إيلاف المغرب من الرباط:&بالنسبة الى&مغاربة كثر، مختلفين أو متفقين معه ،لا يجوز سياسيا مرور حدث التراجع المستمر لحزب "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية" في الاستحقاقات المتوالية المحلية والجهوية ثم التشريعية، من دون أن ينال الحدث ما يستحقه من تحليل موضوعي معمق، تسهم فيه النخب والفاعلون السياسيون، اعتبارا لموقع الحزب ومكانته، ليس بغاية الانتقاص من قيمته، بتوجيه النقد له جراء استهانة قيادته بوضعية تنظيمية داخلية، ظهرت عليها علامات الضعف والوهن وفقدان البوصلة، منذ سنوات. وضعية أجبرت &في حينها الأمين العام الأسبق، عبد الرحمن اليوسفي، على التخلي عن قيادة سفينة حزب أفنى عمره من أجله، معارضا شديد البأس داخل الوطن وفي المنفى.سيكتشف بعد عودته وصعوده إلى مقصورة القيادة أن رفيقه الراحل ،عبد الرحيم بوعبيد، خلف له تركة &تنظيمية ثقيلة صعبة التدبير على زعيم مثله قضى ردحا من حياته في الخارج ، بعيدا عن إشكالات وتعقيدات الأوضاع الداخلية في الحزب ،وما عرفه من صراعات وانشقاقات وخلافات عبثية لا حد &ولا معنى لها، ألحقت الضرر الجسيم بالعائلة الاتحادية، أكثر من الخصوم.&

عبد الرحمن اليوسفي

&

اليوسفي والتصدي للرياح&

ما من شك في أن اليوسفي حاول بكل ما أوتي من تأثير معنوي ورصيد نضالي ورجحان فكر،التصدي قدر المستطاع ،للرياح التي تقاذفت سفينة الاتحاد الاشتراكي،حتى لا تزيح كليا عن نطاق المسار الذي رسمه رفاقه مؤسسو أضخم تجمع يساري شعبي في المغرب المستقل منذ مطلع ستينيات القرن الماضي ،ظل مهيمنا خلالها وفي ما بعدها، على الساحة النضالية مستقطبا فئات جماهيرية عريضة تواقة إلى وضع أكثر عدالة وإنصافا ، خاضت بسببه معارك ومواجهات مريرة مع النظام.

&رفع الاتحاديون دائما شعار "التغيير " واتخذ أشكالا وصيغا متعددة : الثورية ،الانقلابية ثم الديمقراطية. وفي كل المحطات لم يسلم الحزب من تهم معاداة النظام .

ويلزم التذكير هنا أن الحزب بالغ أحيانا في تقدير قوته الذاتية ، تحت ضغط واندفاع المنتسبين إليه &وأجواء الشحن والغليان السياسي الذي عّم المغرب على &مدى سنوات صاخبة ،ما أوقعه &في صدامات مع النظام ورطته في مغامرات جرت عليه النكبات الواحدة تلو الأخرى .

عبد الرحمن اليوسفي ومحمد اليازغي

&

حركة جماهيرية مزعجة للحكم&

تجدر الإشارة كذلك إلى أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وقبله الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ظل منذ تأسيسه &حركة جماهيرية مزعجة للحكم ، بالنظر إلى جذرية مطالبه السياسية والاجتماعية وعمق الإصلاحات المؤسساتية التي ضمنها برامجه ؛ ما جعل التعايش بين الطرفين مضطربا وعسيرا لفترات متكررة؛ شابه الحذر والتوجس من كليهما &حتى بدأ التقارب التدريجي بين الطرفين منذ اندلاع نزاع الصحراء منتصف سبعينيات القرن الماضي.

ذلك المنعطف في تاريخ المغرب، استوجب إجماعا وطنيا ، سيتوج بتقارب حقيقي &نهاية التسعينيات بقيام حكومة التناوب التوافقي التي سبقتها إجراءات دستورية تمهيدية بإدخال إصلاحات على منظومة الحكم.&

ورغم أنها كانت دون مطالب أحزاب المعارضة، لكنها اعتبرت بمثابة مكاسب &ساهمت في مد جسور الثقة بين النظام وأشد مكونات المعارضة . &

لا تصمد الفكرة القائلة إن إشراك "الاتحاد الاشتراكي" في تدبير الشأن الوطني عام 1998واختيار اليوسفي لحكومة التناوب التوافقي مع الملك الراحل الحسن الثانية؛ كان (الإشراك) &مؤامرة حيكت لإسكات وإضعاف الحزب المزعج والزج به &في غياهب بئر الحكم العميقة الزاخرة بالمفاجآت الصاعقة فلا يخرج منها سليما معافى .

غير أن تخوف المتشككين، صدق بمعنى من المعاني. أصيب &الحزب باعتلال مزمن في صحته استفحل في المدة الأخيرة.فمن المتسبب بانتشار المرض ؟ &&

&المؤكد ان إشراك &الاتحاد الاشتراكي &وحليفيه &التاريخيين: الاستقلال والتقدم والاشتراكية، في تدبير الشأن العام&كان&قرارا استراتيجيا مفكرا فيه بروية ،من طرف الملك الحسن الثاني، كما أن موافقة اليوسفي، على تحمل المسؤولية الأساسية لم تكن مخاطرة غير محسوبة العواقب أو رهانا على الوهم وسذاجة سياسية . فعندما &يصبح الوطن مهددا بالسكتة القلبية، باعتراف عاهله الراحل، وقد عرفه المغاربة عنيدا لا يستسلم للتحديات الداخلية والخارجية وبكل ما أوتي من دهاء سياسي وبعد نظر استباقي.حين ذاك يصبح التردد تخليا عن نداء الوطن ومسًّا بالجبهة الداخلية.

ادريس لشكر وعبد الرحمن اليوسفي

&

إرادة ملك .. وشيخ المعارضين&

&وما يمكن التأكيد عليه في هذا السياق، أن إرادتي الملك الراحل وشيخ المعارضين في المغرب ، توافقتا واضعتين في الحسبان المصلحة العليا . كلاهما تربيا &وترعرعا في كنف الحركة الوطنية ،تشبعا بفكرها، كل بأسلوبه وقنوات استيعابه ، ما سهل عليهما التعاهد بصدق على التعاون ،واضعين المصحف الكريم بينهما شاهدا على الصلح التاريخي.

&وبالفعل، التزم الملك الحسن الثاني، والزعيم اليوسفي بنسيان صراعات الماضي وصرف النظر عما دبره الواحد للآخر، من مكائد ومقالب يبيحها الصراع على السلطة .

لم يصطدم اليوسفي، وقد صار رئيسا للحكومة، بمقاومة من مجموعات الضغط ولوبيات الفساد المتنفذين في عهد الملك الحسن الثاني ؛فذلك أمر طبيعي،يمكن مواجهته &والحد من تغوله،باللين والشدة . المقاومة المعرقلة التي واجهها اليوسفي أتت فوضوية من عقر دار حزبه. اتهمته فئات بالتفريط في عقيدة الحزب والمسارعة لإنقاذ حكم يحتضر.

لقد اقتضى نجاح المرحلة الانتقالية التعاون الاضطراري وفق الحد الأدنى، والتعامل بحذر مع المتربصين بالتجربة، ما استوجب الدخول في "تفاهمات" فرضها منطق التوازنات الحزبية ،ريثما تنطلق عربة &الانتقال ،وتستقر فوق سكة &ثابتة.&

&لماذا انهالت المتاعب الحزبية على اليوسفي حتى أنهكت صحته ، وكادت تجهز عليها ومصدرها بعض رفاقه الأقربين ؟

قد يكون ما واجهه، لا يعدو ان يكون ردود فعل عاطفية ناتجة من الغيرة الحزبية على اعتبار أن " المناضلين&الاتحاديين" &تكونوا وتخرجوا من مدرسة المعارضة &الرافضة لأنصاف الحلول ، قادتهم لسلسلة مواجهات عنيفة ومزمنة &مع نظام &أنزل بهم أشد ألوان العقاب &كلما تعنتوا وأبدوا إصرارهم وثباتهم على المبدأ .&

وفي "تراجيديا" الاتحاد الاشتراكي، تشابكت العوامل واختلطت الأهداف وتعارضت الطموحات &والبطولات والصراعات الشخصية؛ تحملها الحزب على مضض لما كان في المعارضة ، أما وقد أصبح شريكا في السلطة فإن الخصوم غيروا جلودهم. هل كان الجسد التنظيمي للحزب مهيّأ لتلك التحولات؟ &

عبد الرحيم بوعبيد في احد مؤتمرات الحزب

&

جدوى الانتقال الديمقراطي ؟&

سيظل السؤال قائما عن جدوى الانتقال الديمقراطي؟ &تختلف الإجابات عنه باختلاف الفاعلين والمحللين&السياسيين &ومواقف الرأي العام سواء الغاضبة أو المتعاطفة ؛ إضافة إلى انعدام معيار ثابت ودقيق لقياس التحولات التاريخية في المجتمعات ، التي &غالبا ما يتم النظر إليها من زاوية المنفعة والانعكاس المباشر على فئات بعينها .&

يمكن الاستئناس بمحددات إجرائية بسيطة ، للحكم على الانتقال في المغرب، أهمها مؤشر الاستقرار وإعادة الطمأنينة إلى البلاد. وهذا إنجاز لا يقدر في حد ذاته بثمن، وقد تحقق فعلا وفي زمن عصيب .

وكأنما أحس الملك الراحل ، بدنو اجله ، فسارع كعادته في مواقف حاسمة إلى اتخاذ قرار تاريخي بطَي صفحة الصراع مع المعارضة &والإصْغاء إلى جزء من مطالبها . ولأنه كان يعرف طبيعة المعارضة، قوتها وضعفها وكذا أسلوب تفكيرها،فإنه لم يجد أمامه بين قادتها أفضل من اليوسفي زعيم الاتحاد الاشتراكي ، لما فيه من مواصفات رجل الدولة ومزايا الأخلاق ونظافة اليد وعفة اللسان والترفع عن المهاترات السياسية والزهد في مغانم السلطة. والأهم من كل ذلك سلطته الأخلاقية لممارسة تأثير معنوي على الغالبية في حزبه أولا وباقي المكونات السياسية.&

ولا يمكن إنكار أن سفينة الانتقال الديمقراطي، أقلعت وسط ترحيب المغاربة وتفاؤل عريض بالمستقبل .&

فاستنادا إلى مقربين من النظام، فإن الملك الحسن الثاني، كان صادقا بل مرتاحا ومسرورا بما اكتشفه في وزيره الأول اليوسفي من إدراك تام لمسؤوليات رجل الدولة وحضور ومصداقية في الخارج . وسرعان ما حدث التناغم بين الاثنين فتشاورا واستجاب الملك لكثير من مطالب الوزير الأول.

المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد والفقيه محمد البصري

&

الخروج عن المنهجية الديمقراطية&

ساهمت الثقة المتبادلة بين الملك الحسن وأيقونة المعارضة ، في انتقال سلس للحكم، إلى وريث العاهل الراحل الملك محمد السادس ، فجدد ثقته فيمن اختاره والده ليكمل ولايته &إلى آخر مداها القانوني؛ نظمت في أعقابها انتخابات تشريعية ،برز معها تراجع منذر في شعبية الاتحاد الاشتراكي . إذ رغم حيازته المرتبة الأولى فإن الصراع &بينه وبين حزب الاستقلال على الوزارة الأولى ، حال دون استمرار اليوسفي في منصبه ، فاختار العاهل المغربي شخصية مستقلة ، أصرت على إشراك الاتحاد الاشتراكي في الائتلاف الجديد، وهو ما سيتسبب ببروز تصدع بين الاتحاديين وانقسامهم بخصوص المشاركة من عدمها ؛علما أن التيار الغالب في الحزب انتقد ما سمي حينئذ الخروج عن" المنهجية الديمقراطية" ، ودعا إلى العودة إلى المعارضة والتفرغ لإعادة بناء التنظيم .

وأمام ما وصف بتكالب على الحقائب الوزارية ، حسم اليوسفي في لائحة المستوزرين وطلب من خلفه، إدريس جطو ، أن يقبلها دون مناقشته فيها ، تعبيرا من غضبه على رفاقه ، واعتبر موقفه الساخر من الطامعين ، إنذارا بتخليه عن &قيادة الحزب، ليتولاها بعده نائبه الأول محمد اليازغي، الذي سيجبر بدوره على الامتثال لإقالته &من طرف أعضاء المكتب السياسي، في عملية ما زالت فصولها محاطة بالغموض .

انسحاب اليوسفي المدوي .. والأزمة مع اليازغي &

انسحاب اليوسفي المدوي أولا، ونشوب أزمة بين اليازغي وأعضاء المكتب السياسي لاحقا ، شكلا الدليل القاطع على أزمة كبيرة في الجسم الاتحادي يمكن اختزالها في عدم التناسب بين ضخامة المشاكل المتوارثة والمتراكمة وعجز القيادة عن حلها بسبب انسداد الأفق وانعدام الرؤية أمامها.

لقد انشغل الاتحاديون بملفات الحكومة، وأهملوا مرض حزبهم .حاولوا علاجه بإجراء ديمقراطي لم يكن مهيّأ له تنظيميا ، فظهرت الخلافات للعلن وانتهى عهد الزعامة بالتزكية.

التراجع الانتخابي بدأ في عهد اليوسفي وتصاعد وتأكد في ظل قيادة اليازغي، لينزل المؤشر إلى الحضيض في عهد الأمين العام الحالي، ادريس لشكر، فأصبح معطى بنيويا في سائر الاستحقاقات.

هل كان بمقدور لشكر وقف انجراف الحزب نحو القاع والتقليل &من الخسائر ؟ وهو الذي يعرف أسرار الماكينة الحزبية وكيف تدور:مكامن قوتها وأسباب ضعفها ، المسنود ،أي لشكر، بشرعية الانتخاب بالاقتراع السري بين منافسين. المهمة تبدو أكبر من طاقته .

صحيح أن الهياكل الحزبية انتخبت الأجهزة &المقررة لكن التشققات لم تختف من البنيان الحزبي وصار مناضلون يلعنون الديمقراطية الداخلية التي أفرزت قيادة هشة لا تعكس ما يزخر به الاتحاد الاشتراكي من طاقات وكفاءات نضالية .

تجلى الخلل بين قمة الحزب وقواعده في النقاشات الصاخبة التي شهدها مقره العام حين التداول بصدد أية نازلة حزبية فتتطاير شظايا كثيرة ولا سيما أثناء إعداد لوائح الترشيح للانتخابات التشريعية الأخيرة ، حيث كانت المفاجأة أن برلمان الحزب (اللجنة الإدارية) عاقب أعضاء في المكتب السياسي ورتبهم في مواقع متأخرة بالاقتراع السري . &

كيف سيخرج الاتحاد الاشتراكي من أزمته العويصة؟ المتفائلون يقولون إنه لم يمت وإنما يعاني فقط عوارض أزمة في الجهاز ، والبعض يحصر المشكل &في غياب &زعيم ، ذي كاريزما، قادر على لم الشمل ، بينما ترى طائفة أخرى ضرورة مساءلة المرجعيات المؤسسة واستبدال الجهاز النظري والعملي للحزب بما يناسب التطور السوسيولوجي في البلاد طال منظومة الحكم نفسه .

محمد اليازعي

&

أزمة الاتحاد .. ومسؤولية شخص او تيار&

سيكون من الحيف تحميل مسؤولية أزمة الاتحاد ، لشخص أو تيار. المسؤولية جماعية ومتوارثة جيلا عن جيل، لكن تجاوزها غير ممكن بأدوات الماضي ، والحال أن آلة قمع السلطة اختفت.

ليس الاتحاد الاشتراكي ، التنظيم الوحيد الذي يواجه هذا الإشكال ، فرفاقهم في أقطار أوروبية :إسبانيا ، فرنسا والبرتغال على سبيل المثال ، يواجهون أوضاعا مماثلة ، يصلحونها بالاحتكام إلى الآلية الديمقراطية وتفضيل مصلحة التنظيم على أي زعيم خاصة إذا فشل يفسح المجال طوعا لمن يختاره المناضلون في إطار مسلسل التداول على المسؤولية .

الإمكانية نفسها&متيسرة للاتحاد الاشتراكي والطاقة به كامنة، لينتقل من حزب جماهيري يتغنى بشعارات رومانسية ثورية إلى تنظيم حديث يعتمد على ذكاء مناضليه وليس على تضحياتهم الجسدية ومعاناتهم في السجن .

محمد اليازغي مع عبد الرحيم بوعبيد

&