تقتل الجراثيم الخارقة 700 ألف إنسان كل عام، وستقتل 10 ملايين من البشر في عام 2050، لذا مكافحتها مسألة عاجلة وملحّة. ويحذر الباحث السعودي حسام زواوي من كابوس: «تحول الالتهابات العادية إلى التهابات غير قابلة للعلاج تهدد الإنسان الآن وفي المستقبل».

إيلاف من بيروت: يطوّر حسام زواوي، المتخصص في علم الأحياء الدقيقة، اختبارًا سريعًا لكشف البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.&

ولو كان علماء الأحياء الدقيقة من أبطال هوليوود، لأعتبر زواوي بالتأكيد محارب الجراثيم الخارقة. أما على أرض الواقع، في حقول البحث المحصّنة حول البكتيريا والمجالات الأوسع المتعلقة بالتوعية الصحية، حاز زواوي جائزة رولكس للمشاريع العالمية الطموحة وتميزه بمشاريعه البحثية في مجال مكافحة الميكروبات الطبية.

أزمة فتاكة
في الحقيقة، تتسبّب هذه «الجراثيم الخارقة» بنحو 700 ألف حالة وفاة في السنة، حتى بإمكانها إطلاق أزمة صحية أكثر فتكًا بعد.&ووفقًا لبعض التقديرات، ربما ترتفع هذه النسبة إلى 10 ملايين حالة سنويًا بحلول العام 2050، لتتخطّى بذلك معدّل الوفاة بسبب السرطان. فالبكتيريا أدّت إلى ازدياد الأمراض والالتهابات التي تصعب معالجتها باستخدام المضادات الحيوية التقليدية، بما فيها الالتهاب الرئوي وتسمم الدم والسلّ وداء السيلان.&

وتجدر الإشارة إلى أن البكتيريا القاتلة، التي تحمل جينات مقاومة للمضادات الحيوية، والتي لا يمكن الكشف عنها بمجرد فحوصات روتينية، تظهر في مناطق مثل الشرق الأوسط.

كشف مبكر
تنقل «ناشيونال جيوغرافيكس» عن زواوي، الذي يطوّر اختبارات تسمح بالكشف المبكر للبكتيريا خلال 3 أو 4 ساعات، بعدما كان يستغرق نحو 3 أيام في السابق قوله إنّ «السيناريو الكابوسي في شأن تحول الالتهابات العادية إلى التهابات غير قابلة للعلاج يشكّل تهديدًا خطرًا لصحة الإنسان، الآن وفي المستقبل».&

ربما تسمح هذه الاختبارات للأطباء باستهداف الالتهابات البكتيرية بسرعة أكبر ومعالجتها بالدواء الملائم بدلًا من استخدام منهجية التجربة والخطأ أو وصف المضادات الحيوية للمريض عندما لا يكون بحاجة إليها.

إنّ الاختبار السريع الذي طوّره زواوي يبحث في البكتيريا عن جينات تنتج البيتا لاكتاماز، وهي أنزيمات تخوّل البكتيريا تدمير المضادات الحيوية، مثل البنيسيلسن والكاربابينيمات. لا يقف الأمر عند هذا الحد، فزواوي يعمل أيضًا على اختبار يجد البكتيريا التي تبني مقاومة ضد المضادات الحيوية.&

أهمية التوعية والمعرفة
يقول زواوي إن المعرفة مفتاح مهم، في إشارة إلى الأسبوع العالمي للتوعية حول المضادات الحيوية بين 14 و20 نوفمبر 2016، وهو حملة تقيمها منظمة الصحة العالمية من أجل التشجيع على استخدام المضادات الحيوية بطريقة أذكى، وتعزيز الوعي حول مقاومة البكتيريا لهذه الأدوية، وتعليم الخطوات الأساسية لتفادي الالتهاب، مثل غسل اليدين بالصابون جيدًا.

في هذا السياق، أصدرت منظمة الصحة العالمية يوم الخميس قائمة بالمبادئ التوجيهية العالمية الهادفة إلى الحدّ من انتشار أنواع البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. وتتضمن القائمة 29 توصية ملموسة استخلصها 20 خبيرًا عالميًا من 26 استعراضًا أُجريت لأحدث البيّنات. وتتصدى التوصيات لزيادة للالتهابات الناجمة من تقديم الرعاية الصحية.&

ينوي زواوي أيضًا الاستمرار في تحذير الناس من البكتيريا آملًا بأن يصل إلى 15 بلدًا بحلول العام 2017. ففي أماكن كثيرة حول العالم، يمكن شراء المضادات الحيوية من دون أي وصفة طبية، ما يتسبّب بأخذ الأدوية الخطأ أو تناولها عندما لا يحتاجها المريض.&

ويلفت إلى أن الترويج والتثقيف الصحيين قد يحسّنان مستوى الوعي حول مقاومة الجراثيم للأدوية، علمًا أن سوء استعمال المضادات الحيوية يعزّز المقاومة البكتيرية.

الأمل موجود
جعل هذا الباحث السعودي الأصل من محاربة البكتيريا مهنته الرئيسة، بينما كان يتابع دراسته في علم الأحياء الدقيقة في جامعة أم القرى السعودية.&

وفي أثناء فترة تدريبه في مختبر سريري، ولاحقًا في قسم مكافحة الالتهابات في مستشفى جدة، بدأ يواجه مرضى مصابين ببكتيريا مقاومة للمضادات الحيوية، بعضهم كان في المستشفى لإجراء عمليات روتينية والتقط الجرثومة الخارقة، والبعض الآخر مرض لدرجة الموت.&

في هذا الإطار، صرّح زواوي الذي يدرس الدكتوراه حاليًا في جامعة كوينزلاند في أستراليا، قائلًا: "آخر ما كانوا يحتاجونه هو التهاب التقطوه من خدمات صحية في المستشفى، ربما يؤدي إلى العجز أو الوفاة".

وبحسب زواوي، تتطلّب محاربة الجراثيم الخارقة جهودًا خارقة تتخطى حدود البحث والعلم. ويضيف: "حتى لو ركّبنا مضادات حيوية جديدة، ستتمكّن البكتيريا من اكتشاف طريقة لتخطّيها، لكنّني متفائل بأننا سنجد حلًا".

أهم ما توصي بها المبادئ التوجيهية الصادرة من منظمة الصحة العالمية هي ألا تُستعمل المضادات الحيوية للوقاية من الإصابة بالالتهابات سوى في المرحلة السابقة لإجراء العملية الجراحية وأثناء إجرائها، وهو تدبير حاسم لوقف انتشار مقاومة مضادات الميكروبات، وينبغي ألا تُستعمل المضادات الحيوية عقب إجراء العملية الجراحية مثلما هو مُتعارف عليه في معظم الأحيان.

يذكر أن زواوي المبتعث لدرجة الدكتوراه من مستشفى الحرس الوطني في الرياض، إلى مركز الأبحاث السريرية التابع لجامعة كوينزلاند الأسترالية، كُرِّم خلال الحفل السنوي لجامعة كوينزلاند في اختتام أسبوع البحث العلمي والتعريف بأهميته وإظهار إنجازات الجامعة البحثية وتكريم منسوبي الجامعة الحاصلين على جوائز عالمية، حيث كرّم مدير الجامعة مجموعة من الطلبة، كان في مقدمتهم المُبتعث زواوي نظير حصوله على جائزة.&

أعدّت "إيلاف" هذه المادة عن موقع "ناشونال جيوغرافيك"