نشرت &مجلة "إيكونوميست" مقالة تحليلية كتبها الرئيس الأميركي باراك أوباما، وعرض فيها التحديات التي على خليفته في البيت الأبيض أن يواجهها،&وكلها تحديات اقتصادية تنموية.

ايلاف من دبي:&خصّ الرئيس الأميركي باراك أوباما مجلة "إيكونوميست" البريطانية بمقالة أوجز فيها التحديات التي يرى أن خليفته في البيت الأبيض سيواجهها لا محالة. بدأ أوباما مقالته بالقول: "إنى حللت في داخل البلاد أو خارجها، يلاحقنى الناس بأسئلة عديدة في مقدمها: ماذا جرى للنظام السياسي الأميركي؟ وكيف يمكن بلد استفاد من الهجرة والتجارة والابتكار التكنولوجي أكثر من أي بلد آخر أن يفاجئ الجميع بحزمة سياسات تحد من دخول اللاجئين وتقوض الابتكار بحجة الحماية؟".

خشية وتشكّك

يعترف أوباما في "إيكونوميست"، بحال من القلق تسود الولايات المتحدة تجاه العولمة والهجرة والتقانة، وحتى تجاه مسألة التغيير هي ذاتها، لكنه يستدرك قائلًا إن تلك الحال ليست جديدة، "ولا تختلف في أي شيء عن حال الغضب المسيطرة على العالم، والتى تتجسد في الغالب في مزيج من الخشية والتشكك في دور المؤسسات الدولية وجدوى الاتفاقات التجارية والهجرة، ولعل أبرز بوادر هذا التشكيك يكمن فى تصويت البريطانيين على خروج بلادهم من الاتحاد الأوروبي، وظهور الأحزاب الشعبية في دولة عديدة في العالم".

يكوّن الواقع، بحسب الرئيس الأميركي، أكبر أجزاء موجة الغضب التى تجتاح العالم عمومًا، والولايات المتحدة خصوصًا، "إلا أن هذا الغضب غير مردود إلى أسباب اقتصادية، فمسألة العداء للمهاجرين وللمكسيكيين وللمسلمين تبدو محاكاة لقوانين خدّاعة قديمة، أولها قانون الغرباء المسنّ في عام 1798، ثم نشوء أحزاب شبه عنصرية في منتصف القرن التاسع عشر، وأخيرًا العداء للآسيويين فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، إضافة إلى عوامل أخرى في حقب تاريخية مختلفة سادت فيها أفكار وتوجهات سعت إلى استعادة الولايات المتحدة أمجادها، من خلال وضع جماعة ما أو حزمة ما من الأفكار الخاصة بهم تحت السيطرة. وفي الواقع، علينا أن نغلب مخاوفنا لنحقق أهدافنا".

مخاوف مشروعة

لا يخفي أوباما أن جزءًا من المخاوف الأميركية نابع من الاقتصاد، "وهذه مخاوف مشروعة لأن التباطؤ في عجلة الإنتاج خلال العقود الماضية، وغياب المساواة والعدالة، عاملان أديا إلى تباطؤ نمو دخل الأسر متوسطة ومحدودة الدخل. إضافة إلى ذلك، أضعفت العولمة والاتجاه المتزايد نحو استخدام الآلات ذاتية العمل وضع العمال المالي ومنعتهم من الحصول على رواتب أفضل، إلى جانب انشغال مهندسين وعلماء فيزياء بإدارة أصولهم المالية بدلاً من توظيف مهاراتهم في عملية ابتكار جديدة تعزز قوة الاقتصاد، ولا ننسى الأزمة المالية العالمية في عام 2008، والتي زادت من عزلة الشركات التي تختلف&عن غيرها في إدارة أعمالها".

ويستخدم أوباما الأرقام في تبيان وجهة نظره، "فخلال عقدين ونصف عقد ماضيين، تراجعت نسبة المواطنين الأميركيين الذين يعيشون فى فقر مدقع من 40 إلى 10 في المئة فقط، وفي العام الماضي، تراجع معدل الفقر بشكل غير مسبوق منذ ستينات&القرن الماضي، كما ارتفعت الأجور بمعدلات مناسبة، وما كانت هذه المكاسب لتتحقق من دون العولمة والتطور التقاني، وهما اليوم سببان أساسيان لحال القلق والخوف التي تكتنف النظام السياسي".

أربعة تحديات

يقول أوباما في مقالته إن تناقضًا دائمًا موجود دائمًا بين التقدم والمخاطر التي ترافق الجهود المبذولة لتحقيق هذا التقدم، وعلى الرغم من أنني فخور بما حققته إدارتي في الأعوام الثمانية الماضية، فإننى أعترف بأن تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من الكمال يتطلب وقتًا أطول، فالرئاسة سباق ضارٍ، وكل من يتولاها مطالب بأن يبذل أقصى ما في وسعه لتحقيق أماني هذه البلاد وطموحاتها، فمن أين يبدأ من يخلفني رحلته في البيت الأبيض؟"

يجيب أوباما على هذا السؤال بالقول: "يستدعي تحقيق مزيد من التقدم والازدهار أن يدرك الرئيس العتيد حقيقة مفادها أن اقتصاد الولايات المتحدة يشبه آلة معقدة جدًا، فإنه ليس فكرة مجردة، ولا يمكن إعادة هيكلته بشكل كامل بتفكيك أجزائه وإعادة تركيبها ثانيةً من دون توجس تداعيات ملموسة تنعكس على المواطنين، إنما خلافًا لذلك، تتطلب إعادة الثقة في الاقتصاد وتشجيع الأميركيين على العمل الجاد معالجة 4 تحديات بنيوية أساس".

يتمثل التحدي الأول، بحسب أوباما، فى تعزيز نمو الإنتاج؛ والتحدي الثاني في التصدي لظاهرة غياب المساواة المتصاعدة، "إذ يحصل نحو واحد في المئة من العاملين الأميركيين اليوم على 17 في المئة من مجموع الدخل بعد اقتطاع الضريبة، مقابل 7 في المئة فى عام 1979؛ والتحدى الثالث ضمان إمكان حصول كل أميركي يرغب فى العمل على وظيفة تلائم&قدراته وإمكاناته، فحجم المشاركة في القوى العاملة متراجع إذ نحو 12 في المئة من الرجال بين 25 و54 عامًا هم خارج قوة العمل اليوم، في مقابل ثلاثة في المئة في عام 1953، كما ارتفعت نسبة المشاركة النسائية إلى 26 في المئة اليوم من 23 في المئة في عام 1999؛ والتحدى الرابع، وهو الأشمل، يتمثل في ضرورة بناء اقتصاد قوي يمهد لنمو ضخم فى المستقبل".

وفي رأي أوباما، يتم هذا النمو بتشجيع الاستثمار الخاص، وتحسين قوانين الضرائب على الشركات وتحديثها، والسعي الحثيث إلى عقد صفقات تجارية مجدية على المستوى الاقتصادي، مثل الشراكة عبر المحيط الهادئ، فمن شأن ذلك كما يقول أن يساعد على حل مشكلات النمو.

أساس أكثر ثباتًا

يرى أوباما أن الأزمة المالية الأخيرة أكدت الحاجة إلى اقتصاد أكثر مرونة، "ينمو بشكل مستدام من دون نهب المستقبل لخدمة الحاضر، ويجب عدم الشك في أن السوق الحرة لا تزدهر إلا حين توافر قواعد للوقاية من الفشل المنهجي، وضمان المنافسة العادلة. جعلت الإصلاحات في وول ستريت بعد الأزمة نظامنا المالي أكثر استقرارًا ودعمًا للنمو على المدى الطويل، وخصوصًا نمو رأس المال في المصارف الأميركية، والتقليل من الاعتماد على التمويل قصير الأجل، ومراقبة أفضل للمؤسسات والأسواق. وتعد صعوبة حصول المؤسسات المالية الأميركية على التمويل السهل دليلًا على أن السوق أدركت أن لا سوق أكبر من أن تفشل"

لكن، يقول أوباما، مع كل هذا التقدم، ما زال نظام تمويل الإسكان يحتاج إلى الإصلاح، "وعلى هذا الاصلاح أن يكون حجتنا للبناء على ما اسسناه بالفعل، لا التراجع عنه".

يضيف: "على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهد للتحضّر للصدمات السلبية قبل وقوعها. فمع انخفاض أسعار الفائدة اليوم، يجب أن تؤدي السياسة المالية دورًا أكبر في الحد من الانكماش في المستقبل؛ يجب أن لا تتحمل السياسة النقدية العبء الكامل لاستقرار اقتصادنا. للأسف، السياسة السيئة تتغلب على الاقتصاد الجيد. وقد حققت إدارتي توسعًا كبيرًا في الشؤون المالية بتقديمها أكثر من عشرة مشروعات قوانين تصل كلفتها إلى 1.4 تريليون دولار للدعم الاقتصادي 2009-2012، لكن الكثير من الجهود ضاعت في صراعنا مع الكونغرس الذي سعى إلى التقشف قبل أوانه بالتهديد بالعجز عن سداد الديون التاريخية".