&
إيلاف من الرباط: استبق حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية المغربي، المتضرر الأكبر من استحقاقات السابع من أكتوبر، مؤشرات احتمال تقارب بينه وبين غريمه السياسي حزب "العدالة والتنمية" تسعى إليه أصوات من داخل الاتحاد ومن خارجه؛ اعتبارا لما يمثله حزب المهدي بنبركة من رمزية في المجتمع المغربي، يمكن ان تمحوها بسهولة النكسات الانتخابية المتتالية التي أصابت الحزب منذ عام 2011. بل إن مشاركته في الحكومة رغم تمثيليته الضعيفة في مجلس النواب، يمكن أن تضفي على الحياة السياسية المغربية دينامية فعالة لا يستبعد أن تفضي إلى إعادة تشكيل الخريطة الحزبية والسياسية على أسس مغايرة، طالما ألحّ عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس، الذي يصبو إلى ضخ جرعات من العقلانية في المنافسة السياسية في البلاد، والقطع مع حروب "داحس والغبراء" التي هيمنت على الساحة زمنا، لم تنتج قيمة مضافة، فضلا عن كونها فقدت مبرر استمرارها في الزمن الراهن، حيث اقتحم المشهد فاعلون غير تقليديين، يناضلون بأدوات مبتكرة تجد سندها في ثورة الاتصالات ومنجزات التكنولوجيا الحديثة، يقويها تقاعس التنظيمات الحزبية التقليدية.

وعلى الرغم من أن التعاطي مع شبكات التواصل الاجتماعي، لا يتم بالصورة المبتغاة وينحرف في كثير من الأحيان عن مقاصده، ليصبح عنصرا في التأزيم والخلط واستباحة الأعراض والقيم ؛ لكنه في المحصلة النهائية يصب في اتجاه التحديث السياسي وإعادة الاعتبار للرأي العام وللأسلوب الحديث في الديمقراطية التشاركية.

وفاجأ المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي الطبقة السياسية المغربية، بإصدار بيان ناري، ينتقد ما اسماه "القطبية السياسية المصطنعة "، في إشارة إلى محوريها "العدالة والتنمية" و"الاصالة و المعاصرة"، اللذين تصدرا المشهد الانتخابي، خاصة حزب الإسلاميين، بالنصيب الوافر من النقد، من دون التحفظ في استعمال عبارات ثقيلة المعنى وحادة المبنى لم يلجأ الحزب إلى مثلها حتى في سنوات النضال المرير مع النظام على عهد الملك الراحل الحسن الثاني، إذ كان الحزب يكتفي بالتنديد الشديد بالتجاوزات وبانحياز السلطة المكشوف لتفضيل حزب معين تغدق عليه من دون سائر التشكيلات الحزبية.

وفي هذا الصدد، ما زال صدى شعار الاتحاد الاشتراكي، مترددا في الأذان، ومناضلوه يصرخون في الميادين " المقاعد لا تهمنا وقافلة التحرير ستشق طريقها بإصرار ".

وأمام تكرار عمليات التزوير، الجزئي أو الكلي، التي أضرّت بالاتحاد الاشتراكي على مدى العقود التي سبقت قيام حكومة التناوب التوافقي عام 1998، لم يلجأ الحزب إلى ما يمكن وصفه "استعداء" السلطات العليا في البلاد، ضد أحزاب أخرى واتهامها بالاستهانة بالمؤسسات الدستورية وعدم احترام الأعراف الديمقراطية والسعي إلى تأويل الدستور تأويلا سلبيا " وهذه بعض العبارات التي تضمنها بيان قيادة الاتحاد الثلاثاء في اجتماع عقد مساء الاثنين، تداولته وسائل الإعلام انه استمر أربع ساعات في مكان غير مقر الحزب الرئيس في حي الرياض.

والملاحظ أن الاتهامات الثقيلة التي لا تعادلها إلا نظيرات لها، صادرة عن" الأصالة والمعاصرة "على خلفية اتهامه الإسلاميين بتهديد الاستقرار في المغرب والاستقواء بقوى خارجية.. كل ذلك أبطله الاستقبال الملكي لعبد الإله ابن كيران، وتسميته رئيسا للحكومة، رافضا الخروج عن المنهجية الديمقراطية والابتعاد عن اي تأويل متعسف للدستور.&

ويفترض استنادا إلى منطوق بيان الاتحاد الاشتراكي وحجمه، أن ينتهي إلى خلاصة رفض قطعي ومبدئي للمشاركة في الحكومة المنتظرة ؛ لكن البيان، سكت عن هذا الاحتمال لمبرر منطقي ومعقول، بإحالته على برلمان الحزب الذي سيجتمع قطعا في وقت لاحق.

ومن المتوقع أن يتسم اجتماع المجلس الوطني الذي يرأسه الحبيب المالكي " الفائز بمقعده في البرلمان، بالحيوية والتجاذب القوي بين أعضائه، كما جرى في المحطات السابقة أمام أية هزة يتعرض لها الحزب، فبرلمان الاتحاد الاشتراكي، ليس غرفة تسجيل وإنصات بل هو بحكم طبيعة تكوينه، مجلس للمحاسبة العسيرة والنقد الصارم ينتهي بتغليب مصلحة التنظيم في خاتمة النقاش.

ويتوقف السير وفق هذا المنحى التوفيقي، على العرض الذي سيقدمه الأمين العام ادريس لشكر، فإذا هرب إلى الأمام وحمّل في تحليله، الأطراف الخارجية مسؤولية النكسة التي طالت الحزب، فإن تقييمه الوضعية قد يعقّد الموقف وربما اثأر عليه غضبا متزايدا ينتهي بإرغامه على الاستقالة أو تعجيل بالدعوة إلى مؤتمر عام يجدد قيادة الحزب.&

وبرأي متابعين، فإن الأمين العام للحزب ادريس لشكر المعروف بدهائه وخبرته بأعطاب التنظيم الحزبي، وجوانب القصور الذاتي فيه، فضلا عن إدراكه العوامل الخارجية التي كانت من بين أسباب تقليص حضور الاتحاد في المؤسسة التشريعية.

اعتبارا لكل ذلك، فإن من مصلحة لشكر والتنظيم، سعيه إلى تهدئة الأجواء داخل ما تبقى من الصف الاتحادي، لكي لا ينهار البناء، فيتحمل مسؤولية إنهاء تركة سياسية حافلة بالأمجاد والتضحيات.
وقد يكون سكوت بيان الحزب عن المشاركة من عدمها، مؤشرا على هذا التوجه الهادئ. ومن المؤكد أن زعيم حزب العدالة والتنمية، سينفتح على الاتحاد الاشتراكي، لأسباب عملية منها أنه المكون الأساس وقطب الرحى في" الكتلة الديمقراطية" الصامتة حتى الآن، كما أن ابن كيران يعرف أن الاتحاد الاشتراكي، لم ينته، وإنما يعاني أمراضا تنظيمية باتت مزمنة، أصابت عدواها الجسم الحزبي المغربي برمته، وبالتالي لا يمكن إنكار وجودها بالشعارات الغوغائية والمبالغات الفارغة. فاليسار المعتدل والأحزاب التي تصنف خطأ أو صوابا ضمن اليمين المحافظ والليبرالي، تراجعت جميعها في الانتخابات المغربية الأخيرة : أما "الأصالة والمعاصرة " فقد يكون حالة سياسية تجريبية عابرة خارجة عن التصنيف الاعتيادي؛ فعمره القصير (حوالي8 سنوات ) وملابسات ميلاده لا تجعل منه حزبا عتيدا، لكن في الوقت لا يجوز الاستهانة بإمكاناته وبما ينشده.

وإذا استجاب الغريمان : ابن كيران ولشكر، إلى المساعي الحميدة الجارية، وقبلا الحديث إلى بعضهما ثم التفاوض على شكل المشاركة في الحكومة، فإن الأول أي ابن كيران يملك أوراقا تمكنه من ممارسة تأثير إنساني على الزعيم الاتحادي. قد يشرح له على سبيل المثال، بالحجة والبرهان، أن الضرر الذي لحق الاتحاد الاشتراكي، إنما أتاه من" الأصالة والمعاصرة" حليفه في المعارضة، والحرب المعلنة عليه من دون هوادة.

في هذا السياق، سيذكره أنه أي لشكر، كان الصوت الداعي في الاتحاد الاشتراكي، إلى التقارب مع "العدالة والتنمية" على الصعيد المحلي والوطني في أعقاب انتخابات 2007، وأنه هو أول من استعمل تعبير "الوافد الجديد" عوض مصطلح "الحزب السري "الذي ابتدعه القطب الاتحادي محمد اليازغي ؛ إشارة إلى الميلاد غير الطبيعي لحزب الأصالة والمعاصرة.

قد يضيف ابن كيران ان الإسلاميين، رغم محاولات الإيقاع بين الطرفين، بإحياء ملفات الماضي، ليسوا ولن يكونوا خصوما للاتحاد الاشتراكي في الماضي والحاضر وربما حتى في المستقبل؛ فبينهما مشترك سياسي يتمثل في التخليق والعدالة الاجتماعية، والتعبير عن فئات واسعة من الطبقة الوسطى.

موقف لشكر سيكون بالتأكيد مرهونا بما سيقرره ضلعا الكتلة :حزبا الاستقلال والتقدم والاشتراكية، علما أن هذا الأخير حسم تموقعه قبل الانتخابات، حليفا ومساندا في السراء والضراء، ل" العدالة والتنمية" الذي سيحسن مجازاته أفضل الجزاء بشكل ما ؛ بينما سيعود "الاستقلال" إلى رأي أجهزته التقريرية، وهي ميالة في مجملها إلى المشاركة في الحكومة وعدم تكرار خطأ ترك الإسلاميين وحدهم في السلطة.

يشار في هذا الصدد إلى أن الأمين العام لحزب حميد شباط، هنأ حزب العدالة والتنمية بفوزه على غرار "الأصالة والمعاصرة" وفدرالية اليسار الديمقراطي، بينما أحجم الاتحاد الاشتراكي، عن هذا التقليد المعمول به في البيئات الديمقراطية، مهما تكن حدة ودرجة الصراع السياسي؛ ما يشير قطعا إلى دقة المرحلة التي يمر بها من كان على مدى عقود أضخم تجمع يساري في المغرب الحديث.

وإجمالا يمكن القول إن العاهل المغربي، قطع الطريق أمام أية محاولة من شأنها عرقلة المسار الذي تقطعه البلاد، رغم عثرات الخطوات واعطاب الطريق، يقينا منه أن الوضع الداخلي والتحدي الخارجي، يتطلبان مزيدا من اللحمة الاجتماعية والسياسية، وان تمثل الأحزاب القدرة في هذا الصدد.&