جاء إلغاء فرنسا مأدبة الغداء، التي كان من المقرر إقامتها على شرف روحاني بسبب إصرار الإيرانيين على إبعاد النبيذ من المأدبة، بعد موافقة الإيطاليين على تغطية تماثيل عارية خلال زيارته روما قبل باريس مراعاة للإيرانيين. ويبدو أن قرار الفرنسيين إلغاء المأدبة رسالة مفادها أن هناك حدودًا للمجاملات الدبلوماسية.&


إعداد عبدالاله مجيد: قد تكون الواقعة خلافا بروتوكوليًا بسيطًا، ولكنها تثير قضية حقيقية، قالت مجلة نيويوركر إنها تستحق التوقف عندها، وهي تحديد واجبات الاحتفاء بالضيف، والحرص على راحته وكأنه في بيته. في المقابل يجب ألا يكون ذلك على حساب قيم صاحب البيت والدعوة، بل من الضروري إفهام الضيف بأن عليه أن يحترم هذه القيم، مثلما يطلب هو من الآخرين احترام قيمه. &

واجب احترام الكل
بكلمات أخرى الحرب ليست بين النبيذ والماء، بل بين احترام الآخر والطلب منه أن يبدي القدر نفسه من الاحترام في المقابل. وتنشأ التحديات حين تكون القيم مختلفة، وحتى متناقضة. &
&
ويُلاحظ أن مطلب الإيرانيين بشأن مأدبة الغداء كان مطلبًا مزدوجًا. فهم إلى جانب إبعاد النبيذ عن المائدة، طالبوا بأن لا يُقدم إلا اللحم الحلال. وقال الفرنسيون إن تقديم اللحم الحلال لم يكن مشكلة، ولا سيما أنهم يدركون أن المسلمين لا يأكلون إلا اللحم الحلال، واليهود لا يأكلون إلا لحم الكوشر. &
&
لكن النبيذ رغم تحريمه في الإسلام عقبة يمكن تذليلها بسهولة، وهي الامتناع عن تناوله، إذا كان موجودًا على المائدة، وإن جرى تناول النبيذ خلال مأدبة الغداء، فيما يُبقي الضيوف كؤوسهم فارغة يندرج ضمن معايير الغداء الحضاري، ولكن منع المضيفين من تناوله مراعاة للضيوف يخرق مبدأ الاحترام المتبادل.&
&
تتمثل القاعدة العامة في واجب احترام الاختلاف لدى الأشخاص، الذين لديهم معايير ثقافية مغايرة، ولكن الإصرار على احترام هذا الاختلاف في كل الظروف، حتى إذا كان يدوس على قيم الآخر ومعاييره غير مقبول، من جهة نظر الفرنسيين، ومن هنا قرارهم: "لا نبيذ يعني لا غداء".&
&
الأفضلية للتوافق الملتبس
وأشارت مجلة نيويوركر إلى أن الفيلسوف الفرنسي جاك دريدا، صاحب النظرية التفكيكية المشهور بصعوبة لغته وفك مغاليقها، أمضى الشطر الأعظم من سنواته الأخيرة يكتب عن موضوع واحد، هو الضيافة وقوانينها.&
&
وكانت النتيجة التي خلص إليها ما معناه أن الضيافة ليست مجموعة قواعد يتبعها الفرقاء، بل تيار متدفق من التفاهمات دليله اللياقة المشتركة التي تفرض على الطرفين. "فنحن ندرك وجود الآخر، لأنه لا يشرب، كما نشرب، أو يأكل ما نأكل، وإن الصمت الثقيل يكون مؤشر فعل من أفعال الإيثار. ونحن دائمًا نتواصل عبر طاولة من سوء التفاهم. فالوضوح الأخلاقي جيد، ولكن التوافق الملتَبَس يكون عادة أفضل. وخير ما يمكن عمله هو إيجاد صيغة ما، كما يقول الدبلوماسيون".&
&
وكان بإمكان الرئيس فرانسوا هولاند أن يرفع قنينة النبيذ، ويسأل نظيره الإيراني إن كان يحب شيئًا منه مع غدائه، وما على الرئيس حسن روحاني إلا أن يقول "لا شكرًا"، وبمثل هذه التفاهمات الصغيرة يُصنع السلام الدائم، على حد تعبير مجلة نيويوركر.&
&