تتحدث جامعة ميشيغان عن مادة ترمم نفسها بنفسها، بعد ثوان من اختراقها بالرصاص، تمامًا كما في سلسلة تيرمينايتور الشهيرة.

ماجد الخطيب: يمكن لاسفنج من مادة جديدة ذكية مزود بذاكرة، أن يعود إلى سابق شكله بعد استخدامه، ويمكن لرصاصة صغيرة ذات ذاكرة أن تتحول إلى شكلها الشبكي الأصلي كي توسع شريان قلب مهدد بالانسداد حال بلوغها الموضع المطلوب. وتوصل العلماء الألمان من معهد فراونهوفر إلى صناعة سمنت ذكي يرمم الثقب التي قد تحدث فيه بنفسه.

قائمة المواد الذكية التي ينتجها العلماء اليوم تطول وتطول. وتعمل شركات السيارات الألمانية الآن على تطوير معدن ذكي يحتفظ بذاكرة، ويرمم نفسه بسرعة، لصناعة أجساد السيارات منه. والقائمة تشمل طلاء سيارات غير قابلة للخدش ويمكن له، بالاضافة إلى المعدن الذكي، أن يحول السيارة إلى عربة منيعة على التضرر بحوادث الطرق.

ترمم نفسها

وتوصل الباحثون الاميركيون الآن إلى إبتكار مادة ذكية ترمم نفسها بنفسها وتلتئم خلال ثوان من اختراقها برصاص مسدس. والمادة الاصطناعية التي انتجها تيموثي سكوت وزملاؤه من جامعة ميشيغان تعتمد على كريات أو كبسولات غاية في الصغر تسمى "مونومير"، تدمج في جسد المادة وتحتوي على مواد البناء (بوليمرات) الأصلية التي انتجت منها المادة. ويؤدي تضرر المادة بواسطة عامل خارجي إلى انفتاح هذه الكريات وسيلان المادة منها إلى المكان المتضرر كي ترممه إلى شكله السابق.

وعيب طرق استخدام كبسولات مونومير المستخدمة حتى الآن، هو انها بحاجة إلى عامل خارجي كي يحفزها. وغالبًا ما يكون هذا العامل الخارجي حرارة بدرجة معينة، أو أشعة فوق البنفسجية أو المجالات المغناطيسية، مع الحاجة إلى وقت طويل نسبيًا كي تحفز ذاكرة العودة إلى الشكل الأصلي فيها. لكن تيموثي سكوت وزملاؤه، كما يبدو، تغلبوا على هذه المشكلة عندما انتجوا المادة التي لا تتضرر بالرصاص وترمم نفسها خلال ثوان.

يظهر الفيلم القصير الذي وزعته جامعة ميشيغان كيف تترك الرصاصة ثقبًا في المادة الصناعية، لكن الثقب ينسد خلال ثوان لتعود المادة إلى شكلها الأصلي دون أن تترك أي أثر.

تغير شكلها&

لا يفكر تيموثي سكوت وزملاؤه في صناعة انسان آلي بمثابة "القاتل المتكامل"، كما هي الحال في فيلم تيرمينايتور، وإنما يفكر في استخدام اختراعه في صناعة أجساد الطائرات وأجساد الأقمار الصناعية وبناء أجزاء المحطة الفضائية الدولية الجديدة من هذه المادة، لأنها لاتقل متانة وتحملًا للظروف المناخية عن أي معدن قوي.

وتحتوي المادة البوليمرية السحرية في داخلها على مادة لزجة تشبه الجلي مصنوعة من مادة تربيوتيلبوران الحساسة جدًا للأوكسجين في الجو، إذ تتفاعل تربيوتيلبوران مع الأوكسجين الذي يصلها عند حصول ضرر فيها (خدش أو صدع أو ثقب كمثل)، وتتحول إلى حالة سائلة تملأ مكان الضرر بسرعة فائقة ثم تتصلب مجددًا متخذة الشكل السابق نفسه .

ويقول سكوت إن الأوكسجين موجود في كل المكان تستخدم فيه المادة داخل أجواء الأرض، وهذا سر تفوق مادته على المواد الذكية الأخرى، لأن الأوكسجين هنا يأخذ محل الحرارة أو الأشعة فوق البنفسجية التي تستخدم لتحفيز المواد الأخرى على استعادة شكلها.

قد لا يحتاج الإنسان اليوم إلى مادة تستعيد شكلها السابق خلال ثوان عند انتاجه سيارة، لأن الوقت ليس حاسمًا في هذه الصناعة، لكن الوقت حاسم في ترميم سطوح الطائرات وبدلات رجال الفضاء، وأجساد الأقمار الصناعية.

وقد يكون استخدام مثل هذه المادة في الصناعة الفضائية حلًا لمشكلة النفايات الفضائية الناجمة عن تحطم بعض المركبات أو الأقمار الصناعية، لأن المادة التي اخترعها سكوت قد تمنع حصول مثل هذه الاضرار.

استخدامات طبية

وكانت شركة منيمو ساينس Firma mnemoScience من مدينة آخن الألمانية، نالت جائزة برنامج "Technology Pioneers"-Programme" &الذي يقوده منتدى دافور للاختراعات التي تغير حياة البشر. وكان ذلك لقاء إنتاج مادة صناعية ذكية تحتفظ "بذاكرة للشكل" وقادرة على العودة إلى حالتها الصلبة الطبيعية مهما تعرضت للضرر.&

ومزايا المادة الصناعية لا تتوقف عند حدود "الذاكرة الشكلية"، لأنها قابلة للتحلل بيولوجيًا رغم صلابتها، وصالحة بالتالي للاستخدام في المجال الطبي، وخصوصًا في الأجزاء التي تزرع موقتًا في جسم الإنسان، إذا لا داعي هنا إلى عمليات تكميلية لإزالة الجزء المزروع من الجسم.&

من ناحية أخرى، تمكن إذابة المادة وتحويلها إلى سائل كي تزرق في أي مكان من جسم الإنسان فتتحول لاحقًا إلى الشكل الذي خطط لها وهي في الحالة الصلبة. وتمتد استخدامات المادة في الطب من جراحة الكسور والعظام إلى القلب وطب الأسنان. وكمثل فإن من الممكن زرق المادة في شريان القلب المتضيق كي تتخذ لاحقًا شكل انبوب رقيق.

تصلح نفسها بالضوء

ولا تحتاج المادة الذكية الجديدة، وهي بوليمر محسن، إلى درجات حرارة عالية كي تكشف عن قدراتها على التحول. فحرارة جسم الإنسان تكفي في الاستخدامات الطبية لتحفيز المادة على اتخاذ شكلها الأصلي المخطط سلفًا. وعمل علماء شركة منيمو ساينس على تنويع البوليمر الذي وتنويع أشكال المؤثرات الفيزياوية التي تؤثر فيه وتعيده إلى حالته الأصلية. وهكذا تم تطوير نوع آخر من المادة الذكية قادر على تغيير شكله بتأثير الضوء. وهي مادة تصلح، حسب مصادر الشركة، لصناعة السيارات وتسوي الطعجات في السيارات ذاتيًا حال تعريضها إلى الضوء.&

وهذا يعني أن سائق سيارة المستقبل، التي تتعرض لحادث، سيكتفي "بنشر غسيل" سيارته في الشمس كي تعود أجزاؤها المتضررة إلى حالتها الطبيعية. وتبقى مادة شركة منيمو ساينس بحاجة إلى وقت كي تتخذ الشكل المطلوب منها، أو أن ترمم نفسها، لكن المادة من جامعة ميشيغان تفعل ذلك في ثوان.