يدمن اللبنانيون اللوتو، يصير إدمانهم هوساً عندما تتخطى الجائزة المتراكمة ملياراً وملياري ليرة لبنانية وأكثر (كلّ 1500 ليرة لبنانية تساوي دولارًا واحدًا)، كان المقيمون مهووسين بلعبة الحظ هذه وانضم إليهم أخوانهم في المهجر عندما بات الإشتراك متاحاً عبر الهواتف. بعد تخطي الجائزة عتبة الثلاثة المليارات يتحوّل الهوس شبه جماعي. شعب بأكمله يحلم كل من أفراده بثروة، لاستحالة الثورة ربما. لأن كل حزب وطائفة وفريق جربها وخرج مثقلاً بالجراح والخيبات.

خاص بإيلاف:&قبل الاحلام، المعيشة ليست هينة في لبنان. لا أصعب من الحصول على مال في هذه الظروف في هذه الزاوية من العالم ، وإن توافرت فقليلاً ما تكفي حتى لتحقيق الأحلام القليلة والصغيرة. لا حل إلا بربح جائزة لوتو. بين اليقظة والمنام يتخيل كثيرون ما سيفعلون بالمبالغ الطائلة كأنها صارت في حساباتهم. ظاهرة تستحق بلا تردد تحليلاً نفسياً جماعياً تنطلق من حقيقة أن قيمة الإنسان في هذا الزمن في هذا البلد يحدده عدد الأصفار في حسابه المصرفي. "معك ليرة بتسوى ليرة" كانوا يقولون أيام الليرة.

لذلك ولغيره يهجمون الإثنين والخميس خصوصاً على آلات "التتكيس". ينتظرون بالدور في بعض نقاط البيع قبل موعد الإقفال. شعب يحب المقامرة والمغامرة. ليس وحده فهذا عصر الرهانات. لا تقل شعوب الغرب وأميركا اللاتينية شغفاً بالرهانات على كل شيء: سبق الخيل وسبق الكلاب وسبق البني آدم ومباريات الكرة بالقدم واليد وسائر الأعضاء.

لكن ثمة فارقاً يتعلق بجوهر النظام في تلك البلدان، كما بالنظام الأخلاقي الفردي. بصفته بلداً متخلفاً بامتياز على هذا المستوى لا بمنع أشخاص في لبنان يهمسون – عن حق أو عن غير حق- في جلسات الدردشة داخل البيوت وفي المقاهي عن ظواهر تثير الريبة في اللوتو اللبناني. هل هي مصادفة على سبيل المثال أن يربح الجائزة الهائلة كلما تخطت الملياري ليرة مواطن من الشمال، تحديداً من بلدة في الشمال (زغرتا- إهدن) تقوم فيها زعامة ذات امتدادات إلى بيروت، ويتبع لها مدير ذو موقع رفيع في إدارة اللوتو؟

ولكن كيف يمكن التلاعب بالنتيجة وهي تظهر مباشرة على مشاهدي التلفزيون وعبر آلة يستحيل التحكم فيها؟

خبراء في الكمبيوتر يسخرون من هذا السؤال . يجيبون أن موظفاً يتعاطى البرمجة يمكنه بسهولة بيع الورقة بعد ظهور النتيجة وإظهار أنها بيعت قبلها بتوقيت مختلف. ويتحدث بعضهم عن أشخاص قبض كل منهم مبلغاً- 5 آلاف دولار فقط ، تقريباً- لقاء الإعلان أنه ربح الجائزة الكبيرة. &وها قد قرأنا منذ أسابيع في الصحف العالمية عن فضيحة في سحب اللوتو في صربيا حيث ظهر الرقم الرابح على الشاشة قبل وقوع الطابة الصفراء في أسفل الآلة المدوّرة. وما يحدث في صربيا يجوز في أي منطقة وبلد.

إلى من تذهب مبالغ اللوتو الخيالية؟ من يسطو على أحلام اللبنانيين الصغيرة بالثروة الكبيرة؟

ولماذا العجب؟ هل كنتم تتخيلون فعلاً أن بلداً يفترسه الفساد يمكن أن يوفر فيه المفترسون مزراب ذهب كاللوتو، لتبقى هذه اللعبة نقية طاهرة بلا عيب ولا فساد؟ لا شيء ولا أحد في هذا البلد فوق الشبهات ولا امرأة للقيصر.

ولكن ظلوا "تكسوا". من يعرف فقد تكون الخبريات غير صحيحة ويمكن أن تفتح في وجوهكم. قولوا "انشالله!"