إيلاف من برلين: توصل العلماء الاسبان إلى أن بعض الخلايا السرطانية مزودة بمستقبلات للدهون، وان غذاء الإنسان الغني بالدهن يزود هذه المستقبلات بالطاقة على الانتشار إلى مناطق الجسم الأخرى. ويرى هؤلاء العلماء أن هذا الخرق في أبحاث السرطان قد يزود الطب بسلاح فعال يوقف انتقال الأورام السرطانية من مكانها.

وكان الخوف الأكبر لمرضى السرطان حتى الآن، وخشية الأطباء المعالجين أيضاً، أن تنفصل بعض الخلايا السرطانية عن الجسم السرطاني الأساسي، وأن تتسلل مع الدم، لتنزرع في مناطق الجسم الأخرى. إذ غالباً ما يعني الانتشار فشل علاج السرطان وقرب رحيل المريض، لأن هذه الخلايا قادرة على النمو بسرعة إلى نفس النوع السرطاني في نسيج حيوي مهم آخر في الجسم.

وكتب العلماء الأسبان من جامعة برشلونة في مجلة "نيتشر" المعروفة أن مستقبلات الدهون في بعض الخلايا السرطانية بحاجة إلى أحماض دهنية معينة، بمثابة مصدر طاقة، كي تبدأ عملية انتشارها. وعندما عمل العلماء على تغذية فئران المختبر، المصابة بالسرطان، بغذاء غني بالدهون، تسلل السرطان فعلاً من مكانه إلى مناطق الجسم الأخرى.&

والمهم، ان السرطان توقف عن الانتشار، بل وتراجع حجمه، عندما عمدوا إلى وقف عمل مستقبلات الدهون في الخلايا السرطانية في الفئران. وهذا ما يشجع على مواصلة البحث وصولاً إلى عقار، أو طريقة، لوقف عمل مستقبلات الدهون في الخلايا السرطانية عند البشر.

خلايا سرطانية معينة

يعرف الطب منذ فترة بعيدة ان القدرة على الانتشار لا تسري على كافة الخلايا السرطانية، وان خلايا معينة هي سبب هذا الانتقال الخبيث. لكن الطب وقف حتى الآن حائراً في تشخيص أي الخلايا هي القادرة على الانتشار، والأهم ان الطب بقي عاجزاً عن معرفة كيفية حصول الانتقال في معظم أنواع الأورام السرطانية.

وكتب سلفادور بينيتاه، من جامعة برشلونة، في"نيتشر" انه وفريق عمله كشفوا عن الخلايا الانتشارية في سرطان أغشية الفم. وشخصوا تحت المجهر مجموعة صغيرة من الخلايا مزودة بعدد كبير من مستقبلات الدهون المسماة بـمستقبلات الدهون من نوع CD36. وتستخدم هذه الخلايا مستقبلاتها لاستقبال نوع معين من الأحماض الدهنية التي تزودها بالطاقة على الانفصال عن السرطان الأم والانتقال عن طريق الدم أو اللمف أو سوائل الجسم الأخرى. وطبيعي ربما تعجز هذه الخلايا عن الحياة والانتشار لولا هذه الطاقة الدهنية التي تستلمها من غذاء الإنسان.

جسيمات مضادة أحبطت عمل مستقبلات CD36

للتأكد من مسؤولية هذه الخلايا عن الانتشار، عمل بينيتاه وزملاؤه على زرق هذه الخلايا السرطانية البشرية في دماء فئران مختبرية مصابة بمختلف الأورام السرطانية، وتوصلوا فعلاً إلى ان هذه الخلايا انزرعت في أجساد الفئرن ونمت إلى ورم سرطاني كل مرة. وعندما جعلوا الفئران المصابة تتغذى على أغذية غنية بالدهون، انتقل السرطان مرة أخرى بفعل قدرة الخلايا السرطانية المزود بمستقبلات الدهون.

ولم يتوقف العلماء عند هذا الحد، لأنهم حاولوا وقف عمل هذه المرسلات عن العمل، ونجحوا في ذلك من خلال زرق الفئران بجسيمات مضادة لمستقبلات CD36. وذكر بينيتاه ان تأثير الجسيمات المضادة ظهر في الحال على الفئران. وانتقل سرطات أغشية الفم بمعدل أقل بقليل إلى الرئة، كما هي المضاعفات المعتادة، والأهم ان حجم سرطان الفم تقلص بشكل ظاهر، بل واختفى تماماً في بعض الحالات. ولم تتكشف التجارب على الفئران عن مضاعفات خطيرة للجسيمات المضادة، وهو ما يعد بتطوير لقاح فعال ضد الانتشار.

نجاح في أنواع السرطانيات الأخرى

ويبدو ان العلماء الاسبان متأكدون من أن هذا النجاح لا يقتصر على سرطان بطانة الفم، لأن تجاربهم نجحت أيضاً في حالات سرطان الجلد وسرطان الثدي أيضاً. إذ ثبت للعلم أيضاً ان وجود مستقبلات بكثرة في خلايا الأمراض السرطانية، مثل سرطان الرئة وسرطان المثانة، غالباً ما يعني تقدير عمر قصير للمصاب بهذه الأنواع السرطانية. و يعد هذا الكشف بدوره، إذ لم يجر الحديث عن شفاء، عن حياة أطول للمعانين من هذه الأمراض الخبيثة باستخدام الجسيمات المضادة التي تحبط عمل هذه المستقبلات.

وكتب العلماء الاسبان ان كافة المؤشرات تدل على تشابه أوجه عمل الخلايا المزودة بمستقبلات الدهون في مختلف أنواع النمو السرطاني. واتضح أيضاً كيف أن الغذاء الغني بالدهون عند البشر يزيد مخاطر انتقال الأمراض السرطانية بفعل CD36.

ولكن، أية أنواع من الدهون ومن الأحماض الدهنية هي التي تحفز عمل مستقبلات CD36 في الخلايا السرطانية الانتشارية؟ يقول العلماء إن ذلك سيكون هدف أبحاثهم المقبلة، وانهم سيجرون التجارب باستخدام مختلف أنواع الدهون الغذائية. وحينها سيصبح من الممكن ارشاد المصاب بالسرطان عن أنواع الدهون التي ينبغي عليه تجنبها كي يتجنب تعزيز مخاطر الانتشار.