يستقبل مسيحيو العراق عيد الميلاد هذا العام بمشاعر من الحزن والحداد رغم تحرير مدنهم وبلداتهم من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" أخيرًا، لكونه لم يهجرها قبل أن يعيث فيها خرابًا وتنكيلًا بحق منازلهم وأبنائهم.

إيلاف: أصبحت البلدات القديمة على أطرف الموصل، حيث عاش المسيحيون منذ قرون عديدة، أصبحت أرضًا يبابًا، وبيوتهم خرائب تنعق فيها الغربان، وكنائسهم مهدمة، منهوبة. &

أمان منقوص
وعندما يحاول جندي عراقي رفع صليب على قبة كنيسة متضررة أو يدخل قس لوضع شمعة على ما تبقى من المحراب، فإن هذه المشاهد تبعث على الأسى أكثر من الأمل، لا سيما أن هناك إحساسًا واسع الانتشار بين المسيحيين العراقيين المهجرين والنازحين بأنهم لن يعودا أبدًا إلى ديارهم. &

تضمنت النجاحات المتحققة في إطار عملية تحرير الموصل، التي دخلت شهرها الثالث، تحرير قرى وبلدات مسيحية تاريخيًا، بينها قرقوش، أكبر مدينة مسيحية في العراق، وبرطلة. &&

سادت مشاعر الفرح في البداية بتحرير هذه المدن، وعادت بعض العائلات بحماية مقاتلين من بعض التشكيلات المسيحية المسلحة التي تشارك في معركة الموصل. لكن سرعان ما اتضح أن عودة الطائفة المسيحية في العراق إلى سابق عهدها أمر مستبعد نظرًا إلى قلة الراغبين في العودة والبقاء في بلدهم الأصلي.

الطائفية دخيلة
قال حسيب سليم (65 عامًا)، وهو مسيحي من منطقة الموصل، هُجّر قبل أكثر من سنتين، ويعيش الآن في أربيل عاصمة إقليم كردستان إنه "ليست هناك ضمانة بالعودة والأمان". ويعبّر سليم عن مشاعر عميقة بين الأقليات العراقية بأن الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 أنهى حياتهم الآمنة، وبدأ عملية موت الطائفة في موطنها الأول. &

ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن سليم قوله "قبل عام 2003، صدقوني، إن جاري لم يكن يعرف ما أنا. لم يكن أحد يسأل هل أنت سني؟ أم شيعي؟ مسلم أم مسيحي؟".

يقدر أن 1.5 مليون مسيحي كانوا يعيشون في العراق قبل 2003. وحين اجتاح داعش شمال العراق في عام 2014 كان هذا الرقم انخفض إلى زهاء 400 ألف مسيحي فقط.&

ومنذ ذلك الوقت هاجر آلاف آخرون إلى خارج العراق أو هربوا من الموصل إلى المنطقة الكردية. وفي محافظة أربيل يعيش المسيحيون النازحون في منطقة عنكاوة في شمال غرب المدينة، فيما فتحت كنائس محلية أبوابها لإيواء الكثير من النازحين. ولعل عنكاوا هي آخر مركز حي للثقافة المسيحية في العراق تجد فيه زينة عيد الميلاد ومحال تبيع النبيذ. &

باسم الجزية
وحين سيطر داعش على الموصل والمدن الواقعة في محيطها في صيف 2014 سرق مسلحو أموال المسيحيين ومصوغاتهم وممتلكاتهم، وخيّروهم إذا أرادوا البقاء بين اعتناق الإسلام أو دفع جزية. فغادر تقريبًا كل المسيحيين، وانضموا إلى صفوف النازحين العراقيين الآخرين، الذين تزداد أعدادهم في غرب العراق ووسطه. &

ولكن امرأتين مسيحيتين في أواخر السبعينات من العمر بقيتا في المدينة. وفي غمرة الفوضى التي أحدثها تقدم داعش نحو مدينة قرقوش، تُركت بدرية جيجز وزريفة باكوس في المدينة مع زوجيهما المريضين. &

بعد فترة وجيزة على وقوع بلدتهما بيد داعش، توفي الزوجان، ووجدت الأرملتان الصديقتان القديمتان أنهما تعيشان معًا تحت سقف واحد في مواجهة وحشية الحكام الجدد الذين سرقوا مالهما، وطالبوهما بالتخلي عن ديانتهما واعتناق الإسلام. &

إرغام على تدنيس المقدسات
قالت بدرية جيجز التي فقدت بصرها، وتكاد أن تكون صماء: "كنا نصلي أحيانًا، ونبكي أحيانًا أخرى. وكنا نتحدث عن زوجينا وذكرياتنا وأطفالنا، وكيف كانت الأحوال في شبابنا". وذكرت الأرملتان أن مقاتلي داعش أجبروهما على أن يبصقا على صليب وأن يدوسا على صورة لمريم العذراء. تتذكر زريفة باكوس أنها قالت مع نفسها "المعذرة يا مريم، أرجوك أن تغفري لي".&

ما زالت قرقوش مدينة غير آمنة لسكانها، حتى إذا أرادوا العودة والبقاء بعد تحريرها. فالأنقاض والدمار في كل مكان. وبعد أسابيع على معركة استرداد المدينة من داعش، ما زال حماتها من المتطوعين المسيحيين في حالة استنفار تحسبًا لهجمات مضادة يشنها داعش.&

صحيح أن مسيحيي العراق خسروا الكثير بمجيء داعش الذي دمّر بيوتهم وسرق مصوغاتهم ونقودهم، ولكن بينهم من يؤكد أن ما مروا به عزز إيمانهم. وقالت الراهبة هدى خضر من قرقوش "إنهم يستطيعون أن يدمّروا بيوتنا وأشياءنا، لكنهم لا يستطيعون أن يدمروا روحنا".
&

أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن صحيفة "نيويورك تايمز". &الأصل منشور على الرابط التالي:

http://www.nytimes.com/2016/12/23/world/middleeast/for-liberated-iraqi-christians-still-a-bleak-christmas.html?hp&action=click&pgtype=Homepage&clickSource=story-heading&module=photo-spot-region®ion=top-news&WT.nav=top-news&_r=0


&