ما زالت مسألة الخصوصية تحظى بأبعاد متفاوتة ورؤى مختلفة على صعيد الأهداف التي تنطوي عليها، أو الجدوى الحقيقية من وراء الاهتمام بها سواء للدول، المواطنين أو الشركات، فالعملية تبدو مربكة إلى حد كبير، نتيجة لاختلاف طرق التعامل معها، كل حسب متطلباته وتوجهاته، وهو ما يضع الأمر برمته تحت المنظار.

إيلاف: نوّه تقرير نشرته في هذا الصدد صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إلى حقيقة اختلاف مفهوم الخصوصية في واقع الأمر من الأفراد إلى الدول، الشركات أو بعض المؤسسات الإنسانية الأخرى، ليمضي التقرير بعدها ويتساءل: "في الديمقراطيات المزعومة، ما الذي يعنيه سعي الدولة إلى إخفاء بعض الأسرار عن مواطنيها؟".

دولة سرية
ثم أردف بإشارته إلى أن الدولة السرية تبدو مُناقِضة بالفعل لفكرة الديمقراطية، حيث لن يكون بمقدور مواطنيها (وهم الناخبون) أن يعرفوا ما الذي تقوم به حكومتهم من أفعال، ومن هنا يظهر عدد لا يحصى من نظريات المؤامرة المنتشرة في تلك الأيام، والتي يفترض كثير منها أننا نمتلك خصوصية تقل بكثير عمّا لدينا في واقع الأمر.

في خضم تلك الإشكالية، يظهر مؤيدو الدولة السرية، الذين يسعون إلى طمأنة الآخرين، بالثناء أحيانًا على الشفافية التامة والجاهزة، وحرصهم على التعامل بمبدأ أنه إذا لم يكن لديك شيء تخفيه وتثق في حكومتك، فما الذي يمكنك ربما أن تخشاه؟.
&
تابعت "نيويورك تايمز" بطرحها لبعض التساؤلات التي من بينها: "هل خصوصية الأفراد وخصوصية الدول هي الشيء نفسه؟، وهل هما متناقضتان من الناحية النظرية؟، وهل من مصلحة الدولة أن تسمح لمواطنيها بالحفاظ على الأسرار؟.&

التعذيب وسيلة
ثم ذهبت الصحيفة إلى القول إنه من المعروف أن الدول التي ترغب في معرفة أسرار مواطنيها تقوم بتعذيبهم في سياق حثها إياهم كي يكشفوا عمّا في جعبتهم من معلومات، وهي الحقيقة التي نعلمها جميعًا على مدار التاريخ، مع اختلاف نسبتها من دولة إلى أخرى.

من ضمن الزوايا ذات الطبيعة المربكة بشأن مسألة الخصوصية، والتي أبرزتها "نيويورك تايمز" في سياق تقريرها، تلك الجزئية المتعلقة بما إن كان يحق لمكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" أو غيره من وكالات إنفاذ القانون أن يقوموا بفتح الهواتف الشخصية لـ"الإرهابيين" أم لا، وما إن كان السماح بذلك لتلك الوكالات سيؤثر على باقي الأشخاص العاديين أم لا، وما إن كان ذلك سيفتح الباب أمام الأناس العاديين أو الإرهابيين لفك شفرة الوثائق بطريقة لا تتوافر لدى "إف بي آي" أم لا؟.
&&
وتكهنت الصحيفة من جانبها بأن يتنازع الكثيرون على المدى الزمني القصير من أجل الخصوصية في مواجهة الشفافية، وأن يسعوا على المدى الزمني الطويل وراء الشفافية، حيث تكمن المعضلة الخاصة بقلة أو نقص الأسرار، وهذا ما يفسر سر تعاملنا بقدر كبير من عدم الرحمة – كمؤرخين – حين يتعلق الأمر بأسرار الماضي.

تشفير المستقبل
واصلت الصحيفة بافتراضها أن المستقبل معرّض تمامًا لأن يتوافق مع تكنولوجيا التشفير المتطورة التي يشهدها العالم اليوم، وأن أبرز أسرار العالم (سواء التي تخص مواطنين أو مؤسسات حكومية) سيتم نشرها يومًا ما على مرأى من الجميع.

وأوضحت الصحيفة أن الماضي الخاص بنا، الذي سيرى أحفادنا أننا نشأنا منه، لن يكون الماضي الذي نرى أنفسنا الآن ننشأ منه، بل سيكون إعادة تفسير له، بناءً على ما سيتوافر في وقت لاحق من معلومات، قدر أكبر من الشفافية وعدد أقل من الأسرار.

&