عبد الاله مجيد: قد لا تبدو مسرحية موسيقية عن اول وزير خزانة اميركي مادة مرشحة لتحقيق نجاح ساحق، لا سيما وان استخدامها موسيقى الهيب هوب وممثلين غالبيتهم ليسوا من البيض يوحي بأن مكانها على هامش الفعاليات الثقافية.& ولكن النجاح منقطع النظير هو& على وجه التحديد ما حققته مسرحية "هاملتون" التي يتحدث عنها الجميع الآن، لا في الولايات المتحدة فحسب بل على الجانب الآخر من الأطلسي ايضا.& وبات من المستحيل الحصول على تذاكر لمشاهدة المسرحية منذ عرضها الأول خارج برودواي في مطلع العام. &

وتكفل اطراء النقاد وعطش الجمهور الذي لا يرتوي، بنقل العمل الى مسرح ريتشارد روجرز في برودواي حيث المقاعد محجوزة والتذاكر مباعة للأشهر العشرة المقبلة. &

وتريد مدن اخرى وضع يدها على مسرحية "هاملتون" الموسيقية.& إذ ستقدم شيكاغو المسرحية بانتاجها الخاص في سبتمبر العام المقبل وتسعى لندن الى تقديمها على مسارحها في عام 2017.& وفي وقت تشهد الولايات المتحدة استقطاباً سياسياً مريراً فان هذه المسرحية الموسيقية تتمتع بتوافق نادر على الاعجاب بها. إذ شاهدها الرئيس باراك اوباما مرتين قائلا "انها الشيء الوحيد التي اتفقنا عليه أنا ودك تشيني - نائب الرئيس بوش- طيلة حياتي السياسية".& وحضر المسرحية نائب الرئيس المنتخب مايك بنس حيث سمع من اعضاء الفرقة في نهاية العرض كلاماً اثار غضب الرئيس المنتخب دونالد ترامب. &

صعود اول بيروقراطي في أميركا

من أسباب هذا الاقبال الكبير على المسرحية موضوعها الذي يتناول قصة صعود اول بيروقراطي في اميركا.& فان الكسندر هاملتون الذي ولد طفلا غير شرعي ونشأ فقيراً في منطقة الكاريبي وصل الى نيويورك في عام 1773 يتيماً مفلساً كل ما يملكه قلم مسنون ووجه وسيم واعتداد بالنفس.& ولكنه كافح باصرار حتى اصبح لاعباً لا غنى عنه في حرب الاستقلال واحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة.& وبوصفه الساعد الأيمن لجورج واشنطن اسهم في تشكيل اول حكومة اميركية ونشر مقالات قوية دفاعاً عن دستور الولايات المتحدة ما زالت تُقتبس في المحكمة العليا حتى اليوم ، وأوجد الكثير من مكونات الآلة التي تديم عمل الدولة مثل المديونية العامة والبنك المركزي وحرس السواحل.& ولكن "أنا" هاملتون التي لا تعرف الخوف وكبرياءه العنيد اللذين دفعا صعوده تكفلا ايضا بسقوطه على يد آرون بار نائب الرئيس في مبارزة جرت بينهما في نيو جرسي حين كان هاملتون في التاسعة والأربعين من العمر.

قصة هاملتون قصة مثيرة لا سيما وان تأثيره في بلده أبلغ من تأثير كثيرين غيره، ولكنه كان موهوباً ايضاً في صنع اعداء اقوياء له العديد منهم اصبحوا رؤساء لاحقاً.& وحال دور هاملتون في اول فضيحة جنسية سياسية في البلاد دون توليه منصباً عاماً.& وتسبب هذا في تلطيخ سجله وطمس إرثه.& وقبل هذا العام قلة من الاميركيين لاحظوا ان وجه هاملتون الوسيم مطبوع على الورقة النقدية من فئة 10 دولارات. &

أحداث وقعت قبل قرون

مبعث الاثارة في هذا العرض الجميل من اخراج توماس كايل هو تصوير احداث وقعت قبل قرون وكأنها احداث راهنة وثيقة الصلة بالسجالات السياسية المحتدمة اليوم.& وعلى يد لين مانويل ميراندا كاتب المسرحية ومؤلف موسيقاها ونجمها الكاريزمي تصبح قصة هاملتون المهاجر الجرئ الذي اصاب نجاحاً فائقاً قصة اميركا نفسها. &

وبخلاف غالبية القصص عن خطوات اميركا الأولى كبلد فان مسرحية "هاملتون" اقرب الى وضع اميركا اليوم.& وبضربة واحدة يعيد العرض تأكيد هوية اميركا كما عهدها العالم ، بلد مهاجرين وغرباء حالمين ، وان قصة اميركا ملك الاميركيين كافة حتى اولئك الذين بدأ اجدادهم حياتهم فيها "مُلكية" تباع وتشترى ، حين وصلوا اليها عبيداً. &

والأكثر تميزا في العرض موسيقاه التي تحقق الانسجام بين عوالم نادرا ما تتصادم فيما بينها.& وتنقل مجلة الايكونومست عن رون تشيرناو كاتب سيرة هاملتون التي تقع في 800 صفحة انه صُقع حين اخبره ميراندا أول مرة ان صفحات كتاب السيرة ستصبح عرضاً موسيقاه الهيب هوب.& وبعد ذلك ذُهل تشيرناو حين سمع اول 40 صفحة من كتابه مضغوطة في أُغنية راقصة طولها اربع دقائق. &

الفوز سهل لكن الحكم صعب

تقدم مسرحة هاملتون صورة لاميركا تسلط الضوء على مناقب مؤسسيها لكنها تقر بمثالبهم ايضا.& فان جيفرسون تكتيكي ذكي ولكنه استعراضي وهاملتون ذو قلم رائع لكنه يمكن ان يكون ثرثارا يدمر نفسه بنفسه.& والسياسة في اميركا كانت دائما فوضى، مليئة بالمظالم الشخصية والطموح الأناني والشتائم التحريضية.& وكما يقول واشنطن الذي يقوم بدوره الممثل كريستفور جاكسون فان "الفوز سهل ايها الشاب ولكن الحكم صعب".& ولم يكن هؤلاء ملوكاً ـ فلاسفة يعملون في عصر ذهبي بل رجالا ناقصين تمكنوا رغم نواقصهم من بناء بلد جديد بالعمل الشاق والكدح المتواصل والحلول التوافقية والرؤية المشتركة الى المبادئ الديمقراطية. &

وفي وقت يقف الاميركيون امام اسئلة كبيرة عن هويتهم وهوية بلدهم فان مسرحية "هاملتون" الموسيقية تقدم فرصة للنظر بروح وطنية الى بلدهم وكيف بدأ والى أين هو سائر.& كما تقدم المسرحية رؤية جامعة متعددة الثقافات لما كانت عليه اميركا دائماً وما يجب ان تكون.

&

اعدت "ايلاف" هذا التقرير بتصرف&عن مجلة "الايكونومست".& المادة الأصلية منشورة على الرابط

http://www.economist.com/news/books-and-arts/21684118-why-everyone-wants-see-hamilton-patriotism-broadway?fsrc=scn/tw/te/pe/ed/patriotismonbroadway

&

&&

&

&