بدأ الناخبون المغاربة اليوم الجمعة في التوجه إلى صناديق الاقتراع لاختيار أعضاء مجالس الجهات (المناطق) والمجالس الجماعية (البلديات)، في انتخابات هي الأولى منذ صدور دستور 2011، الذي كرّس مبدأ الجهوية المتقدمة، ووسع صلاحيات واختصاصات البلديات.


حسن العلوي: سيكون على الناخبين وضع شارتين على بطاقة التصويت الفريدة، التي تضم خانات فيها رموز الأحزاب المرشحة، الأولى لاختيار عضو مجلس البلدية، والثانية لاختيار عضو مجلس الجهة. وحسب وزارة الداخلية، فإن عدد المسجلين في قوائم الناخبين فاق 14 مليون ناخب.

تسهيلات محفزة
وتبقى نسبة المشاركة أحد الرهانات الأساسية لاقتراع اليوم، خاصة في أوساط الشباب. ولتشجيع المشاركة، وفرت وزارة الداخلية العديد من التسهيلات، على رأسها إلغاء التصويت ببطاقة الناخب، واعتماد بطاقة الهوية بدلًا من ذلك، وجرى اتخاذ هذا القرار قبل أربعة أيام فقط من موعد الانتخابات.

كما وضعت الوزارة نظامًا معلوماتيًا لإرشاد الناخب، ومساعدته على تحديد مكتب التصويت، الذي سيدلي فيه بصوته، من خلال برنامج يمكن تحميله على الهاتف الجوال، ويكفي إدخال رقم بطاقة الهوية للحصول على عنوان مكتب التصويت، مع إمكانية تحديد موقعه والمسار المؤدي إليه على الخريطة.

يمكن أيضًا الحصول على المعلومات نفسها عبر بعث رسالة قصيرة إلى الرقم 2727 الذي يرد برسالة تحمل المعلومات المطلوبة. وتهدف هذه الإجراءات إلى تسهيل الأمور على الشباب عبر استعمال وسائل الاتصال الجديدة، والتي برهنت عن فعاليتها خلال الفترة المخصصة لتحيين اللوائح الإنتخابية في الشهر الماضي، إذ بلغ عدد المسجلين الجدد 1.1 مليون شخص، 70 في المائة منهم تسجلوا عبر الموقع، الذي أحدثته وزارة الداخلية على الانترنت، و30 في المائة فقط عبر مكاتب التسجيل.

اختبار لبن كيران
تشكل انتخابات اليوم اختبارًا لحزب العدالة والتنمية، الذي ينتمي إليه رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، قبل عام من موعد الانتخابات النيابية. وقبل عام من الانتخابات التشريعية يأمل ابن كيران في أن يؤكد اقتراع اليوم أن شعبية حزبه لا تتراجع. ودافع خلال الحملة الانتخابية بشدة عن حصيلة أدائه، ورأى أن فوزًا لحزبه في الانتخابات سيكون "منطقيًا".

ويمكن لابن كيران أن يتحدث عن خفض كبير للعجز العام في عهده (من أكثر من 7 بالمائة من إجمالي الناتج الداخلي إلى أقل من 5 في المائة) في إطار إصلاح لصندوق دعم الوقود ومنتجات استهلاكية أخرى. وحقق ذلك من دون أي صدامات اجتماعية كبرى، في بلد يعاني فيه واحد من كل ثلاثة شبان من البطالة، حسب أرقام البنك الدولي. ومنذ تعيينه في مطلع 2012 سعى ابن كيران، الذي يلتزم الحذر، إلى الإبقاء على أفضل العلاقات مع القصر الملكي.

العشيرة قبل المواطن
وفي الأيام الأخيرة، وجّه ابن كيران انتقادات لاذعة إلى حزب الأصالة والمعاصرة الليبرالي المعارض وحزب الاستقلال المحافظ المعارض. ورد زعيم حزب الأصالة والمعاصرة مصطفى بكوري بالقول إن "أولويات بن كيران خلال السنوات الأربع المنصرمة لم تكن خدمة المواطنين، بقدر ما كانت خدمة عشيرته".

وقدم الأصالة والمعاصرة، الذي تأسس عام 2008، أكبر عدد من المرشحين في الانتخابات المحلية (18 ألفا و227 مرشحًا). وفي المجموع يتنافس حوالى 140 ألف مرشح على 32 ألف مقعد في المجالس المحلية في إطار هذه الانتخابات.

وكانت اللجنة الخاصة بالانتخابات أعلنت أن أكثر من أربعة آلاف متخصص سيشاركون في ملاحظة (مراقبة) الانتخابات الأولى في ظل دستور 2011. وأوضحت أن 41 هيئة وطنية ودولية "ستحشد أكثر من أربعة آلاف ملاحظ، منهم 76 دوليًا، سيقومون (على مستوى الحملة والاقتراع) بمراقبة انتخابات أعضاء مجالس الجهات والجماعات ومجالس العمالات والأقاليم (المحافظات) ومجلس المستشارين".

"المحافظات" في أيلول
بعد انتخاب أعضاء مجالس الجماعات والمقاطعات والجهات، ستجري في 17 سبتمبر (أيلول) انتخابات المحافظات، إضافة إلى انتخابات الغرفة الثانية للبرلمان في الثاني من أكتوبر (تشرين الثاني) المقبل، وكلها ستخضع للملاحظة الانتخابية.

وكان حزب العدالة والتنمية حل سادسًا خلال آخر انتخابات محلية في مايو (أيار) 2009 بنسبة 5.4%، فيما احتل حزب الأصالة والمعاصرة المعارض والحديث العهد حينها المرتبة الأولى بنسبة قاربت 21% من مجموع المقاعد.

وفي أواخر 2011، عقب إقرار دستور جديد، حل العدالة والتنمية أولًا في الانتخابات التشريعية، وقاد التجربة الحكومية للمرة الأولى في تاريخه، وهي التجربة الوحيدة التي ما زالت مستمرة في منطقة "الربيع العربي"، مقارنة مع التجارب التونسية والمصرية والليبية.

إصلاحات رادعة
يذكر أن حزب العدالة والتنمية في المغرب هو الوحيد بين بلدان "الربيع العربي" الذي تمكن من الاستمرار في قيادة التحالف الحكومي، عكس ما حصل في كل من مصر وتونس وليبيا. وقد أجرى مجموعة من الإصلاحات، لقيت دعمًا من المؤسسات المالية الدولية، في مقابل نقد لاذع من المواطنين والخصوم السياسيين على السواء.

وأعلنت وزارة الداخلية في بيان لها أنها تتوقع الإعلان عن نتائج الاقتراع الليلة. وكانت نتائج الانتخابات البلدية لعام 2009 أعلنت بعد أكثر من 40 ساعة من إغلاق مكاتب التصويت.

تتميز هذه الانتخابات أيضًا بكونها الأولى التي يدعى فيها الناخبون المغاربة إلى انتخاب مجالس الجهات التي تعتبر تنظيمات لا مركزية تقوم على الجهوية المتقدمة، ومبدأ التدبير الحر لشؤونها، ويخوّلها القانون سلطات وصلاحيات كبيرة في مجال إعداد برامج التنمية الجهوية والتصاميم الجهوية لإعداد التراب وتنفيذها وتتبعها. كما ينص القانون المنظم& للجهات (المناطق)، والذي قسم المغرب إلى 12 جهة، على إمكانيات توسيع اختصاصات الجهة تدريجيًا عبر نقل اختصاصات الحكومة إليها في مجالات الصناعة والصحة والتعليم والسكن والثقافة والرياضة وتشجيع الاستثمار، ويلزم القانون الحكومة في هذه الحالة على نقل الموازنات والموارد الخاصة بهذه الاختصاصات إلى الجهة.

رقابة مباشرة
كما أفسح القانون المجال للمواطنين والجمعيات لفرض نوع من الرقابة المباشرة على مجالس الجهات، عبر جعل اجتماعاتها مفتوحة للعموم، إضافة إلى تمكين المواطنين والجمعيات من تقديم عرائض للمجلس للمطالبة بإدراج موضوع معيّن يدخل ضمن صلاحياته في جدول أعماله وتعيين وكلاء عنهم لتتبع هذه العرائض.

ومباشرة بعد الانتهاء من انتخاب مجالس الجهات، ستبدأ عملية انتخاب رؤساء ومكاتب هذه الجهات. وينص القانون على شروع المنتخبين الفائزين في الانتخابات في وضع ترشيحاتهم لرئاسة الجهات، بعد خمسة أيام من إعلان النتائج، على أن تعقد مجالس الجهات اجتماعاتها، التي ستنتخب فيها رؤساءها بعد 15 يومًا. ويشترط في الترشيح لرئاسة الجهة أن ينتمي المرشح إلى حزب مرتب ضمن الأحزاب الخمسة الأوائل من حيث عدد الأصوات المحصل عليها في الانتخابات.

ويتنافى منصب رئيس الجهة مع عضوية الحكومة والبرلمان بغرفتيه والمجلس الاجتماعي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي والهيئة العليا للاتصال المسموع والمرئي ومجلس المنافسة والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، ومن ثم يتعيّن على الفائزين، الذين يشغلون هذه المناصب، تقديم استقالاتهم، في حال فوزهم في انتخابات رؤساء الجهات.& يذكر أن 13 وزيرًا في حكومة ابن كيران دخلوا غمار المنافسة على رئاسة الجهات.
&