تغطي نظريات المؤامرة روايات لا تُحصى، من رؤية أجسام غريبة مجهولة المصدر ترسلها قوى في الفضاء الخارجي مرورا بالتشكيك في الهبوط على القمر بوصفه اكذوبة تقف وراءها مؤامرة دُبرت بإحكام الى النظرية القائلة إن زواحف عملاقة تحكم العالم دون أن ندري.

لذا كان من الطبيعي ان يُثار السؤال عما يدفع الأشخاص الى تصديق هذه النظريات والايمان بها، وهم كثر.

وتوصلت دراستان جديدتان نُشرتا في مجلة "علم النفس المعرفي التطبيقي" الاميركية الى ان من يؤمنون بنظريات المؤامرة يشتركون في شيء واحد هو شعورهم بعدم السيطرة على حياتهم.

يان فيليم فان بروين استاذ علم النفس الاجتماعي والتنظيمي في جامعة امستردام يدرس نظريات المؤامرة والمؤمنين بها منذ ست سنوات. وهو يقول انه حين بدأ بحثه كان الشيء الذي أدهشه حقاً هو عدد الأشخاص الذين يؤمنون بنظريات معينة من نظريات المؤامرة.

وكثيرا ما تظهر نظريات المؤامرة في الأوقات التي يكتنفها الغموض ويسودها الخوف، كما يحدث بعد وقوع هجمات ارهابية أو أزمات مالية أو وفاة شخصية مرموقة أو حدوث كوارث طبيعية. &وتشير الدراسات السابقة الى ان الأشخاص إذا شعروا بأن لا سيطرة لهم على الموقف الذي يجدون أنفسهم فيه فإنهم يحاولون أن يتكهنوا معناه ويعرفوا ما حدث. وتنقل مجلة تايم عن البروفيسور فان بروين "ان البحث عن معنى يقودهم الى الربط بين اشياء لا يوجد بينها رابط في الواقع".

وأظهر فان بروين وفريقه من الباحثين ان العكس ايضا صحيح. &فان الشعور بالسيطرة على الموقف يوفر حماية ضد الايمان بنظريات المؤامرة. &وقام الباحثون في احدى الدراستين بتقسيم 119 شخصاً الى مجموعتين وطلبوا من افراد مجموعة ان يسجلوا الأوقات التي كانوا يسيطرون فيها على الموقف سيطرة تامة ، ومن أفراد المجموعة الثانية ان يكتبوا متى كانوا يشعرون بأنهم لا يسيطرون على الموقف. &ومنح هذا الاختبار افراد احدى المجموعتين احساساً بالاقتدار والمجموعة الأخرى شعورا بالعجز.

ثم درس الباحثون مواقف افراد المجموعتين من مشروع بناء في امستردام تسبب بطريق الخطأ في تدمير أسس بيوت عديدة قرب الموقع ، وظن كثيرون بأن ما حدث مؤامرة دبرتها بلدية المدينة. &ولكن افراد المجموعة الذين غُرس فيهم الشعور بالسيطرة استبعدوا ان حكومة المدينة كانت تبيت امراً شريراً في الظلام. &وقال البروفيسور فان بروين ان فريقه من الباحثين وجد "ان الأشخاص الذي يكتسبون احساساً بالسيطرة يكونون أقل ميلا الى تصديق نظريات المؤامرة هذه". ونقلت مجلة تايم عن فان بروين "ان إعطاء الأشخاص احساساً بالسيطرة يجعلهم أقل شكاً بعمليات الحكومة".

الهولنديون بالطبع ليسوا وحدهم الذين يوجد بينهم من يؤمنون بنظريات المؤامرة. &فان الدراسة الثانية قامت بتحليل بيانات جُمعت عن عينة من الاميركيين تمثل المجتمع الاميركي بصفة عامة خلال الأشهر الأخيرة من عام 1999 قبل حلول الألفية الثالثة وتحول القلق من فيروس الألفية الى ذعر ورعب من تعطل الأنظمة الالكترونية التي تدير المؤسسات الخدمية والمستشفيات والدوائر الحكومية لأن الكومبيوترات ليست مصممة للانتقال من 1999 الى 2000 ، كما تردد في حينه.

وقال فان بروين انه كلما زاد خوف الأشخاص من فيروس الألفية عام 1999 زاد ميلهم الى الايمان بنظريات المؤامرة الأخرى، من اغتيال كندي في عام 1963 الى تستر الحكومة الاميركية على أدلة تثبت وجود أجسام غريبة مجهولة المصدر. &واضاف ان أفضل مؤشر الى الايمان بنظرية مؤامرة هو الايمان بنظرية مؤامرة أخرى.

وتسند نتائج الدراستين إلى ما توصل اليه فريق آخر من الباحثين العام الماضي عندما وجد ان 37 في المئة من الاميركيين يؤمنون بأن إدارة الأغذية والعقاقير تتعمد منع المواطنين من استخدام علاجات طبيعية للسرطان لأنها خاضعة لسيطرة شركات الأدوية.

ويمكن ان يكون تغيير هذه المعتقدات صعباً للغاية ولكن منح الأشخاص احساساً بالسيطرة يمكن ان يساعد في تبديد بعض المعتقدات التآمرية، كما توصلت الدراستان الجديدتان. وهي نتيجة قد تكون مفيدة عالميا. ويقول البروفيسور بروين "ان جوهر التنظير التآمري جوهر عام يشمل الكائنات البشرية كافة لأن لدى البشر ميلا طبيعيا الى الشك في المجموعات القوية والتي يمكن ان تكون معادية".