يمكن للفنان التشكيلي أن يمزج الألوان بسهولة وصولًا إلى درجة اللون التي يريدها، لكنه يجد صعوبة بالغة بدون الأبيض والأسود. العلماء الأميركيون استخدموا للمرة الأولى أشعة ليزر الحمراء والزرقاء والخضراء لإنتاج أشعة ليزر بيضاء يمكن أن تنير كوكبنا مستقبلًا.


ماجد الخطيب: استعرض معهد فراونهوفر الألماني في المعرض الدولي للكومبيوتر "سيبت" أول "روبو - رسام" يمكن أن ينجز لوحة زيتية "بورتريه" للإنسان خلال دقائق.

يستخدم الروبو - رسام أشعة ليزر خفيفة لمسح وجه الإنسان، ثم تتولى مستقبلات ضوء غاية في الحساسية في عينيه استلام الضوء من وجه الإنسان، وتحوله إلى إيعاز حركي& تتولاه ذراع الروبوت على القماش. تتفاعل أشعة ليزر بألوانها المعروفة كي تتيح لهذا الروبوت قياس تفاصيل الوجه والألوان بدقة، لكن تزويده بأشعة بيضاء ناتجة من تفاعل الألوان الثلاثة سيحوله إلى"بيكاسو" آلي جديد، بحسب رأي العلماء.

وتوصل العلماء الأميركيون إلى إنتاج أشعة ليزر بيضاء من أشعة الليزر الحمراء والزرقاء والخضراء، ومن حزمة واحدة من الأشعة. وكان العلماء من مختبر سانديا في البوكركي قد توصلوا إلى نتيجة مماثلة في العام 2012 من خلال الجمع بين 4 حزم منفصلة من أشعة ليزر، في حين استخدم العلماء الآن من جامعة أريزونا حزمة ليزر واحدة رتبوا فيها ألوان الأشعة الثلاثة بشكل متواز.

إن التوصل إلى إنتاج الأشعة البيضاء من ألوان الليزر الثلاثة يعد بتثوير عالم نقل وحفظ المعلومات، كما يبشّر باستخدامها مستقبلًا، بسبب إنارتها الثابتة والقوية، إلى مصدر إنارة في البيوت والمكاتب وغيرها.

وكتب كون سين زينغ وزملاؤه، من جامعة أريزونا في تيمبا، في مجلة "نيتشر نانوتكنولوجي"، إن إنتاج الأبيض من الأزرق والأحمر والأزرق يثبت أنه من الممكن إنتاج أشعة ليزر بألوان أخرى، وربما بدون لون، وليس فقط الألوان المعروفة منها. وهذا يعني أن أشعة ليزر ما عادت مجرد ضوء بقوة إنارة عالية ومن أطوال معينة، لأن تعدد الألوان يعني تعدد الأشكال وتعدد المهمات.

بديل من الإنارة بتقنية "ليد"
استخدم كون سين زينغ شريحة غاية في الرقة (سماكتها بضعة نانوميترات) من مادة نصف موصلة رتب عليها ألوان أشعة الليزر الثلاثة على مقاطع طولية متوازية، وتوصل إلى اللون الأبيض من خلال التلاعب بقوة إضاءة الألوان الثلاثة. تم صنع الشريحة من سبيكة من الكادميوم والسيلينيوم والزنك والكبريت، وصار من الممكن من خلال التلاعب بنسبة المواد في السبيكة إنتاج أشعة ليزر بطيف كامل من الألوان.

وكمثل تمكن كون سين زينغ وزملاؤه من إنتاج أشعة الليزر بلون أحمر بعدما زادوا كميات الكادميوم والسيلينيوم في سبيكة الشريحة، كما توصلوا إلى اللون الأخضر من خلال زيادة نسبتي الكادميوم والكبريت، والتوصل إلى الأزرق عن طريق زيادة نسبتي الزنك والكبريت. ثم إنهم تمكنوا من التحكم بشدة الإضاءة من خلال التحكم بشدة تدفق كل لون على حدة. ثم تمكنوا من التحكم بها مرة أخرى من خلال إعادة ترتيب مواضع المواد في السبيكة.

يمكن للأشعة البيضاء مستقبلًا أن تحلّ محل الإنارة الحديثة باستخدام تقنية "ليد"(الصمامات الثنائية)، خصوصًا أنها أرخص في عملية الإنتاج، كما إن شدة إضاءتها أكبر. ثم إن الأشعة البيضاء لا تضر بالبيئة، وأقل استهلاكًا للطاقة، ويمكن أن ينتج الإنسان منها أطيافًا لامحدودة من ألوان الإنارة. هذا يعني أيضًا إمكانية استخدام مصادر الضوء نفسها في المكتب والمنزل لأغراض الاتصالات وحفظ المعلومات التي تعمل عليها التقنيات الحديثة، باستخدام الصمامات الثنائية، والتي يطلق عليها الاسم المختصر Li-Fi Visible Light) Communication VLC).

1000 مرة أسرع من WLAN الحالية
وكتب كون سين زينغ إن الاضاءة بأشعة ليزر البيضاء تتيح للعين البشرية رؤية 70% أفضل، لأن طيفها الضوئي أوسع بكثير من مصادر الضوء التقليدية. وفي حين تصل قوة أحدث مصدر إنارة "ليد" إلى 150 ليومن/واط، ترتفع شدة إضاءة مصدر الضوء الليزري الأبيض إلى 400 ليومن/واط.

ويقدر علماء جامعة أريزونا أن ينتشر استخدام أشعة الليزر البيضاء في أجهزة الاتصالات بسرعة، لأن نقل المعلومات عبرها سيكون أسرع 100-1000مرة من سرعة أفضل تقنية WLAN متوافرة حاليًا. وكان المعتقد أن تقنية Li-Fi ستتفوق على النقل بتقنيات النقل بالموجات الصوتية، لأنها ستكون أسرع بنحو عشر مرات.

أشعة ليزر للتحكم بشكل الخلية العصبية
إلى ذلك، نجح العلماء الألمان من جامعة لايبزغ في جعل خلايا الدماغ العصبية تنمو بالاتجاه الذي يريدونه باستخدام أشعة ليزر. ويرى العلماء أن مثل هذا الاكتشاف سيعينهم مستقبلًا في ربط الأجهزة الالكترونية المزروعة في الدماغ بشبكة "الأسلاك" العصبية الطبيعية في رأس الإنسان.

وكتب العالم الفيزياوي ألين ايرليشر، من جامعة لايبزغ، في مجلة الطبيب الألماني أن فريق العمل الذي يقوده نجح من خلال أشعة ليزر في تنمية الخلايا العصبية وفق الاتجاه الذي يريدون. وتمكن الفيزيائيون الألمان من تنمية النيورونات (الخلايا العصبية) المستمدة من أدمغة الفئران المختبرية على لوح رقيق من الزجاج الخاص. وحينما سلطوا أشعة ليزر الحمراء على إحدى زوايا الخلية العصبية تمكنوا من مد نمو الخلية باتجاه حزمة الأشعة بسرعة عالية.

هذا ليس كل شيء لأن العلماء نجحوا من خلال تحريك حزمة الأشعة بشكل متعرج في أن يقسروا زوايا الخلايا العصبية، التي تسمى Lamellipoids، على الامتداد بشكل متعرج أيضًا. وذكر إيرليشر في تقريره أن أشعة ليزر الحمراء، التي تستخدم عادة لتحرك شيئًا ما أو خلية بكاملها، تم إضعافها من قبل العلماء كي تمد أحد أطراف الخلية من دون أن يؤدي ذلك إلى تحطيم الخلية بكاملها.

وحسب تفسير العلماء الألمان فإن أشعة ليزر الحمراء الضعيفة عملت أساسًا على البروتين الخلوي أكتين Actin، وسهلت وسرّعت عملية& انقسام سلاسله، وبالتالي امتداد "أذرع" النيورون.

وذكر تيمو بيتز، عضو فريق العمل، إنه من الممكن مستقبلًا، ومن خلال تقنية بسيطة وغير ضارة، مد الخلايا العصبية في الاتجاه المطلوب في ظروف مختبرية أو في جسم الإنسان. ويمكن للطريقة في حال نجاحها أن تستخدم في ربط الأجهزة المزروعة بشبكة الجسم العصبية أو دمج الجلد المزروع بشبكة الخلايا العصبية في البشرة، أو في ترميم الأعصاب الدقيقة المقطوعة أو المتضررة.
&