تعتبر غوزلار من المدن الجميلة وسط ألمانيا حيث تحتضنها جبال هارتس وتتمتع بشعبية واسعة بين السياح الذين يزورونها للتمتع بشوارعها الحجرية وعمارتها التاريخية أو التزلج على الثلج وركوب الدراجات في الجبال المطلة عليها.

إعداد عبد الاله مجيد: اكتسبت مدينة غوزلار الألمانية شهرة لسبب لا يمت بصلة إلى السياحة وجمال الطبيعة. إذ تختفي وراء الواجهة الثقافية والسياحية للمدينة مشاكل كبيرة جعلتها من أضعف المناطق اقتصاديا في غرب ألمانيا.

مرحباً بالمهاجرين

ومن أكبر مشاكل المدينة الأزمة السكانية الناجمة عن هبوط معدلات الولادة ورحيل الشباب. فان مدينة غوزلار الصغيرة تفقد 1500 إلى 2000 شخص سنوياً من سكانها البالغ عددهم 46 الفاً يتناقصون بوتائر مطردة.

وهناك في بعض أجزاء المدينة حارات كاملة خالية من السكان فيما جرى تهديم حارات أخرى بعد كساد منجم الفضة والمصح اللذين كانا مصدر انتعاش المدينة اقتصاديا.

ولكن عمدة المدينة أوليفر يونك مصمم على تغيير هذا الوضع واستعادة أمجادها بسياسة أثارت جدلا في سائر أنحاء ألمانيا حين أعلن أن مدينة غوزلار تفتح أبوابها لاستقبال مزيد من المهاجرين.

وفي حين أن دول أوروبا الأخرى تتحول إلى حصون مغلقة بإحكام بوجه المهاجرين مستخدمة أساليب مهينة أحيانًا فان عمدة غوزلار يوجه رسالة مختلفة تماماً مؤداها: مرحباً بالمهاجرين. ويؤكد يونكر أن مدينته كلما جاءها مهاجر للاستقرار فيها تقول "هل من مزيد؟".

وأطلق العمدة البالغ من العمر 39 عامًا وهو محام ينتمي إلى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي بزعامة المستشارة انغيلا ميركل، سجالًا في عموم ألمانيا بالاصرار على أن تدفق المهاجرين هو أفضل شيء يمكن أن يحدث لمدينته التي استقبلت 48 لاجئاً فقط العام الماضي و41 آخرين حتى الآن هذا العام وتأمل بمجيء المزيد.

مساكن فارغة

ونقلت صحيفة الغارديان عن العمدة يونك قوله "لدينا الكثير من المساكن الفارغة وبدلا من ان نراها تتداعى نستطيع ان نوفر مأوى جديدا للمهاجرين وان نساعدهم وبذلك يصبح لمدينتا مستقبل".

بعض الالمان يتهمون العمدة بالشعوبية لتسويق نفسه وآخرون يقولون انه ساذج. ولكن من الصعب الاستخفاف برجل حصل على نحو 94 في المئة من اصوات الناخبين عام 2011 ولولاية تمتد ثماني سنوات. ويؤكد يونك انه يتعامل مع الوضع بطريقة براغماتية لا أكثر.

ويشير يونك إلى مدينة غوتينغين المزدهرة اقتصادياً على بعد ساعة بالسيارة من مدينته. إذ تدفق عليها آلاف المهاجرين واللاجئين حتى ان مدناً من الخيم وقرى من الحاويات انبثقت فيها كما في مدن ألمانية اخرى. ويقول يونك "ان هذا جنون فهم في غوتينغين يجب ان يبنوا مساكن جديدة وينتفوا شعرهم متسائلين أين يأوون هذه الأعداد في حين نحن لدينا مساكن فارغة وارباب عمل يبحثون جاهدين عن عمال ماهرين".

نموذج غوزلار

نداءات العمدة يونك إلى اعتماد "نموذج غوزلار" في ترحيبها بالمهاجرين لم تلق آذاناً صاغية من السياسيين في برلين. وهو ينتقدهم بشدة قائلا "انهم يقولون لي "القواعد هي القواعد" وهذا موقف جامد ومعهود من الالمان الذين عليهم دائماً ان يعملوا بأفكار جاهزة بدلا من الانفتاح على أفكار جديدة".

وأعلن يونك "ان كل من يقول لي ان ألمانيا امتلأت أو اننا لا نستطيع ان نستقبل المزيد أقول لهم فكروا في ماضينا، وفي المستقبل. طبعاً نستطيع ان نستقبلهم فنحن بلد غني ومن واجبنا ان نساعد المحتاجين".

في هذه الأثناء استقبلت مدينة غوزلار ثلاثة شبان من سوريا أصبحوا مشاهير فيها. فان باهي ورحمن وعبد المعين وثلاثتهم في السابعة عشرة من العمر وصلوا إلى غوزلار من حلب في آيار (مايو) الماضي ومنذ ذلك الحين اصبحوا نموذجاً يُقتدى لانقاذ المدينة من ركودها الاقتصادي.

السوريون الشبان الثلاثة حلقوا شعرهم في تسريحات حديثة ويرتدون ملابس مكواة نظيفة. وحين يتحدثون عن الدمار الذي خلفوه وراءهم في مدينة حلب فانهم يرفقون حديثهم هذا بالتعبير عن رغبة قوية لفتح صفحة جديدة في حياتهم.

فرصة لألمانيا!

ونقلت صحيفة الغارديان عن باهي قوله بلغة ألمانية ركيكة "نحن لسنا من هنا، ولكن أهل المدينة يعاملوننا وكأننا أقاربهم".

وأضاف باهي أنه يطمح بمواصلة دراسته في مدينة غوزلار ولكنه يتمنى لو يستطيع إخراج عائلته أولا. ويأمل العمدة يونك ببقاء السوريين الثلاثة في مدينته وان يقولوا لأنفسهم "ان هذه المدينة أحسنت معاملتي وبودي ان أجعلها مدينتي".

ويقول يونك بصراحة غير معهودة من مسؤول محافظ "في كل واحد من هؤلاء الشبان، وفي لاجئينا جميعاً هناك فرصة لألمانيا".