لطالما اعتبرت خطب الجمعة ركيزة أساسية أسبوعية في حياة المغتربين، لكنّها لم تكن يوماً مهمة بقدر تلك الموجهة إلى 80 مسلماً تجمّعوا في 18 نوفمبر ليصلّوا في المدينة الجامعية وسط بلاد ترامب. حتى الصغار، الذين يعظون بعضهم بعضاً عادة، ويتزاحمون ويتململون طيلة فترة الخطبة، بدت علامات التجهم على وجوههم. &

أما من ألقى الخطبة فكان إماما صديقا للعائلة هادئ الطباع، يتحدث بحزم غير معهود، ويميل إلى العلم والمعرفة أكثر منه إلى النفاق. فهو حكيم مثقف &قادر على إلقاء شعر محمد إقبال بإسهاب، وقد حفظ القرآن كله. لكنّ كلماته اليوم قاسية وثابتة، فقد تناول موضوعاً سياسياً غير متوقع قائلاً: "اليوم تفشّت الكراهية". وأشار في خطبته إلى أن مايكل فلين، الرجل الذي اختاره دونالد ترامب يومها ليكون مستشار الأمن القومي، نعت الإسلام علناً بالسرطان. في تلك الخطبة، حذّر الإمام المصلّين من الأوقات العصيبة المقبلة. &

خوف المسلمين

ومنذ فوز السيد ترامب المفاجئ في الانتخابات قبل أسبوعين، ازداد التخوف في أوساط المسلمين في أميركا، الذين يبلغ عددهم حوالى 3.3 ملايين، بشكل غير مسبوق. وبالطبع هذا القلق له أسبابه. فمؤخراً، اقترح كريس كوباك، عضو في الفريق الانتقالي لترامب، اعتماد سجل وطني للمهاجرين والزوار الوافدين من الدول الإسلامية. ودفاعاً عن تلك التصريحات على قناة فوكس نيوز، قام عضو آخر بالتذكير بحادثة اعتقال الأميركيين من أصل ياباني في الحرب العالمية الثانية. &

الخوف من المسلمين

من الصعب تجاهل هذه الجلبة، لا سيما أنّ ترشيح ترامب قد راهن في جزء كبير منه على تغذية الخوف من الإسلام. ففي ديسمبر العام الماضي، دعا إلى الإيقاف التام والكامل لدخول المسلمين إلى الولايات المتحدة. وبعد اطلاق النار الكثيف في نادٍ ليلي في أورلاندو في يونيو، قال ترامب إن المسلمين في أميركا عرفوا هوية الإرهابيين، لكنّهم رفضوا تسليمهم إلى العدالة. كما انه لمح آنذاك أن باراك أوباما وافق سرًا على الهجمات الإرهابية، محذرًا بعين تملؤها الريبة من أنّ "أمراً ما يحدث".

مصير الشباب

وقال الإمام: "أكثر ما يقلقني هو شبابنا". فباستثناء عشيرة فلسطينية واحدة زرعت جذورها منذ ثلاثة أجيال، جميع العائلات المسلمة في ليكسينغتون لا تزال برئاسة الجيل الأول من المهاجرين الذين جاؤوا من باكستان أو مصر أو أي مكان آخر. أولادهم يتكلّمون الإنكليزية بدون أي لكنة أجنبية، حتى انّهم يتسكّعون في مركز فاييت مول التجاري المحلي، ويصبغون أنفسهم باللون الأزرق في مباريات فريق كرة السلة التابع لجامعة كنتاكي. هم، باختصار، أميركيون حتى العظم، وهم يخشون أنّه قريبًا ستضاف علامة فارقة بالقرب من أسمائهم.&

وأضاف الإمام بحزم أنّ الحروب الصليبية والاستعمار وانهيار الخلافة فشلت في وضع نهاية للإسلام، وأكّد أنّ ترامب سيعجز عن القيام بذلك أيضاً. ثم روى قصة سورتين متجاورتين في القرآن، عن مصيبة أخرى وقعت منذ زمن بعيد حين غاب الوحي الإلهي عن النبي لفترة من الوقت، ما أثار يأساً عميقاً وقلقاً كبيراً. في السورة الأولى، قام الله بتعزية النبي قائلاً: " مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى"، وفي الثانية، قدّم الله نصيحة إليه، في إحدى أكثر الآيات استشهاداً: "فإنّ مع العسر يسراً ".

وبعد صلاة قصيرة، انتهت خطبة الجمعة، فجلس الجماعة وقدّموا الأدعية الخاصة في صمت مخيّم، لم يسمع فيه سوى شهقة وسعال، فطلب الإمام من الجميع أن يصلي ليطيب ذاك الزكام المزعج الذي استمرّ أربعة أسابيع، فضحك الحاضرون واستمرّت الحياة.​

أعدّت "إيلاف" هذا التقرير بتصرّف نقلاً عن "إيكونوميست". المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي:

http://www.economist.com/blogs/democracyinamerica/2016/11/muslims-after-election


&