نشأ الجنرال مايكل فلين الذي اختاره الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب مستشارًا لشؤون الأمن القومي في عائلة كاثوليكية من ولاية رود آيلاند. وحين اصبح جنرالًا، لم يغتر بالرتبة بل كان يطلب من الضباط الأدنى رتبة أن يتحدوه خلال الاجازات العسكرية والأمنية. وكان في مقدور أي ضابط أن ينهض ويقول «سيدي أن هذا الذي تقوله هراء». لكن ضباطه كانوا يحبونه. وقال زملاء له انه «حين يدخل غرفة كانوا ينظرون اليه كما تنظر الجراء» إلى سيدها. 

"هذا هذر"

كان الجنرال فلين يخرق القواعد التي يعدها غبية. وتحدث ذات مرة لمجلة نيويوركر عن فترة قضاها في مهمة لوكالة المخابرات المركزية في العراق حين كان يتسلل من المجمع من دون الحصول على موافقة الوكالة. وطلب من مهندسين أن يقيموا له ارتباطًا سريًا بالانترنت في مكتبه في البنتاغون رغم أن هذا كان ممنوعًا. وذات مرة، اعطى حلفاء اطلسيين معلومات مصنفة سرية من دون موافقة. 

وتسبب الحادث في فتح تحقيق وتوجيه تنبيه إليه من رؤسائه. وخلال عمل فلين رئيس مخابرات هيئة الاركان المشتركة، كان في احيان كثيرة يكتب عبارة «هذا هذر» على هامش وثائق مصنفة سرية عليه أن يقدمها إلى مسؤوليه، كما قال مصدر مطلع على هذه الوثائق.

كان اكبر منجزات الجنرال فلين في حياته العسكرية إحداث انقلاب في طريقة عمل الذراع السرية للجيش، أي قيادة العمليات الخاصة المشتركة التي من مهماتها قتل من يُشتبه بهم من الارهابيين والمسلحين في مناطق النزاعات، أو القبض عليهم. وفي افغانستان والعراق، أمر فلين قيادة العمليات الخاصة المشتركة بجمع وفهرسة معلومات مستخلصة من عمليات الاستجواب ومعدات الكترونية وقعت بيدها ومما يحمله المسلحون في جيوبهم بل كل ما يمكن أن يتضمن معلومات مفيدة. 

وبتحليل هذه النتف من المعلومات اكتشفت القوات الخاصة أن تنظيم القاعدة ليس تنظيمًا هرميًا بل شبكة ديناميكية من الخلايا والعلاقات. وتقول الكاتبة دانا بريست مؤلفة "اميركا السرية للغاية" إن فلين كان احد الذين أمروا القوات الخاصة بتكثيف هجماتها على مخابئ العدو بتطبيق نظام تنقل فيه قوات الكوماندو ما تجمعه من معلومات مثل ارقام الهواتف إلى محللين يحددون لها بسرعة اهدافًا اضافية لضربها. واصبحت الغارات الليلية شائعة.

حقائق فلين

في منتصف عام 2007، عاد فلين إلى الولايات المتحدة وفي رأسه ثلاث سنوات من اسرار قيادة العمليات الخاصة المشتركة. شهد قتالًا عن قرب وعمليات قتل وكان يساعد في نقل القتلى والجرحى من افراد القوات الخاصة إلى المروحيات لاخلائهم. وكان الجنرال فلين يمضي 20 ساعة يوميًا سبعة ايام في الاسبوع مركزًا اهتمامه على قتل العدو. وكان اطفال ونساء يُقتلون ايضًا. 

في عام 2012، اصبح فلين مدير وكالة الاستخبارات الدفاعية المسؤولة عن جميع الملحقيات العسكرية وعمليات التجسس الدفاعية الاميركية في العالم. ويقول اشخاص عملوا معه ومعجبون بشخصه انه كان يتنقل من اولوية إلى اخرى، وكان يجد صعوبة في بناء فريق مخلص له. وقال مراقب لفترة عمل فلين في وكالة الاستخبارات الدفاعية والجيش للصحافية دانا بريست، كاتبة المقالة في نيويوركر: "كان يجري الكثير من التغييرات، ليس بطريقة استراتيجية بل بطريقة مكوكية". 

بدأ فلين يعمل على لفت انتباه واشنطن اليه. وعكف مرؤوسوه على إعداد قائمة بما سموه "حقائق فلين"، وهي اشياء يقولها لكنها ليست صحيحة مثل ادعائه بأن ثلاثة ارباع الهواتف الخلوية الجديدة يشتريها أفارقة. وحاول موظفوه اقناعه بعدم تكرار مثل هذه الأقوال. 

العصبي المتعالي

كان فلين عصبي المزاج يحط من قدر الآخرين أمام زملائهم. وقالت مصادر قريبة منه إن مركز قوة موازيًا نشأ في وكالة الاستخبارات الدفاعية لتطويق فلين والحفاظ على عمل الوكالة البالغ عدد منتسبيها نحو 17 الف شخص. 

أمضى فلين 18 شهرًا في رئاسة الوكالة عندما اقاله رئيس الاستخبارات الوطنية جيمس كلابر. وقال مصدران مطلعان لمجلة نيويوركر أن كلابر اوضح أن بامكان فلين البقاء تسعة اشهر اخرى إلى حين تعيين بديل ومصادقة الكونغرس على تعيينه. واستشاط فلين غضبًا لاقالته. 

بعد انتقال فلين إلى الحياة المدنية، سار في طريق الكثير من الجنرالات المتقاعدين الآخرين وبدأ يظهر في التلفزيونات والندوات الحوارية، ونشر كتابًا عن الارهاب بالاشتراك مع المحلل المختص بالشؤون الخارجية والمثير للجدل مايكل لَدين الذي ينتمي إلى المحافظين الجدد. وكتب فلين ولدين أن الاسلام ليس ديانة بل أيديولوجيا سياسية عازمة على تدمير الحضارة اليهودية ـ المسيحية. وبدأ فلين يقول انه أُقيل لأن الرئيس الأميركي باراك اوباما لا يتفق مع آرائه في مكافحة الارهاب وكان يريد أن يخفي حقيقة تنامي تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". 

واستمر فلين في اطلاق تصريحات كهذه رغم المحاولات التي بذلها قادة عسكريون عمل تحت امرتهم لاقناعه بتخفيف لهجته. 

فساد في كل مكان

وجد فلين رئيسًا جديدا له في ترامب الذي استعان به ضد القيادات التاريخية للحزبين الجمهوري والديمقراطي على السواء. وكان فلين مستعدًا لهذا الدور وفي مؤتمر الحزب الجمهوري قاد بنفسه الهتافات المطالبة بسجن هيلاري كلنتون امام ملايين كانوا يتابعون وقائع المؤتمر. وقال زملاء سابقون له انهم صُدموا بما رأوه. 

كان فلين يرى فسادًا في كل مكان، في كلنتون، في الاعلام، في وزارة العدل، في الاستخبارات. واصبح ضابط الاستخبارات السابق الذي كان لا يتعامل إلا بالحقائق، كاتب تغريدات على تويتر يردد فيها «نظريات مؤامرة مبتذلة»، على حد تعبير الكاتبة دانا بريست مشيرة إلى انه ينشر على تويتر شتائم معلقين معادين للسامية وللمسلمين. وغرد في فبراير قائلا «إن الخوف من المسلمين خوف عقلاني» مع رابط إلى مادة تدعي أن الاسلام يريد استعباد أو ابادة 80 في المئة من البشرية. 

اعلن ترامب أخيرًا أن فلين سيكون مستشاره لشؤون الأمن القومي وهي مهمة تتطلب رؤية استراتيجية وتوافقًا بين وكالات واجهزة متنافسة. وقال رئيس هيئة الأركان المشتركة السابق مايكل مولن إن على فلين أن يتغير لينجح في دوره الجديد. وما إذا كان فلين سيتعلم السيطرة على غضبه ويعود إلى التعامل مع الحقائق لا الأوهام ويكون قادرًا على القيام بدور المستشار المتأني، فهذا سيقرر مآل أصعب وأكبر مهمة تُناط به حتى الآن. 

أعدّت «إيلاف» هذا التقرير بتصرف عن مجلة «نيويوركر». المادة الأصلية منشورة على الرابط التالي:
http://www.newyorker.com/news/news-desk/the-disruptive-career-of-trumps-national-security-adviser