برطلة: يراقب جنود عراقيون الجوار بحذر قبل ان يتقدموا في مجموعة من خمسة عناصر، مصوبين بنادقهم في كل الاتجاهات، ويقتربون من مبنى مهجور الى جانب الطريق: إنهم يقومون بمهمة خطيرة تقضي بتنظيف المنطقة التي انسحب منها الجهاديون، قبل التقدم نحو الموصل. 

غالبا ما يكون عناصر جهاز مكافحة الارهاب في الخطوط الاولى للمعارك التي تخوضها القوات الحكومية، وهم يعتبرون بمثابة قوات النخبة في العراق. 

ويتولون في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة الاسلامية مهمة تأمين المنطقة، اي تمشيطها من أجل العثور على القنابل المحتملة التي خلفها الجهاديون وراءهم، أو حتى السيارات المفخخة، ومطاردة من تبقى من عناصر تنظيم الدولة الاسلامية.

وتتولى آليات مصفحة تأمين تغطية نارية لهم، فتتقدم في شوارع برطلة، البلدة المسيحية الخالية من سكانها والواقعة شرق الموصل، مطلقة النار من أسلحة ثقيلة.

أما عناصر جهاز مكافحة الارهاب، فيتقدمون ببطء في شارع اسفلتي عريض على بعد امتار من ابنية، فيما تشاهد بقايا إطارات تحترق. وأضرم عناصر تنظيم الدولة الاسلامية النار في الاطارات لاستحداث دخان اسود كثيف يساهم في تغطية تحركاتهم على الارض. ويقول العقيد مصطفى لوكالة فرانس برس ان اطلاق النار يستهدف الابنية المشبوهة، وتقاطعات الطرق حيث يمكن لقناصة ان يختبئوا بسهولة.

مهمة محفوفة بالخطر
يقول الضابط في جهاز مكافحة الإرهاب مرتضى نبيل "اليوم وبعدما طهرنا المناطق التي أمامكم هذه، عدنا مرة أخرى الى الخلف لتطهير الشارع". وتبدو المهمة محفوفة بالخطر وحساسة، إذ ان القسم الاكبر من القوات التي دخلت برطلة غادرتها الى معركة اخرى، وتتناول المهمة تأمين طريق تقود من الثكنات العسكرية العراقية مباشرة الى مدينة الموصل، هدف الهجوم الذي بدأ قبل نحو عشرة ايام.

كما ان تجهيزات القوة التي تعمل على تنظيم المنطقة ليست مختلفة عن تجهيزات الوحدات العراقية الاخرى. فعندما ينزل هؤلاء الى خنادق محفورة تحت الارض من اجل كشف ما فيها، لا يملكون إلا سلاحهم الرشاش، ويرتدون مجرد قميص قطني.

الا ان عناصر مكافحة الارهاب يتميزون عن سواهم بتدريب مختلف، وبرواتب قد تصل الى حوالى الفي دولار، وهو راتب أعلى بكثير من رواتب العديد من عناصر الجيش العراقي، بحسب ما يوضح البعض. ويقول العقيد سامر "تم تدريبهم على أيدي الاميركيين، وهذا أمر مميز".

وحصلوا ايضا من الاميركيين على تجهيزات متطورة جدا مثل نظارات الرؤية الليلية التي يحملها الجندي أنور بفخر، مشيرا الى انه كان يقود آلية مصفحة، وكان "أول من دخل برطلة خلال معركة تحريرها". ويشير الى آثار رصاصات اصيب بها بشكل طفيف عندما اطلق عليه قناص من تنظيم الدولة الاسلامية النار. كما يحمل عناصر مكافحة الارهاب ألواحا الكترونية حصلوا عليها من التحالف الدولي، يدخلون فيها معلومات لتحديد مواقعهم.

ويقول الرقيب عمار حاملا لوحا بيد وبيد أخرى جهاز اتصال لاسلكيا "تلتقط طائرات التحالف المعلومات وتنقلها الى قيادتنا التي ترسلها لنا بدورها عندما نكون على الارض، فلا يعود أمامنا الا التقدم بآلياتنا". وبناء على أوامر من الضابط، يقترب سائق الآلية من مبنى يتجه اليه كل الرجال على الارض. ويلقم عنصر في المصفحة سلاحه.

ويقول عمار "حررنا أمس (الثلاثاء) المناطق الواقعة الى يمين الطريق ويسارها، وبقيت هذه الطريق. أتينا من الجهتين اليسرى واليمنى ولم يبقَ سوى الطريق التي نعمل على تطهيرها من العبوات الناسفة، خشية وجود مجموعات إرهابية في بعض الأماكن عند جانبيها، ليكتمل بذلك واجبنا". ويشرح عمار ان الطريق تعتبر سالكة عندما لا يحصل رد على اطلاق النار.

ويتحدث حمزة، وهو عنصر آخر في الجهاز، عن "فرق متخصصة" لازالة العبوات والالغام. ويقول ان هذه الفرق تعمل "على معاينة الطريق للتأكد من عدم وجود عبوات ناسفة، كذلك إن عثرنا على آليات عسكرية مفخخة نعمل على تفكيكها. ونحن نعمل على تأمين الحماية يميناً ويساراً لفرق الهندسة كي تقوم بعملها". وما يلبث الرقيب عمار ان يعلن انتهاء المهمة.

على الفور، تصل وجبات من الارز يلتهمها الجنود، بعضهم وقد جلس على الرصيف، وآخرون يأكلون وهم داخل الآلية. لا يزال الطريق أمامهم طويلا الى الموصل. ويقول قائد جهاز مكافحة الارهاب الفريق عبد الغني الاسدي متحدثا عن المحور الذي يعمل عليه الجهاز (شرق الموصل) "أتممنا كل مراحل الصفحة الأولى، وأصبحنا على مشارف الموصل، على بعد خمسة كيلومترات الى ستة. ونحن بانتظار المحاور الاخرى".

متطرفون يحلقون لحاهم مع تضييق الخناق
هذا وبدأ مقاتلو تنظيم الدولة الاسلامية يحلقون لحاهم ويغيرون مخابئهم في الموصل مع تقدم القوات العراقية التي باتت على مسافة بضعة كيلومترات من آخر معاقل الجهاديين في العراق، فيما تتزايد أعداد النازحين الفارين من ضواحي المدينة هربا من المعارك.

وافاد عدد من سكان مدينة الموصل في اتصالات هاتفية مع وكالة فرانس برس ان الجهاديين يتأهبون للهجوم على ما يبدو بعد التقدم الذي احرزته القوات العراقية اخيرا على الجبهة الشرقية التي يقودها جهاز مكافحة الارهاب الذي بات يبعد خمسة كليومترات عن مركز المدينة.

وقال ابو سيف وهو اسم مستعار استخدمه احد السكان خشية على حياته "شاهدت عناصر داعش مختلفين بشكل كامل عن المرة السابقة التي رايتهم فيها". واضاف الرجل الذي كان تاجرا وبات عاطلا من العمل بسبب الاوضاع في الموصل "بدأوا يحلقون لحاهم ويغيرون مظهرهم (...) يبدو انهم خائفون او قد يكونون جاهزين للفرار".

وافاد مسؤولون عسكريون وشهود ان عناصر تنظيم الدولة الاسلامية بدأوا بتغيير امكنة سكنهم من الجانب الشرقي في الموصل الى الجانب الغربي وهو المعقل التقليدي السابق لهم لجهة الحدود مع سوريا.

واورد عدد من السكان من داخل المدينة ان دوي الاشتباكات بات يسمع في الجانبين الشرقي والشمالي للمدينة، فيما باتت طائرات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تحلق على ارتفاع اكثر انخفاضا من العادة.

ويواصل عشرات الاف المقاتلين العراقيين التقدم نحو الموصل من الجنوب والشرق والشمال، منذ بدء العملية العسكرية في 17 اكتوبر الجاري.

وتجري العملية البرية باسناد جوي يقدمه التحالف الدولي الذي بدأ حملته بعيد استيلاء التنظيم على مساحات شاسعة من الاراضي في العراق سوريا قبل عامين. واستعادت القوات العراقية وقوات البشمركة الكردية عددا كبيرا من القرى خلال تقدمها منذ الاسبوع الماضي، وذلك رغم تعرضها لقصف بالصواريخ وعمليات قنص وتفجيرات بسيارات مفخخة يقودها انتحاريون.

نزوح
في موازاة استمرار العمليات العسكرية، اعلن وزير الهجرة والمهجرين العراقي جاسم محمد الجاف الاربعاء ان وزارته استقبلت الثلاثاء اكثر من 3300 نازح، في اكبر موجة نزوح منذ بدء العمليات العسكرية لاستعادة الموصل من الجهاديين. واثارت معركة الموصل مخاوف من كارثة انسانية، فيما حذرت الامم المتحدة من امكان نزوح اكثر من مليون شخص.

وقال الجاف "يوم امس الثلاثاء شهد موجة كبيرة للنازحين تعد الاكثر عددا منذ انطلاق العمليات العسكرية لتحرير محافظة نينوى من دنس الارهاب المتمثل بعصابات داعش الاجرامية". وتفيد ارقام الامم المتحدة ان نحو ثمانية الاف و940 شخصا نزحوا من منطقة الموصل منذ بدء الهجوم في 17 اكتوبر.

وافاد مراسل فرانس برس ان مدنيين من قرى في ضواحي الموصل الشرقية نقلوا في حافلات الى مخيمات للنازحين قرب منطقة الخازر. وقالت ام علي (35 عاما) لفرانس برس "اخرجنا الجيش وقالوا لنا غادروا وسننظر في تفاصيل سكنكم".

وقال عصام صدوع (22 عاما) "عشنا اياما وليالي مرعبة، اصوات الانفجارت اصبحت اقرب، والدولة الاسلامية كانت تسيطر على حياتنا، لذلك قررنا الفرار". من جهته، تحدث قائد الشرطة الاتحادية الفريق رائد شاكر جودت عن "نزوح جماعي للعائلات من ناحية الشورة في اتجاه قطعاتنا".

وكان وزراء دفاع 13 دولة في التحالف عرضوا في باريس الثلاثاء سير عملية الموصل ونتائجها، وخصوصا ان الانظار باتت تتجه الى مدينة الرقة، "عاصمة" الجهاديين في شمال سوريا.

واكد وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر "لقد بدأنا الاستعدادات لعزل الرقة"، معددا الانتصارات ضد الجهاديين التي تحققت في منطقة الرقة عبر استعادة "قوات سوريا الديموقراطية" التي تدعمها واشنطن لمنبج في اغسطس 2016.