الحملة الجوية مستمرة ضد مواقع داعش في سوريا والعراق، لكنها تبدو غير مجدية، إذ لم تمنع داعش من غزو الأنبار والرمادي. فهل النية صافية في هزيمة هذا التنظيم الارهابي؟ هذا ما تشكك فيه "تلغراف" البريطانية.

بيروت: تتهم صحيفة "تلغراف" البريطانية الرئيس الأميركي باراك أوباما بأنه لا يريد هزيمة تنظيم داعش الآن. ويقول محرر الشؤون الشرق أوسطية فيها ريتشارد سبنسر إن أميركا وحلفاءها لم يربحوا بعد الحرب ضد داعش، "والحقيقة هي أنّ الرئيس أوباما لا يريد الفوز بالحرب ضد داعش حتى الآن، إذ يعتقد أن فوزًا سريعًا على هذا التنظيم الجهادي سيكون من دون فائدة، بل يمكن أن يكون كارثيًا".

وعد أميركي

في العراق، يقول سبنسر إن أوباما ينظر إلى داعش فيراه جزءًا من معادلة متعددة الأطراف، هم العراقيون السُنة والأكراد والعراقيون الشيعة والإيرانيون، والاجتياح الأميركي الذي حصل في العام 2003.

الولايات المتحدة تدعم الأكراد ضد داعش، لكن هذا الدعم لا يرقى إلى مستوى تشجيعهم على إعلان الاستقلال وانفصالهم عن بغداد، "فذلك يتضمن تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلات، بينما وعدت واشنطن بالحفاظ على وحدة الأراضي العراقية بعد غزوها في العام 2003، وواشنطن اليوم تريد التمسك ببعض وعودها".

كما تدعم الولايات المتحدة الأغلبية الشيعية داخل الجيش العراقي وخارجه، إذ برأيها سيتمكنون - بدعم كافٍ من الأميركيين - من هزيمة داعش، وهذا بالفعل ما يحصل في مناطق واقعة خارج معاقل داعش في الأنبار.

ومع ذلك، الإيرانيون من أهم داعمي شيعة العراق، ولذلك فنتيجة الصراع العراقي الحاسمة قد توقع سُنته في أسر طهران.

أمل أوباما

يضيف سبنسر: "الأهم من كل ما سبق هو أنّ الانتصار الأميركي-الإيراني المشترك على داعش سيؤكد ادعاء السنة أنهم ضحية، وأن وضعهم هذا أدى إلى صعود داعش وقوته. لكن أوباما يظن أن هذا الانتصار سيكون موقتًا، كما حدث في حربي جورج دبليو بوش على السُنة العراقيين، الأولى ضد صدام حسين، والثانية ضد تمرد سُني قادته أول نسخة لداعش في العراق قبل الانسحاب الأميركي الكامل من الاراضي العراقية".

آمال أوباما معلقة على خليط من جيش طائفي يضم السُنة ومقاتلي العشائر يوقف داعش بلا مساعدة أميركية، "وهذا ما لن يحدث قريبًا، فلم يخضع للتدريب سوى عدد قليل من هؤلاء المقاتلين، وفقًا للمعايير التي يراها الأميركيون كافية لتنفيذ هذه المهمة، كما لم يحاول العشائر استعادة الرمادي، أو حتى البدء بحملة جدية لاقتحام معاقل داعش في الفلوجة والموصل"، بحسب تحليل سبنسر.

لذلك، فسياسة أوباما تعتمد على احتواء خطر داعش، وعلى انتظار أن يحرق التنظيم نفسه من داخله ذات يوم.

سيناريو أميركي

الحسابات السورية أصعب، لكنها تؤدي إلى النتيجة نفسها. ففي عالم أوباما المثالي، يؤكد مقاتلون من غير داعش سلطتهم الأخلاقية والعسكرية ويرسخون مواقعهم ويوسعون نفوذهم في سوريا، وهذا يحتاج إلى وقت لن يُسمح فيه لنظام الأسد بالانهيار التام مخافة شيوع فوضى جديدة عارمة، كما لن يُسمح للأكراد بإنشاء دولة مستقلة في شمال سوريا مخافة إغضاب تركيا، ولن يُسمح لجبهة النصرة بالهيمنة على المعارضة السورية المقاتلة. لذلك، تؤكد "تلغراف" مرة أخرى أن لا رغبة أميركية في الانتصار سريعًا على داعش.

تقول "تلغراف": "في مرحلة معينة، يأمل أوباما في أن يهزم مقاتلو المعارضة، غير التابعين للقاعدة، تنظيم داعش، وبعد ذلك، ستتشكل قوة كافية لإجبار بشار الأسد على التفاوض للخروج من السلطة، ولعقد اتفاق سلمي مدعوم من الغرب والصين وروسيا، ومدعوم أيضًا من إيران، الشريك شبه الجديد للولايات المتحدة في السياسة الدولية".

أولى بين متساوين

هكذا يقرأ محرر "تلغراف" للشؤون الشرق أوسطية آراء أوباما العالمية. ففي الشرق الأوسط، يريد أوباما موازنةً بين مصالح السُنة والشيعة والسعودية وإيران. وفي العالم، يرى أنّ أميركا ليست القوة الوحيدة في العالم التي لا تقهر، وليست واحدة بين القوى الكبرى التي تتنافس على المسرح الدولي، ما يعني التخلي عن الدور الأميركي الإنجيلي التبشيري، القائم على نشر قيم الحرية والديمقراطية في دول العالم.

بدلًا من كل هذا، يرغب أوباما في أن تكون أميركا أولى بين متساوين، وفي أن تتزعم العالم المحرر إن لم تتزعم العالم الحر، محترمة مصالح منافسيها كالصين وروسيا، لتدفعهما إلى العمل معها لمراقبة الدول المارقة.

يقول سبنسر: "فإذا كانت لعبة الشطرنج المعقدة تبدو خيالية، تخيل ماذا سيحدث لمن علقوا فيها، فهؤلاء الذين يتعرضون لقصف النظام السوري يوميًا يرون أن داعش يحميهم، وهذا رأي كثير من السنة السوريين، وبالنسبة إلى الذين يكرهون أميركا، يبقى داعش نقطة التعبئة والحشد".

وبالنسبة إلى مقاتلي المعارضة، لا يشكل داعش أملًا، ولو بالحد الأدنى، لهزيمة الأسد، وليس مفاجئًا أن يخرج الأميركيون عددًا قليلًا من المقاتلين في برامج التدريب بتركيا، لا يتجاوز عددهم 54 مقاتلًا حتى الآن. فبرنامج التدريب لا يركز على قتال الأسد، بل يطالب المقاتلين بالتعهد بأن أولويتهم هي قتال داعش، فقط لا غير.