لاقت زيارة قام بها أوباما أخيرًا لمسجد في أميركا ترحيباً حارًا في الأوساط الإسلامية في أميركا بشكل خاص والغرب عامة، ورأوا فيها بادرة انفتاح في زمن تعلو كلمة التطرّف نظريًا وميدانيًا، وتمنوا تعميم التجربة واقتداء آخرين به وصولًا إلى مجتمع متسامح ومتقبّل لبعضه بعضًا لا مكان لإسلاموفوبيا فيه.

إعداد عبدالاله مجيد:&في وقت رحبت جهات إسلامية غربية بأول زيارة قام بها أوباما لمسجد في أميركا، استغل خصوم الرئيس الأميركي المحافظون الحدث للتصويب على أصول أوباما المسلمة عبر التشكيك بمسيحيته، ولم ير مواطنون عرب أن الزيارة ستغير شيئًا على الأرض لأن الشرق الأوسط يغلي محمّلين واشنطن مسؤولية ذلك.

وأثارت أول زيارة قام بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مسجد داخل الولايات المتحدة منذ توليه منصب الرئاسة، ردود أفعال معادية من قبل خصومه السياسيين والمعلقين المحافظين، لكنها لاقت تقديرًا في أوساط واسعة في أميركا، أثنت على وقوفه ضد خطاب الكراهية الذي يستهدف المسلمين ودعوته الأميركيين إلى عدم الخلط بين ملايين المواطنين الوطنيين المسلمين و"أقلية ضئيلة متطرفة" تمارس العنف، كما قال في خطابه. لكن كثيرين تساءلوا: "لماذا انتظر أوباما حتى السنة السابعة من رئاسته للقيام بهذه الزيارة؟". &

استغلال الخصوم
وكان أوباما زار مساجد خلال رحلاته إلى الخارج، بما في ذلك مساجد زارها في مصر وأندونيسيا. لكن معاوني أوباما كانوا يخشون أن تصب زيارته مسجدًا في الولايات المتحدة الماء في طاحون الشائعات القائلة إنه لا يزال مسلمًا. &
&
وصرح دونالد ترامب لقناة فوكس نيوز قائلًا: "لعله يشعر بالارتياح هناك"، في تعليق ملغوم من المرشح الجمهوري، الذي شكك في ديانة أوباما المسيحية ومكان ولادته. كما انتقد زيارة أوباما للمسجد عضو مجلس الشيوخ والمرشح الجمهوري الآخر ماركو روبيو، متهمًا الرئيس الأميركي بـ"تأليب الناس على بعضهم البعض دائمًا".&
&
لكن أوباما لاقى استقبالًا حارًا في الجمعية الإسلامية في بالتيمور، حيث أشار إلى أن أعداء الديمقراطية "حاولوا إثارة القلاقل بالقول إني مسلم، وبالتالي لم أكن الأول. فأنا مع صحبة طيبة".&

خطوة تحفيزية
وقالت رئيسة مجلس العلاقات الإسلامية ـ الأميركية في ولاية ماريلاند زينب تشودري إن زيارة أوباما للمسجد "خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، ونأمل بأن تشجّع قادة بلدنا السياسيين والدينيين على الانضمام إليه في التصدي للإسلاموفوبيا المتصاعدة".&
&
ويرى كثير من المسلمين الأميركيين أن هناك تناقضًا بين خطابية أوباما وسياسات إدارته في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، التي يعتقدون أنها لم تفعل شيئًا لإنهاء الحرب في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان.&
&
ونقلت صحيفة لوس أنجليس تايمز عن محمد مدثر، وهو موظف في وزارة التربية الأفغانية في كابول، "إن كثيرًا من المسلمين تفاءلوا حين تولى أوباما الرئاسة بأيام أفضل في الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، لكن شيئًا لم يتغير في الحقيقة. فالحروب في فلسطين وسوريا والعراق وأفغانستان تزداد تفاقمًا كل يوم، والسلام في أفغانستان ما زال خرافة، ومعاملة المسلمين، لا سيما في الولايات المتحدة، كأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، لم تتغير".&
&
تغطية خجولة&
في الشرق الأوسط كانت تغطية وسائل الإعلام لخطاب أوباما، الذي أُلقي في ساعة متأخرة بتوقيت المنطقة، تغطية عابرة، هذا إن وجدت أصلًا. &
&
وقال البقال مروان سعيد في القاهرة إنه لم يعرف بزيارة أوباما لمسجد في أميركا. وأضاف إنه لا يعتقد أن أوباما "فعل شيئًا مثيرًا، بحيث يمكن أن نرى نحن المسلمين تغييرًا كبيرًا في السياسة الأميركية تجاه المسلمين والشرق الأوسط. فالمواطنون لا يزالون يعانون في فلسطين والعراق وليبيا، وكثيرون أعرفهم شخصيًا لا يزالون يحمّلون أميركا قسطًا من المسؤولية عن ذلك".
&
معاداة السامية
في إيران لم تنقل نبأ الزيارة إلا وكالة أنباء فارس، المحسوبة على المحافظين المتشددين. واعترض تقريرها الموجز على دفاع أوباما عن اليهود حتى أثناء زيارته للمسجد، في وقت بلغت الإسلاموفوبيا ذروة في الولايات المتحدة. &
&
وكان أوباما أشار في خطابه إلى أن لمعاداة السامية تاريخًا طويلًا في الولايات المتحدة. واختلف رد الفعل على خطاب أوباما اختلافًا كبيرًا عن عام 2009 حين خاطب المسلمين من جامعة القاهرة، واعدًا ببداية جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة. &
&
وقال مصطفى اللباد مدير مركز الشرق للدراسات الإقليمية والاستراتيجية في القاهرة إن المواطنين منشغلون بقضاياهم المباشرة في بلدانهم، لافتًا إلى "الحرب الأهلية في سوريا والاضطرابات في اليمن وليبيا والعراق، وعندنا تهديدات إرهابية في كل بلد تقريبًا من بلدان الشرق الأوسط، وتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" موجود في سوريا والعراق".
&
ليست ترامب
لكن اللباد أضاف إن خطاب أوباما في المسجد "مع هذا يوجّه رسالة إيجابية جدًا إلى ملايين في الشرق الأوسط، تقول لهم إن الولايات المتحدة ليست ترامب والجمهوريين اليمينيين فقط، وتبيّن أنه ما زال هناك سياسيون أخيار في الولايات المتحدة، يستخدمون لغة العقل والسياسة ويغلبونها على لغة التطرف"، في إشارة إلى المرشح الجمهوري دونالد ترامب، الذي طالب بمنع المسلمين من دخول الولايات المتحدة.&
&
ونقلت صحيفة لوس أنجليس تايمز عن قبلة أياز العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية والشرقية في جامعة بيشاور الباكستانية قولها إن زيارة أوباما للمسجد تساعد على تبديد الانطباع بأن النزاعات في أفغانستان والشرق الأوسط حرب بين المسيحية والإسلام.&

حملة بريطانية
واغتنم مجلس مسلمي بريطانيا مناسبة الخطاب لتشجيع البريطانيين على زيارة المساجد المحلية يوم الأحد في إطار حملة يشارك فيها 80 مسجدًا، بهدف مد جسور تمكن المسلمين من شرح حقيقة ديانتهم، في وقت تتصاعد حدة الاحتقان بين الطوائف الدينية المختلفة.&
&
وفي الهند، حيث يبدي كثير من المسلمين قلقهم من سياسات الحكومة، التي يقولون إنها منحازة لمصلحة الهندوس، تساءل معلقون عمّا إذا كان يجب على رئيس الوزراء نارندرا مودي أن يقتدي بمثال أوباما ويزور مسجدًا في بلده. وقال الصحافي الهندي كومار شاكتي شختار إنه "سيكون في مصلحة البلد أن يحذو مودي حذو أوباما ويزور مسجدًا في الهند".