يحقّ للبنانيين أن يعيشوا في وطن نظيف. نظافة في السياسة وفي الاقتصاد وحتى في الطرق التي باتت ممتلئة بالأكياس الزرقاء والسوداء. لا يكفي اللبنانيين الأزمات الكثيرة التي تخنقهم منذ سنوات وأتت أزمة النفايات لتقضي حتى على أوكسيجن المواطن.

خاص بإيلاف من بيروت: بالنسبة إلى البعض، موضوع الزبالة هو أفضل ما حصل للبنان لأنه أنعش الشارع من جديد ولو قطع الأنفاس. أعاد إلى الشارع نبضه بعد "كوما" مديدة ويأس ولا مبالاة ضربت الشباب اللبناني. أمّا آلية التحركات فشأن آخر لا يخلو من الهفوات والسقطات.

أعاد إيماني بلبنان

تجمّع "طلعت ريحتكم" كان الأبرز في البداية، دعا إلى اعتصام في ساحة رياض الصلح، حضره شباب وطلاب سلميون. "هذا التجمع أعاد إيماني بلبنان" تقول إحداهنّ. وهو كذلك بالفعل لأنه يعمل من دون خلفية طائفية ولا سياسية والقيّمون عليه معروفون بجنونهم وحبّهم للبنان ولو على طريقتهم. بعد مشاكل وسط بيروت وفلتان المندسين، لم يعد سهلًا على التجمع توحيد المطالب التي تبدو سوريالية أحيانًا.

البداية كانت من أزمة النفايات، حتى وصلنا إلى شعارات كبيرة تطال النظام برمّته، "الشعب يريد إسقاط النظام" يهتفون، يصرّون على استقالة الرئيس تمّام سلام. تحدّث عماد بزّي، ناشط سياسي وأحد أبرز منظّمي حملة "طلعت ريحتكم"، عن إعادة تأطير للمطالب، داعيًا إلى استقالة وزيري البيئة والداخلية محمد ونهاد المشنوق وإيجاد حلّ بيئي نظيف لأزمة النفايات، ومحاسبة كلّ من تعرّض للشباب المتظاهرين في ساحة رياض الصلح.

بعد الكلام على إسقاط النظام، ومقالات ومواقف لمشككين كثر بنزاهة وحرية هذا التجمع، بدأ كثيرون يفكّرون مليًا بالنزول مرّة جديدة. يسألون كيف تستقيل الحكومة؟ إلى من تقدم إستقالتها في غياب رئيس للجمهورية وفي ظل مجلس نواب لا يجتمع؟ سيتعذر تشكيل حكومة جديدة وليس هذا المطلوب. يرون أن الخطوة الأولى تبدأ بانتخاب رئيس، في حين يعتبر آخرون أن مجلس النواب غير شرعي لا يمكنه انتخاب رئيس.

"تفريخ" التجمعات

في السياسة، تبدو خطوات "طلعت ريحتكم" ساذجة إذا صحّ التعبير أو مرتبكة، شديدة التعثر في أفضل الأحوال. وكالعادة تحاول الأحزاب الاستفادة من تجمّع كهذا لـ"تقطفها". هكذا بدأ "تفريخ" التجمعات، من "بدنا نحاسب" إلى "بدنا نعيش بلبنان" و"الثورة اللبنانية" وغيرها الكثير.

ساحة التجمعات صارت مباحة، والإعلام يغطّي تحرّكات الجميع ويمكن الحديث عن طريق قصير إلى الشهرة أمام الكاميرات يسعى البعض إلى الاستفادة منه. حتّى أننا رأينا على صفحات الفايسبوك "حركة تصحيحية لطلعت ريحتكم".

هناك أيضاً "المندسون" وهم كثر، ترسلهم الأحزاب وبعض الشخصيات للتخريب وافتعال المشاكل. شبان يخلعون ملابسهم من دون سبب، يهتفون "شيعة شيعة شيعة" و"حشيشة حشيشية بدنا نشرّع الحشيشة". ويعرف اللبناني كيف يستفيد من أي تجمّع فينزل مع "فان" البوظة ويبيع المعتصمين، أو يأخذ الأرغيلة لينفّخ خلال التظاهر، أو يبيع القهوة ويربح أموال الناس.

نوستالجيا التظاهرات

نوستالجيا زمن التظاهرات عادت إلى الشباب، وخطوات القوى الأمنية في اليوم الأول كانت مستفزّة، فرأينا شبانًا وشابات لم يتحمّسوا يومًا للنزول إلى الشارع، يحملون اللافتات ويقفون بين المتظاهرين.

يبقى أن نرى إلى أين ستتجه التحركات في الأيام المقبلة، لا سيّما يوم السبت حيث يدعو تجمّع "طلعت ريحتكم" إلى تظاهرة في ساحة الشهداء. على أمل أن تبقى هذه التحركات حرّة من أي ضغوط سياسية أو نوايا سيّئة لأنها ببساطة تحمل الكثير من الأمل. المشككون كثر وعلى الشباب إثبات عكس ما يعتقد هؤلاء. إلّا أن "التيار الوطني الحر" على سبيل المثال دعا شبابه، وإن في شكل غير رسمي، للنزول إلى التظاهرة يوم السبت.

هل ما نشهده ثورة أم تحرّكات مطلبية؟ هذا سؤال يدور أيضًا في ذهن كلّ لبناني يخاف سيناريو الثورات المجاورة. "طلعت ريحتكم" حدّدت مطالبها ولا تصل إلى حدود الثورة. بالنسبة إلى البعض، يوم يقال إنها ثورة، يسقط التحرّك. لا يهمّ، المهمّ أنه طفح الكيل.
&