أثارت الأحكام الصادرة بالسجن لمدة ثلاث سنوات بحق صحافيي قناة الجزيرة، ردود فعل غاضبة دوليًا، وردت وزارة الخارجية المصرية بإصدار بيان شديد اللهجة ضد المنتقدين، واستدعت السفير البريطاني للاحتجاج على تصريحات أدلى بها تعليقًا على الحكم.


صبري عبد الحفيظ ونصر المجالي: تعرّضت مصر لانتقادات حادة على المستوى الدولي، بعد صدور أحكام بالسجن المشدد لمدة ثلاث سنوات بحق ستة من صحافيي قناة الجزيرة القطرية، بينهم الأسترالي بيتر جريست، والكندي محمد فهمي، الذي تدافع عنه المحامية الدولية أمل كلوني.

تجاوز دبلوماسي
واستدعت وزارة الخارجية المصرية، صباح الأحد 30 أغسطس/ آب السفير البريطاني في القاهرة جون كاسون لإبداء اعتراضها الشديد على ما صدر منه من تصريحات اعتبرتها الخارجية المصرية "تدخلًا غير مقبول في أحكام القضاء المصري"، و"تتنافى مع الأعراف والممارسات الدبلوماسية لسفير معتمد في دولة أجنبية، مهمته الرئيسة توثيق العلاقات مع الدولة المعتمد لديها".

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، أحمد أبو زيد، إن الاستدعاء جاء ردًا على ما قاله السفير البريطاني بأن "الأحكام الصادرة سوف تقلل من الثقة في الخطوات التي تقوم بها مصر نحو تحقيق الاستقرار بناء على تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في الدستور المصري". وأضاف أبو زيد: "المهم هو ثقة الشعب المصري في نزاهة قضائه واستقلاليته"، مؤكدًا أن مصر "لا تنتظر دروسًا من أحد".

كما أعربت وزارة الخارجية المصرية اليوم، الأحد، عن رفضها الكامل لأية بيانات أو تصريحات صادرة من جهات خارجية تتعلق بالحكم الصادر في ما يسمى بقضية «خلية الماريوت».

خلط متعمد
واعتبرت الخارجية في بيان شديد اللهجة ذلك الأمر تدخلاً غير مقبول في أحكام القضاء المصري، يحمل إسقاطات معروفة أسبابها، وخلطًا متعمدًا بين حريات نص الدستور المصري على حمايتها، ومخالفات قانونية صريحة وموثقة تضمنتها حيثيات الحكم الصادر في القضية.

وقال المستشار أحمد أبوزيد، المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، إن مصر دولة قانون، ودستورها يصون ويحمي جميع الحقوق والحريات، وإن المحاولات المستمرة لخلط الأوراق للإيحاء بأن الأحكام تستهدف تقييد حرية الصحافة، هي إدعاءات لا تتسق مع الواقع، حيث إن هناك الآلاف من الصحافيين المصريين وغير المصريين الذين يعملون في مصر بحرية تامة، ولم توجّه إليهم أية اتهامات. وأشار إلى أن المتهمين في قضية «خلية ماريوت» اقترفوا مخالفات قانونية محددة وموثقة استندت إليها هيئة المحكمة.

أضاف «أبوزيد» أن مصر دولة عريقة، وشعبها على وعي كامل بكل حقوقه والتزماته، وأن من يتبنون مثل تلك الحملات لديهم الكثير مما يستحق النقد. وألقت السلطات الأمنية القبض على الصحافي الكندي محمد فهمي، أثناء حضور جلسة النطق بالحكم، أمس، وأودعته سجن طرة، تنفيذًا للحكم بسجنه لمدة ثلاث سنوات.

كلوني: الأدلة متضاربة
في السياق عينه، طالبت المحامية أمل كلوني، الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بالعفو الرئاسي عن موكلها الصحافي محمد فهمي الكندي الجنسية. وقالت "لا يوجد أسس لإدانة فهمي في القضية"، وأعربت عن اعتراضها على اتهام الصحافيين بالإرهاب، وقالت: "لا يوجد أساس للإدانة، وحيثيات الحكم كانت ضعيفة، والأدلة كانت متضاربة".

وأضافت في تصريحات لها: "الاتجاه إلى طلب العفو الرئاسي سيكون الاتجاه المفضل لأسباب عدة، وهذا يطبّق على جميع الصحافيين، وليس الأجانب فقط"، مشيرة إلى أنها ستلجأ إلى السلطات التنفيذية للتدخل في هذه القضائية بعدما قالت السلطات القضائية كلمتها".

ولفتت كلوني إلى أن السيسي وعد بالتدخل لحلّ هذه القضية قبل ذلك، لافتة إلى أن الاستئناف على الحكم لن يكون قبل شهر من الآن، وهي مدة كبيرة ستتسبب بعدم لجوئها إليها، وتابعت: "اهتمّ بالقضية، لأنه من الصعب رؤية صحافي يسجن بسبب عمله، وأدافع عن حرية التعبير"، معتبرة أن القضاء المصري ينظر إليه الجميع باحترام. وأعربت عن حزنها لمصير فهمي ومعاناة أسرته في الأشهر الماضية، مشيرة إلى أنها كانت على اتصال معهم طوال هذا الوقت.

ترحيل لكندا
وأعلنت أنها استعدت للأسوأ، وطلبت من فهمي التوقيع على طلب ترحيله إلى كندا قبل جلسة الحكم، لافتة إلى أنه في حال فشل الحصول على البراءة أو العفو الرئاسي، سيتم ترحيله إلى كندا، باعتباره حاصلًا على هذه الجنسية. وأكدت كلوني أنها تواصلت مع السلطات الكندية حول هذا الأمر، وبالفعل تم تقديم طلب ترحيل فهمي لكندا إلى السلطات المصرية، مؤكدة أنها ستعقد اجتماعًا مع عدد من المسؤولين المصريين لإنهاء إجراءات ترحيل موكلها.

من جانبه، اعتبر الصحافي الأسترالي بيتر جريست، أن الحكم "ضربة كبيرة للديمقراطية في مصر"، مشيرًا إلى أن السلطات لم تقدم إلى المحكمة دليلًا تقوم عليه القضية. ونقلت وكالة "رويترز" عن جريست قوله: "أشعر بالغثيان حقًا، تصورنا أنه سيكون عليهم إنزال إدانات بنا لمجرد حفظ ماء الوجه، لكننا اعتقدنا أن أرجح حكم ممكن سيكون حكمًا مع إيقاف التنفيذ".

لم تكن محظورة
ووصف جريست العمل الذي قام به وزميلاه وعوقبوا بسببه بأنه "صحافة روتينية عادية جدًا". ونفى أن تكون المحكمة توصلت إلى دليل على أنهم اختلقوا أخبارًا أو أيّدوا جماعة الإخوان المسلمين المحظورة الآن. وقال: "هذا صادم". وأضاف: "هذا ببساطة غير صحيح، نحن تحدثنا إلى جماعة الإخوان المسلمين بكل تأكيد، لكن جماعة الإخوان في ذلك الوقت لم تكن جماعة محظورة، حظرت بعدما دخلنا السجن".

وقال: "لم يحدث أننا فعلنا الأشياء التي اتهمنا بها". وأضاف: "النتيجة الوحيدة التي يمكن أن نتوصل إليها هي أنه حكم مدفوع سياسيًا، أعتقد أنه محطم لحرية الصحافة في مصر، اعتقدت دائمًا أن الهدف من اعتقالنا كان توجيه رسالة إلى الصحافة في مصر".

وقال جريست إن وزيرة الخارجية الأسترالية، جولي بيشوب، تحدثت إليه وأبلغته بأنها تعتزم استخدام الوسائل الدبلوماسية لإلغاء الحكم، وأضاف أنها كررت ذلك في بيان قالت فيه إن الحكم "نتيجة مؤلمة". وأضاف: "سوف نتبع كل الوسائل القانونية والدبلوماسية والاجتماعية" لإلغاء الحكم.

عدم ترخيص.. وتحريض
في المقابل، قالت محكمة جنايات القاهرة، في حيثيات حكمها، بسجن الصحافيين ثلاث سنوات، إنها "اطمأنت إلى جميع أدلة الثبوت في القضية وما جاء في أمر الإحالة بالاتهامات الموجهة إلى جميع المتهمين، التي تمثلت في حيازة أجهزة بث بدون ترخيص، واتخاذ جناح في فندق الماريوت مقرًا لهم لبث معلومات مغلوطة وتقارير في قناة الجزيرة للتحريض على الدولة المصرية".

وأضافت المحكمة، أنه "على مدار 13 جلسة، تبيّن لها على وجه القطع واليقين، أن المتهمين غير صحافيين وغير مسجلين في نقابة الصحافيين، بعد الاستعلام عنهم في الهيئة العامة الاستعلامات، ونقابة الصحافيين، فضلًا عن أن المتهمين من الأول وحتى الثالث حازوا أجهزة من دون تصريح لنشر أخبار لقناة الجزيرة القطرية غير المرخص لها البث في مصر".

وأشارت المحكمة في الحيثيات إلى أنها أصدرت حكم البراءة على خالد عبد الرحمن ونورا حسن البنا، وذلك لعدم كفاية الأدلة، وعدم تعرف ضابط التحريات إليهم أثناء التحقيقات، حيث لم يتم القبض عليهم وبحوزتهم أية أجهزة مخصصة للبث التلفزيوني.

وأوضحت المحكمة أنها استخدمت الرأفة في حق جميع المتهمين، خاصة المتهم باهر محمد، الذي أدين بحيازة طلقة نارية عيار 7.62 * 39 مم آلية، وتبيّن من تقرير المعمل الجنائي أنها صالحة للاستخدام، لذا حكمت عليه المحكمة بالحبس 6 أشهر، وغرامة 5 آلاف جنيه، فضلًا عن السجن 3 سنوات بالاتهام الرئيس.

تصريح إلوود
ألقت انتقادات رسمية بريطانية للأحكام القضائية المصرية بحق صحافيي (الجزيرة) بثقلها على العلاقات بين القاهرة ولندن، التي تواجه هي الأخرى انتقادات حادة لتوجيهها دعوة في وقت سابق إلى الرئيس المصري لزيارتها.

تعقيبًا على الحكم كان السفير البريطاني قال إن استقرار البلاد يجب ألا يبنى على "أساس واه يحرم الناس من حقوقهم ويقوّض حرية الصحافة وحرية التعبير". واعتبر السفير كاسون بأن "الأحكام الصادرة سوف تقلل من الثقة في الخطوات التي تقوم بها مصر نحو تحقيق الإستقرار بناء على تنفيذ الحقوق المنصوص عليها في الدستور المصري".

وجاء تصريح السفير البريطاني في القاهرة بعد ساعات من تصريحات وزير شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في وزارة الخارجية البريطانية توباياس إلوود، قال فيها إن هذه الأحكام التي صدرت في 29 آب (أغسطس) تقوّض الثقة بإحراز تقدم في مصر تجاه الاستقرار على الأجل الطويل المبني على احترام الحقوق التي كفلها الدستور المصري.

وأضاف إلوود: تقلقني جدًا الأحكام الصادرة اليوم ضد صحافيين في مصر، وهذه الأحكام تقوّض الثقة بإحراز تقدم في مصر تجاه الاستقرار على الأجل الطويل المبني على احترام الحقوق التي كفلها الدستور المصري. وتابع الوزير البريطاني: لقد أثرنا مرارًا وتكرارًا موضوع هذه القضية والقيود المفروضة على حرية التعبير في مصر مع الوزراء وكبار المسؤولين. ندرك أن هناك إمكانية للاستئناف في هذه القضية، وسوف نراقب التطورات مستقبلًا عن قرب.

وختم إلوود مؤكدًا: "ومن الضروري أن تتخذ السلطات المصرية إجراء عاجلًا لتسوية وضع الصحافيَيْن البريطانيَيْن في هذه القضية".

دعوة السيسي
يشار إلى أن الانتقادات البريطانية واستدعاء السفير من جانب الخارجية المصرية للاحتجاج، تأتي والحملة لا تزال مشتعلة رفضًا للدعوة التي كان وجّهها رئيس الحكومة البريطانية في شهر حزيران (يونيو) الماضي إلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لزيارة لندن.

وكانت الدعوة جوبهت بحملات انتقاد واسعة عقب الحكم الذي كانت أصدرته محكمة في القاهرة بإعدام الرئيس المعزول محمد مرسي وعشرات من قيادات الإخوان. ودافعت الحكومة البريطانية عن دعوتها السيسي إلى زيارة لندن، وقالت إنه من المهم التواصل مع الدول وطرح "القضايا المثيرة للقلق". وقالت متحدثة باسم كاميرون إن الحكومة البريطانية تبحث إمكانية إجراء محادثات بين السيسي وكاميرون في لندن "في وقت ما هذا العام".

وردًا على سؤال عما إذا كانت دعوة لندن مثيرة للجدل في ضوء سجل حقوق الإنسان في مصر والحكم على مرسي قالت المتحدثة للصحافيين "تحدث رئيس الوزراء من قبل عن أهمية أن نتواصل مع الدول، حيث توجد قضايا مهمة للمصالح الوطنية للمملكة المتحدة، وأن نعمل معها". وختمت: "عندما نتواصل مع هذه الدول يمكننا طرح الأمور المثيرة للقلق، ولا توجد قضايا غير مطروحة للنقاش".