المرأة، فقد فشلت المجموعة في الاعتراف بأن الاتجار بالجنس انتهاك لحقوق الإنسان حتى أواخر التسعينات. لكنها اليوم تعترف بأن الاغتصاب يستخدم سلاحًا في الحرب، وأن بعض الأشكال الأخرى من العنف ضد المرأة - بما في ذلك الاتجار – هي انتهاكات لحقوق الإنسان.
كما نأت بنفسها في السابق عن الاعتراف بأن الختان تشويه للأعضاء التناسلية للإناث، ويجب اعتباره انتهاكًا لحقوق الإنسان، فاعتبرت أن هذه الممارسة متجذرة في التقاليد، حتى العام 1995 عندما أعلنت الختان ضررًا وليس خيارًا.
يقول النشطاء الحقوقيون إن على منظمة العفو أن تطلع على اتفاقية الأمم المتحدة للعام 1949 بشأن الاتجار بالبشر، والتي تعرّف الدعارة والاتجار بالجنس بأنها "لا تتفق مع كرامة وقيمة الشخص البشري وتعرض رفاهية الفرد والأسرة والمجتمع للخطر".
وقد قدمت السويد نموذجًا مثيرًا للإعجاب من خلال التمييز القانوني بين الأشخاص الذين يساقون إلى صناعة الجنس بسبب الفقر والتمييز وأولئك الذين يشترون الجنس، باعتباره ممارسة للسلطة والامتياز. ويجرّم القانون السويدي& شراء الجنس وتقديم خدمات الدعم لأولئك الذين يرغبون بشرائها. ويهدف هذا الأسلوب إلى تقديم نظرة نسوية تقدمية لتجريم البغايا، من دون إضفاء الشرعية على الرجال الذين يشترون منهن.
&
إنسانية مسروقة
في كتاب يحمل عنوان "دفع ثمنها"، تقدم الكاتبة راشيل موران تفسيرًا وتحليلًا منطقيًا لتجارة الجنس، إذ تقسم الرجال الذين يتعاملون مع الدعارة إلى ثلاثة: أولئك الذين يفترضون أن النساء العاملات في الدعارة ليس لديهن مشاعر إنسانية؛ أولئك الذين يدركون إنسانية المرأة لكنهم يختارون تجاهلها؛ وأولئك الذين يستمدون المتعة الجنسية من إهانة وتحقير إنسانية المرأة التي يشترونها.
فالسؤال الأساسي هنا هو: هل ترغب منظمة العفو حقًا في الدفاع عن حقوق هؤلاء الرجال الذين يشترون النساء؟
الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، الذي جعل حقوق الإنسان محورًا للسياسة الخارجية الأميركية، قدّم التماسًا على الانترنت يحث المجموعة على عدم تأييد الاستغلال الجنسي التجاري باعتباره حقًا انسانيًا، معتبرًا أن هذا القرار سيضع المساواة بين الجنسين على المحك.
ولطالما حظيت منظمة العفو الدولية، التي تعول منذ فترة طويلة على الدعم الوازن من المشاهير والشخصيات المؤثرة، بدعم من كبار نجوم هوليوود الذين يتمتعون بتأثير واسع على الجمهور/ مثل أن هاثاواي، يو تو، وجون ستيوارت. لكن قرارها باعتبار الدعارة "حقًا انسانيًا وخيارًا حرًا" وضعها هذه المرة على نقيض ليبراليي هوليوود الذين يرفضون إباحة الدعارة.
&
قوننة منفرة
أثار اقتراح منظمة العفو حفيظة المشاهير مثل ميريل ستريب وكيت وينسلت وآن هاثاواي، اللواتي انضممن إلى أكثر من 400 آخرين في التوقيع على رسالة وجهها التحالف ضد الاتجار بالنساء، ترفض "السياسة التي تدعو إلى عدم تجريم القوادين وأصحاب بيوت الدعارة وتجار الجنس العالميين".
وقالت تينا بيان-إيميه، المديرة التنفيذية للائتلاف، إن تحرك منظمة العفو الدولية لتقنين الدعارة سيترك العاملين في الجنس في وضع أكثر خطورة مما هم عليه الآن.
قالت بيان-إيميه: "يجب أن تستمع منظمة العفو الدولية إلى ضحايا تجارة الجنس، وألا تلتمس قوانين تعطي المزيد من القوة للقوادين، وأصحاب بيوت الدعارة، وتجار الجنس".
وردًا على هذه الأصوات، قالت نائب المدير التنفيذي لمنظمة العفو الدولية كامي كروفت إن منظمة العفو الدولية لم تصدر بعد قرارًا بشأن هذه المسألة، "ونؤكد أن عملية التشاور لا تزال مستمرة، ولم يتم اتخاذ أي قرارات بعد".
&