تجددت المعارك في مدينة حلب، حيث يتعرض آخر جيب تحت سيطرة الفصائل المعارضة لوابل من القصف، بالتزامن مع جهود دبلوماسية لإنقاذ إتفاق تركي روسي لاجلاء مقاتلين ومدنيين من المدينة.

موسكو: يعيش السكان في آخر جيب يتحصن فيه مقاتلو المعارضة في حلب، ظروفا مأساوية بعدما وجدوا انفسهم محاصرين بالنيران، اثر تجدد المعارك ظهر الاربعاء بعد تعليق العمل باتفاق الاجلاء.

ويتكدس آلاف المدنيين في حي المشهد واجزاء من الاحياء الاخرى المحيطة به، بعضهم لا مأوى له. ويعانون الخوف والجوع والبرد.

وقال مراسل لفرانس برس في شرقي حلب الاربعاء انه شاهد عددا كبيرا من السكان يهربون مذعورين في الشوارع اثر تجدد القصف الاربعاء من دون العثور على مأوى يلجأون اليه. وسارع اخرون الى الاحتماء في مداخل الابنية المهدمة.

وافاد مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن بـ"حالة خوف شديدة" تسود المدنيين. واكد ان "القصف عنيف والاشتباكات على اشدها.. الامور عادت الى نقطة الصفر"، بعدما كانت المعارك توقفت الثلاثاء.

وتتواصل الاشتباكات العنيفة والقصف المتبادل بالقذائف بين الطرفين منذ صباح الاربعاء، تزامنا مع غارات سورية مستمرة على آخر جيب تسيطر عليه الفصائل المعارضة.

وتسبب قصف قوات النظام بمقتل شخصين على الاقل، وفق المرصد السوري. كما اسفرت قذائف اطلقتها الفصائل المعارضة على الاحياء الغربية عن مقتل سبعة مدنيين على الاقل، بحسب التلفزيون السوري الرسمي.

وتبنت جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقا قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة) مساء تفجير سيارة مفخخة في منطقة جسر الحج في مدينة حلب. واكد المرصد السوري تفجير السيارة المفخخة في المنطقة الواقعة على اطراف حي الانصاري المقسم حاليا بين قوات النظام والفصائل المعارضة.

تبادل اتهامات

ويأتي التصعيد بعد ساعات على انتظار الآلاف من المدنيين ومقاتلي المعارضة فجر الاربعاء بدء إجلائهم من شرق حلب بموجب اتفاق تم التوصل اليه برعاية روسية تركية، الا ان عملية الاجلاء لم تبدأ في موعدها المفترض عند الخامسة فجرا (3,00 ت غ) وتم تعليق الاتفاق بعد ساعات عدة.

وحملت موسكو مقاتلي المعارضة مسؤولية خرق الهدنة، مؤكدة استئناف قوات النظام عملياتها العسكرية، فيما اتهمت انقرة النظام بتأخير تنفيذ الاتفاق.

وتتواصل المفاوضات للتوصل الى اتفاق، بحسب ما قال مصدر مقرب من دمشق لفرانس برس. واوضح "لم تتوصل المحادثات حتى الآن الى اتفاق حول مغادرة المقاتلين مدينة حلب"، مضيفا "حين يتم التوصل الى اتفاق ستعلن عنه السلطات السورية".

وافاد مصدر قريب من ملف التفاوض فرانس برس ان المحادثات تجري حاليا بين سوريا، روسيا، ايران وتركيا.

وفي مسعى للتوصل الى حل، اجرى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين اتصالا هاتفيا، وفق ما نقلت وكالة ريا نوفوستي عن المتحدث باسم الكرملين.

في حين افاد مصدر في الرئاسة التركية اردوغان وبوتين "اكدا خلال الاتصال الهاتفي على ان اتفاق وقف اطلاق النار الذي تم التوصل اليه البارحة يجب ان يطبق، وان الخروقات لهذا الاتفاق يجب ان تتوقف".

وعبر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن امله في "تسوية الوضع" خلال يومين أو ثلاثة أيام. كما اجرى لافروف اتصالا بنظيره الاميركي جون كيري اكد خلاله ان "السلطات السورية على استعداد، ومنذ وقت طويل، للسماح للمسلحين بالمغادرة بحرية"، وفق بيان للخارجية الروسية.

ودعا لافروف نظيره الاميركي للضغط على الفصائل المعارضة لمغادرة المدينة. وتبادل طرفا النزاع بدورهما الاتهامات بشان تعطيل الاتفاق.

وقال مصدر قريب من السلطات في دمشق "علقت الحكومة السورية اتفاق الاجلاء لارتفاع عدد الراغبين بالمغادرة من الفي مقاتل الى عشرة الاف شخص". وتطالب الحكومة وفق المصدر "بالحصول على قائمة باسماء جميع الاشخاص المغادرين للتأكد من عدم وجود رهائن او سجناء" تابعين لها في صفوفهم.

في المقابل، اتهم ياسر اليوسف عضو المكتب السياسي لحركة نور الدين الزنكي، ابرز الفصائل المعارضة في حلب، "قوات النظام والايرانيين تحديدا بعرقلة تطبيق الاتفاق وربطه بملفات اخرى بينها مطالب تتعلق ببلدتي الفوعة وكفريا" المحاصرتين من قبل الفصائل في محافظة ادلب.

وافاد المرصد السوري عن اطلاق الفصائل الاسلامية عشرات القذائف على بلدتي الفوعة وكفريا. ورحب مسؤولون سياسيون وعسكريون ايرانيون الاربعاء بـ"تحرير" حلب و"بالانتصارات الاخيرة للجيش السوري".

وتمكنت قوات النظام من السيطرة أخيرا على أكثر من تسعين في المئة من الاحياء التي كانت تحت سيطرة الفصائل المعارضة منذ العام 2012، ما يعد ضربة قاضية للمعارضة منذ بدء النزاع قبل اكثر من خمسة اعوام.

"الجحيم على الارض"

وغداة مطالبة واشنطن بـ"مراقبين دوليين حياديين" في حلب للاشراف على اجلاء المدنيين، طالب الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند بـ"القيام بكل شيء لافساح المجال امام اجلائهم بكرامة وامن تحت اشراف مراقبين دوليين ومع وجود منظمات دولية".

ويثير الوضع المأساوي للسكان المحاصرين في حلب مخاوف المجتمع الدولي، خصوصا بعد ابداء الامم المتحدة خشيتها من تقارير وصفتها بالموثوقة تتهم قوات النظام بقتل عشرات المدنيين بشكل اعتباطي، بينهم نساء واطفال، في شرق حلب.

كما اعلنت لجنة التحقيق التابعة للامم المتحدة حول سوريا الاربعاء انها "تلقت مزاعم بشان منع مجموعات معارضة بينها فتح الشام الارهابية (النصرة سابقا) واحرار الشام مدنيين من المغادرة" واستخدامهم دروعا بشرية.

وتكثفت الاربعاء الدعوات في البرلمان الاوروبي في ستراسبورغ لمساعدة سكان حلب عشية قمة بين قادة الاتحاد الاوروبي.

ودعا رئيس المفوضية الاوروبية جان كلود يونكر "اطراف النزاع للنظر عبر ضباب الحرب ولو لوقت وجيز، ما يكفي اقله لتذكر إنسانيتها وان تسمح للمدنيين والنساء والاطفال بمغادرة (...) المدينة بامان".

ودفعت المعارك المستمرة منذ بدء الهجوم على شرق حلب في 15 نوفمبر اكثر من 130 الف شخص الى الفرار من الاحياء الشرقية، نزحوا بمعظمهم الى مناطق تحت سيطرة قوات النظام في غرب حلب او تلك التي استعادتها في شرق المدينة.

&

&