اعتبر المعارض صلاح الدين دمرتاش أن حزب العدالة والتنمية يقود تركيا نحو الهاوية وذلك بعدائه المتصاعد للأكراد، وقد يجر البلاد نحو حرب دموية جديدة مع الجيش التركي، كما اتهم إردوغان بتصفية الأكراد تحت ستار الحرب على الإرهاب ولم يستبعد أن يشعل تركيا بكاملها مقابل بقائه في السلطة حاكمًا مطلقًا.


إعداد عبدالإله مجيد: يعتبر زعيم حزب الشعب الديمقراطي صلاح الدين دمرتاش هو الفائز في الانتخابات البرلمانية التركية التي جرت في حزيران/يونيو. وتعود الكاريزما التي تتسم بها شخصيته اليوم بالدرجة الرئيسة إلى حصول الحزب على 13 في المئة من أصوات الناخبين ليصبح أول حزب كردي يدخل البرلمان التركي، ويحرم حزب العدالة والتنمية من الفوز بغالبية مطلقة.

عُلقت على نجاح دمرتاش وحزبه آمال عريضة في الداخل والخارج، باعتباره نصرًا للديمقراطية التركية وتعدديتها. لكن تركيا تقف اليوم أمام خطر العودة إلى ظروف الحرب الدموية التي شهدتها في السنوات السابقة بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني.&

وقال دمرتاش إن حزب العدالة والتنمية، الذي هو حزب الرئيس رجب طيب إردوغان، "أوجد هذا الوضع عن سابق إصرار"، مشيرًا إلى أن الاثنين، الحزب وإردوغان، "انفردا بحكم تركيا طيلة أكثر من عقد حتى انتخابات حزيران/يونيو، لكنهما رغم ذلك لم يعد بإمكانهما وقف صعودنا إلى السلطة، فاختارا إشاعة الفوضى في البلد، وهذا هو التفسير الوحيد لحربهما ضد حزب العمال الكردستاني"، بحسب دمرتاش.

دعم داعش
وكان دمرتاش اتهم حكومة إردوغان بالضلوع في الهجوم الذي نفذه تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في مدينة سروج، حيث قُتل 32 شخصًا من أجل استخدامه ذريعة لإشعال نزاع مسلح. وقال دمرتاش في مقابلة مع مجلة شبيغل الألمانية إنه لا يملك وثائق تثبت دور الدولة التركية في الهجوم "لكن تحقيقاتنا تشير إلى أن حكومة حزب العدالة والتنمية التي سكتت سنوات عن نشاطات المتطرفين في تركيا هي التي جعلت هجوم داعش هذا ممكنًا".&

كما شجب دمرتاش الهجمات التي نفذها حزب العمال الكردستاني ضد القوات التركية، واصفًا مقتل اثنين من عناصر الشرطة بأنه "فصل قذر أسود". لكنه أضاف إن ذلك "كان انتقامًا من الهجوم الذي وقع في سروج ارتكبته وحدة محلية تابعة لحزب العمال الكردستاني، وأن التنظيم الأوسع لم يعلن مسؤوليته، بل يبدو لي أن عناصر فردية كانت تريد استفزاز الدولة التركية". وقال دمرتاش "نحن نوجّه دعوة عاجلة إلى حزب العمال الكردستاني والحكومة التركية لإلقاء أسلحتهما، وأن يكون هناك وقف متبادل لإطلاق النار".&

تناول دمرتاش علاقة حزب الشعب الديمقراطي بحزب العمال الكردستاني، وما إذا كان فرعًا منه - كما يذهب خصوم الحزب - فقال "كانت هناك لقاءات بطبيعة الحال، وجلسنا إلى طاولة واحدة خلال مفاوضات السلام في السنوات القليلة الماضية. كما تحدثنا مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في زنزانة سجنه في جزيرة أمرالي في بحر مرمرة".&

يلقب بـ(أوباما الأكراد) ويصفه الرئيس التركي بالكافر

المعارض صلاح الدين دمرتاش هدف إردوغان الأول

&

تأثير لا تبعية
ولاحظ دمرتاش أن لما يقوله أوجلان "وزنًا كبيرًا داخل حركته، وبالنسبة إلينا فإن المسألة تتعلق بالتوسط في إطار القانون، وما عدا ذلك ليست هناك علاقة بنيوية بيننا، ونحن بكل تأكيد لسنا الجناح السياسي لحزب العمال الكردستاني كما يتهمنا خصومنا".&

واستبعد دمرتاش حظر حزبه، كما يطالب متشددون في حزب العدالة والتنمية، قائلًا "رغم عدم وجود قضاء مستقل في تركيا، فإني لا أعتقد بأن المحكمة الدستورية ستجيز حظر حزبنا. وإردوغان يعرف حق المعرفة أنه لا يستطيع ببساطة أن يحظر حزب الشعب الديمقراطي، ولكنه يريد رفع الحصانة عن أعضاء في البرلمان، يعدُّهم إرهابيين، ويريد تجريم حزبنا للحدّ من التأييد الشعبي الذي نتمتع به".&

وعلق دمرتاش على إعلان مكتب المدعي العام فتح تحقيق ضده بتهمة التحريض على تنظيم احتجاجات مسلحة بالقول "إن إردوغان لا يستطيع القبول بفقدان مزيد من السلطة بسبب خطر التحقيق في قضايا فساد ضده، وهو منذ خسارته الغالبية البرلمانية يشعر بأنه محاصر في زاوية. لهذا السبب يحيك هذه المؤامرات، لإشعال نزاع. ويتضمن هذا الاتهامات الموجّهة ضدي".&

الكفة الشعبية
وأعرب دمرتاش عن اعتقاده بإمكانية تشكيل حكومة ائتلافية رغم أن المفاوضات بين الأحزاب السياسية لم تحقق نتيجة منذ حزيران/يونيو، ورأى "أن فرص تشكيلها تبلغ 50 في المئة"، لكنه استبعد تشكيل ائتلاف بين حزب الشعب الديمقراطي وحزب العدالة والتنمية، قائلًا إن مثل هذا الائتلاف "في الظروف الراهنة أمر لا يمكن التفكير فيه".
&
وتوقع دمرتاش أن يتعرض حزب الشعب الديمقراطي إلى حملة شرسة في حال إجراء انتخابات جديدة، قائلًا "إنهم سيحاولون التشهير بنا من خلال ربطنا بالعنف والإرهاب، ولكني على اقتناع بأن المواطنين سينظرون إلينا كما نظروا إلينا في انتخابات حزيران/يونيو، كفرصة للسلام. وسيفقد حزب العدالة والتنمية مزيدًا من الأصوات في الانتخابات الجديدة، في حين أننا بكل تأكيد سنفوز حتى بأكثر من 13 في المئة التي حصلنا عليها في المرة السابقة".&

وحين سُئل دمرتاش عن رأي عبد الله أوجلان بالوضع الحالي في تركيا، قال "لا أعرف. فهو يواجه حاليًا عزلة شديدة في زنزانة سجنه، ولم يتحدث معه أحد منذ أربعة أشهر، لا محاميه ولا عائلته ولا أي سياسي".&

ذريعة لضرب الكرد
وكانت الحكومة التركية أعلنت أنها تحارب الإرهابيين كافة بالتساوي، ولكن دمرتاش يرى أن حربها موجّهة ضد الكرد بالدرجة الرئيسة. وقال في هذا الشأن "خذوا على سبيل المثال عدد المعتقلين في عمليات الدهم التي شهدتها تركيا أخيرًا. كم كان بينهم من عناصر داعش؟.. بضع عشرات؟. من جهة أخرى طالت الاعتقالات أكثر من 1000 كردي، لا سيما الشباب، بدعوى تأييدهم حزب العمال الكردستاني. وهذه الأرقام توضح الصورة كاملة".&

وحذر زعيم حزب الشعب الديمقراطي صلاح الدين دمرتاش من أن إردوغان "قادر تمامًا على إشعال البلد كله، إذا كان ذلك يعني إبقاء قبضته على السلطة، ونحن نشهد انعطافًا خطيرًا منذ فترة. فالديمقراطية التي حققناها بشق الأنفس في تركيا تتآكل ويزداد تآكلها تفاقمًا كل يوم".&

وعن احتمالات العودة إلى حرب الثمانينات والتسعينات بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، قال دمرتاش "إن الشعب التركي لن يسمح بذلك، وهو لا يريد مزيدًا من سفك الدماء، ولكن حزب العدالة والتنمية سيرحّب بمثل هذه الفوضى لاستعراض عضلاته. ولكنني أعتقد أن بالإمكان استبعاد العودة إلى الحرب الأهلية".&

في ملعب تركيا
وأعرب دمرتاش عن ثقته بأن حزب العمال الكردستاني سيوافق على "وقف لإطلاق النار يحترمه الجانب التركي أيضًا. وإذا أوقفت تركيا قصفها وهجماتها ضد حزب العمال الكردستاني في مدن تركية وعادت إلى محادثات السلام، فإن وقف إطلاق النار يمكن أن يُعلن في اليوم نفسه".&

وكانت تقارير أشارت إلى أن منفذ الهجوم الانتحاري في سروج كردي ينتمي إلى داعش. وعلق دمرتاش على ذلك قائلًا "الانتماء إلى جماعة إثنية معينة لا يمت بصلة إلى آراء الشخص السياسية، وهو لا يحمي أحدًا من الأخطاء الفادحة. ونحن تعلَّمنا بأن نعد برامج جديدة لمنع الشباب من الانضمام إلى المتطرفين".&

وتطرق زعيم حزب الشعب الديمقراطي إلى موقف الولايات المتحدة التي تدعم الكرد في قتالهم ضد داعش، وتسكت حين تقصف تركيا مواقعهم في شمال العراق وفي شمال سوريا، وعما إذا كان يشعر بأن واشنطن تغدر بالكرد، وقال دمرتاش لمجلة شبيغل "إن الكرد يأخذون على عاتقهم مسؤولية السلام والاستقرار في المنطقة. وإن العمل مع الكرد يمهد طريق الأمن في كل البلدان ذات العلاقة. وأنا أنتقد الولايات المتحدة لسماحها بتوجيه ضربات جوية تركية ضد حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل في شمال العراق من أجل أن تسمح لهم أنقرة باستخدام قاعدة أنجرليك في معركتهم ضد داعش".&

حكم ذاتي لا تفكك
ونوه دمرتاش بموقف ألمانيا قائلًا إنها "تشيد بتحركات تركيا ضد داعش، لكنها تنتقدها على عمليات القصف غير المتناسبة ضد مواقع الكرد". وأضاف "أعتقد أن لدى السياسيين الألمان فهمًا أفضل للوضع".&

وعن دور حلف الأطلسي وامكانية ضغطه على تركيا، قال دمرتاش "ان تركيا نجحت في اقناع الولايات المتحدة بالموافقة على اقامة منطقة وقائية في شمال سوريا، والمرجح ان يدعم حلف الأطلسي ذلك ايضاً، ولكن هذا ليس لمصلحة الكرد. فان حكومة انقرة تريد ان تستخدم هذه المنطقة قاعدة للعمل ضدهم. وإذا أُقيمت منطقة كهذه فيجب ان تُقام مع القوات الكردية".&

وأكد دمرتاش ان مخاوف تركيا من إقدام كرد سوريا على اقامة دولة لا اساس لها، قائلا "ان الكرد السوريين لا يريدون ان تتفكك الدولة السورية، ولكنهم يرغبون في مزيد من الحكم الذاتي، ليكون لديهم قدر أكبر من تقرير المصير. ولا داعي لخوف تركيا من ذلك". وقال دمرتاش "ان على تركيا ان تبدي اهتماماً أكبر بتحسين علاقاتها مع الكرد لأن وجود داعش على حدود تركيا خطر أكبر بكثير".&