​​البون شاسع بين رؤية السعودية وبين رؤية الولايات المتحدة بشأن قضايا المنطقة. فهل يأخذ الملك سلمان بيد الرئيس باراك أوباما من حافة التردد إلى ضفة الحزم؟ الجواب في البيت الأبيض اليوم.

سيف الصانع​: اليوم، 4 أيلول (سبتمبر) 2015، يدخل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز البيت الأبيض برجله اليمنى، في أول زيارة له ملكًا إلى عاصمة ما تعارف الناس على تسميتها "أقوى دولة في العالم".

موقف واضح

يدخل الملك سلمان قويًا ممتلئًا نعمة القيادة والرؤية، عارفًا طريقه بين القوى العالمية، مدركًا ما يريده من هذه القمة الأولى مع الرئيس أوباما في دياره، ومتمسكًا بكل كلمة فكر فيها وجوّدها وقوّاها ليقولها لزعيم أقوى دولة في العالم، وهو الذي يراها اليوم ضائعة في ما تفعله في الشرق الأوسط، بسياسة يشوبها الضعف.

لم تقف السعودية موقف المتفرج عندما شاع أمر المفاوضات الأميركية الإيرانية السرية في عمان، بل كان الموقف الواضح وضوح الشمس أن لا توافق إيراني - أميركي من دون أخذ مصالح دول الخليج في الحسبان، ومن دون أن تكون الرياض، الشريكة التاريخية لواشنطن، موافقة على أي تغيير يقضي به أي اتفاق ينهي الخلاف النووي بين الغرب وإيران.

الحزم نفسه

اليوم، هو الحزم ذاته، لكن بأدوات تنفيذية تجاوزت التهديد الناعم، والفتور في العلاقات، إلى فعل بات يقلق الأميركيين قبل غيرهم. فالملك سلمان يتقدم نحو البيت الأبيض، بينما قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية، تخطو واثقة نحو صنعاء، عاصمة اليمن التي وقعت منذ أيلول (سبتمبر) 2014 في قبضة الحوثي، وكيل إيران في خاصرة السعودية، وبمرونة مؤكدة، تترجمها موافقة على حل سلمي للصراع اليمني، وهو مدرك، كما أوباما نفسه، ومن ورائه إيران والعالم، أن لا حل في السياسة مع ميليشيا انقلبت على الدولة في اليمن، واستهدفت السعودية بالصواريخ، وتشكل تهديدًا عقائديًا دينيًا لشبه الجزيرة العربية. أفيظنّ أوباما أن الملك سلمان مستعد لحل سلمي مع إيران ثانية عند حده الجنوبي، يهدد الملاحة في باب المندب، كما تهدد إيران الملاحة في مضيق هرمز كلما عنّ لها؟

حل سياسي؟

تتلقف الرياض إشارات واشنطن إلى حل سياسي في اليمن بهدوء وروية، من دون أن تعدّل خطتها التي تقضي باستعادة عدن، ثم استعادة اليمن كله، في استكمال حقيقي لعملية إعادة الأمل إلى اليمن. الحرب مستمرة، والصفعة التي ستتلقاها إيران في اليمن أول رد سعودي على الاتفاق النووي، حتى أن من المراقبين من يسأل، همسًا: "كيف سيحاور الملك سلمان الرئيس الأميركي وهو يوجه له في اليمن أول صفعة، رداً على اتفاقه مع الجار الإيراني اللدود؟".

الجواب سهل... إن كان الاتفاق الذي يروج له أوباما ووزير خارجيته جون كيري هو أفضل الممكن، ويمنع إيران من التحول قوة نووية تهدد المنطقة والعالم، فحسنًا، ولكن ماذا عن إيران التوسعية الإرهابية؟ وماذا عن نواياها غير الحسنة، وآخرها ما كشفته السلطات الكويتية من خلية لوكلاء إيران ولحزب الله تستهدف أمن الكويت، وأمن الخليج بشكل عام؟

ويرى مراقبون آخرون أن أوباما هو المحاصر اليوم، لأن اهم تطمين أمني لدول الخليج، تلقاه زعماء الخليج في قمة كامب دايفيد في أيار (مايو) الماضي، ذهب أدراج الرياح، واستمر الكشف عن خلايا إيرانية تريد العبث بأمن دول مجلس التعاون الخليجي. فما سيكون جواب أوباما حين يسأله الملك سلمان: "أين التزامكم أمننا من المطامع الإيرانية؟"
&
كلام آخر

في سوريا كلام آخر، أي سيسمع أوباما سؤالًا سلمانيًا آخر: "ماذا تفعل في سوريا؟ هل تقاتل إلى جانب الأسد؟". كيف لا يسأله الملك سلمان هذا السؤال والسياسة الأميركية في سوريا تتراوح بين العبث بتدريب 50 إلى 60 مقاتلا معتدلا لقتال تنظيم الدولة من دون الأسد، ما استطاعوا أن يصمدوا ساعتين بوجه مقاتلين من جبهة النصرة، وبين اللعب على الكلام، فمرة حل سياسي بلا بشار الأسد، ومرة حل سياسي بعيدًا عن بشار الأسد، ومرة ثالثة تلويح بأن الأسد أهون الشرين، عند المفاضلة بينه وبين داعش.

الحل السياسي هنا واضح بحسب رؤية الملك سلمان... لا وجود لبشار الأسد في مستقبل سوريا، وبداية الحل السياسي هو تنحي الطاغية الذي قتل شعبه بالسلاح الكيماوي. هذا ما سيسمعه أوباما في الشأن السوري، وهذا ما سيصغي إليه بكل تمعن، وهو عارف كل المعرفة اليوم أن لا مفر من الاستماع إلى ما يقوله الملك سلمان في سوريا، طالما أن هذا البلد هو الساحة الثانية التي تشهد عض أصابع عنيف بين الرياض وطهران، خصوصًا أن النظام الإيراني يوظف أحد أقوى وكلائه في المنطقة، حزب الله، ليبقى الأسد على عرشه القائم على جماجم قتلى الشعب السوري.
&
زمان جديد

مسألتا العراق ولبنان ملحقتان أيضًا بالملف الإيراني، وهما أيضًا ميدانان للتنافس بين القوتين الإقليميتين المتنازعتين. فإيران موجودة في هذين البلدين بوضوح، إن بحزب الله الذي يحاول جاهدًا الهيمنة على الساحة اللبنانية ومفاصل الدولة شبه المنهارة فيها، وإن مباشرة عبر دعم عسكري وميداني ولوجستي للحكومة العراقية وللأكراد في الحرب على إرهاب داعش، بينما تكتفي الولايات المتحدة بغارات جوية من دون فاعلية كبيرة.

لقد فات زمان كانت واشنطن فيه تتخذ القرارات في الشرق الأوسط، ويمشي معها حلفاؤها مدفوعين بمصالحهم المرتبطة بها، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا. واليوم، زمن القوة العربية المشتركة الآتية لا محالة ولو تأجلت قليلًا. واليوم، زمن القرارات العربية الحازمة، التي تبتغي إعادة الأمل إلى الحراك العربي الرسمي من أجل تحقيق المكتسبات التي تصب في صالح العرب جميعًا، بغض النظر عن خلافات في وجهات النظر لا تفسد للوحدة قضية.

واليوم، يدخل أوباما المتردد زمن سلمان الحازم، فهل يستطيع تحمل ذلك، وهو الذي زحف على بطنه سنوات ليعقد مع إيران صفقة نووية يضعها في مصاف الاتفاقات التاريخية؟ من يقرأ جيدًا سياسة أوباما منذ تبوأ رئاسة أقوى دولة في العالم، يعرف أنه لن يستطيع مجاراة ملك أقوى دولة في الشرق الأوسط.