في لبنان أكبر كتلة من اللاجئين السوريين في العالم، ترهق كاهله الاقتصادي الهش أصلًا، وتزيد من مصاعبه اليومية مع دخول أزمة جارته سوريا عامها الخامس.

بيروت: يقول لاجئ سوري صغير السن: "انظروا إلى يديّ، فهما ليستا يدي طفل بل يدي رجل عجوز". هكذا تروي سهى البستاني، ممثّلة منظمة يونيسيف في لبنان، خلال حديثها عن صغير أحرقت الشمس وجهه، وتضررت يداه من عمله في جني حبات البطاطا بحقول سهل البقاع على الحدود مع بلاده المنكوبة، من أجل توفير احتياجات عائلته اللاجئة في بلاد الأرز.
&
الحلم الصعب
&
ليس هذا الطفل وحيدًا، تقول "لوموند" الفرنسية، بل مثله مليونا طفل سوري يعيشون لاجئين في لبنان وتركيا والأردن، وفي دول أخرى، ضمن 4 ملايين لاجئ سوري بحسب تعداد يونيسيف. إنهم أطفال الثورة السورية المحرومون، بعد خمس سنوات من الأزمة الإنسانية، من الالتحاق بالمدارس لاضطرارهم إلى العمل من أجل تحصيل قوتهم وقوت عائلاتهم.
&
تقول البستاني: "يحلم هؤلاء بحياة أفضل، لكنّهم يدركون أنّ الخيارات مفقودة، فالعائلات تنام في الشوارع أو في الأماكن المهجورة كالحقول الواسعة والمباني غير المكتملة، ويضطرون رغم ذلك إلى دفع بدل إيجار رغم الظروف الّتي يستحيل تحمّلها".
&
بحسب لوموند، في لبنان نحو 35 في المئة من اللاجئين السوريين المسجّلين لدى المفوضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين، ينتشرون في البقاع القريب من الحدود السورية، ويعيش أغلبهم في مناطق حضرية.
&
وتنقل الصحيفة الفرنسية عن غارث ريتشاردز، مدير منظمة Care غير الحكومية في لبنان، قوله: "في بيروت، تجد اللاجئين السوريين في الشارع يتسوّلون، وينامون على الأرض، والأطفال يأتون إلى لبنان مستنزفين ومصدومين من الحرب، ويأمل آباؤهم في أن يحظوا بمستقبل أفضل، هذا إن كان آباؤهم اصلًا على قيد الحياة".
&
&مشاكل استيعاب
&
تقول المفوّضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين إن ثمة 400 ألف طفل سوري لاجئ في سنّ مدرسية، التحق منهم 106 آلاف فقط في 2014، وقد تجاوز عدد الملتحقين قدرة المدارس اللبنانية على الاستيعاب، حيث يعدّ التعليم إجباريًا ومجانيّا لكلّ الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 6 و14 عامًا في لبنان.
&
وفي خلال اجتماع تنسيقي الخميس الماضي، أعلنت يونيسيف والمفوّضية السامية للأمم المتّحدة لشؤون اللاجئين ووزارة التربية والتعليم اللبنانية أنها ستتكفل بتكاليف التحاق اللاجئين السوريين بالمدارس اللبنانية الرسمية، لكن القدرة على الاستيعاب تقدّر بنحو 140 ألف مقعد للأطفال السوريين في هذا العام، وتعطى الأولوية للأطفال الّذين التحقوا بالمدارس منذ 2014.
&
تقول البستاني: "لا نملك ما يمكننا من التكفّل بجميع الأطفال، إضافة إلى تكاليف نقلهم وتغذيتهم، كما يتواجد طلاب في عمر الثانية عشرة مع آخرين في عمر الثامنة في الصفّ نفسه، إلى جانب مواجهة اللاجئين صعوبات في التكيّف مع النظام المدرسي اللبناني، حيث تدرّس المواد الأساسية بالفرنسية أو بالانكليزية، بينما يدرسها السوري بالعربية.
&
لهذه الأسباب، تخلّى كثير من الأطفال السوريين عن متابعة تعليمهم، واختاروا التوجه إلى سوق العمل، يلمعون الأحذية في شوارع بيروت، وتبيع الفتيات الورد وعلب المناديل الورقية، فيما يعمل آخرون في البناء والتجارة والزراعة، خصوصًا في البقاع.
&
تقول بستاني للوموند: "في الحقول، يعمل الأطفال مقابل 2 إلى 5 يورو في اليوم"، وهي ترى أن عمل الأطفال يتفاقم لأنهم محبطون يمتثلون للأوامر فورًا ويقبلون باستغلالهم من أجل مرتّب بائس، بينما يعودون مساءً ليناموا في خيام يستأجرونها، لا يستطيع الأطفال تأمين أجرتها أحيانًا.
&
نقص الموارد المالية
&
في لبنان لاجئ واحد مقابل 5 مواطنين، ما يجعل لبنان موطنًا لأكبر تجمع للاجئين في العالم. وفي كانون الثاني (يناير) الماضي، قرّرت الحكومة الحد من عبور اللاجئين إلى لبنان بفرض تأشيرة دخول صعبة المنال. ويرى ريتشاردز أنه من غير العادل ترك لبنان بمفرده أمام تدفق اللاجئين، "ويجب على المجتمع الدولي بأسره أن يساعدهم".
&
وتواصل لوموند تقريرها: "في عام 2015، أنشأ الاتّحاد الأوروبي صندوقا ماليًا لإطلاق برامج مساعدة مستعجلة للاجئين السوريين قيمته 40 مليون يورو، هدفه إغاثة نحو 400 ألف سوري في لبنان وتركيا والأردن والعراق، ووعد غوردن براون، رئيس الوزراء البريطاني السابق ومبعوث الأمم المتّحدة الخاصّ بالتعليم العالمي، لبنان برصد 100 مليون دولار للمساعدة على إيواء الأطفال السوريين مدرسيًا في لبنان.
&
إلا أن المساعدات الإنسانية غير كافية. تقول البستاني للوموند: "دعت الأمم المتّحدة إلى الحصول على تبرعات بقيمة 4,5 مليارات دولار، لكننا حصلنا فقط على 1,6 مليار دولار، فكيف تريدوننا أن نتحرك بلا مال؟".
&
فنقص الأموال يمنع البستاني وأمثالها من تلبية متطلبات أساسية للاجئين السوريين، ومن تقديم حماية قصوى لأطفالهم، ما دفع بالعديد من الوكالات الدولية إلى تقليص مساعداتها، ما أثر مباشرة في حياة اللاجئين اليومية، وهم يواجهون اليوم ظروفًا أصعب، مع دخول الصراع السوري سنته الخامسة، واقتراب شتاء خامس في المنفى.
&