عُرف الدكتور محمد حمد الهوشان باعتباره واحدًا من أبرز الرواد في المملكة العربية السعودية، فهو أول سعودي يحصل على دكتوراه في الحقوق من جامعة السوربون الفرنسية العريقة، كما وشغل مناصب مهمة على مستوى الداخل والخارج وضمن قطاعات متعددة، تتراوح بين النفط الإدراة والتعليم.
&
يروي الهوشان ذكريات طفولته، فيقول: "كان الأطفال يلعبون في الشوارع، ويحفرونها كما يريدون ويكومون التراب كما يحلو لهم. وكانت الألعاب موسمية فلكل موسم ألعاب، وأذكر من تلك الألعاب: (لب البيت)، وتُلعب بأن تحفر ثلاث حفر صغيرة تبعد الواحدة عن الأخرى بمقدار متر ونصف تقريباً. وتلعب بكرات ثلاث أصغر من بيضة الدجاجة بقليل من صنع زوجات المهاجرين الأفارقة يصنعنها بدقة فائقة كأنها منحوتة في أدق المصانع. وهي من حجارة الحرة البركانية. وهناك لعبة أخرى هي لعبة (التزكير) وهي شبيهة بلعبة (الكريكيت) ولعلها من مستوردات المهاجرين الهنود. وتلعب بكرة سوداء مصنوعة من حبال الصوف تكاد تملأ اليد، وتضرب بمضرب من الخشب، وهناك لعبة (الكبوش) والمعروفة في نجد (بالكعابة) وهي اللعبة التي تلعب بعظام ركبة الخروف، وكانت تجمع وتصبغ بألوان زاهية".
&
تحضير البعثات
&
كما ويعرّج نحو مدارس المدينة المنوّرة، مشيرًا إلى أنها تتكون من غرفة واحدة في طرف مسجد الحي أو في منزل الشيخ، أي المعلم. ولا يتعدى عدد الطلبة فيها الثلاثين، فيما تتراوح أعمارهم بين الخامسة والثانية عشرة. ويتعلم الطلبة فيها القرآن الكريم، والقراءة والكتابة. وأدوات الدراسة هي ألواح من الخشب بارتفاع خمسة وثلاثين سنتمتراً وعرض عشرين سنتمتراً، وفي أعلاه مقبض. ويغسل بحجر جيري يجعل لونه أبيض من الجانبين. ومحبرة من النحاس يوضع فيها بعض الماء الذي يذاب فيه مقدار من الحبر الصيني الأسود، أما القلم فهو من أعواد "البوص" المجوف. ويكتب المعلم في أعلى اللوح سطراً من حروف الهجاء، ثم يصدح الجميع بها بصوت عالٍ في كل صباح.
&
بدأ دراسته في كتّاب حي العنبرية فأتقن "القاعدة البغدادية" وجدول الضرب، ثم التحق بالمدرسة الثانوية التي كانت تحتوي على خمسة فصول في خمس سنوات دراسية. ولم تكن كاملة إذ إنه لإتمام الدراسة الثانوية كان يجب على الطالب أن يذهب إلى مكّة المكرّمة ليكمل الفصل السادس والأخير في مدرسة كانت تسمى "مدرسة تحضير البعثات"، وهي المدرسة الثانوية الوحيدة المكتملة، بحسب قوله، ويضيف: "لمدرسة تحضير البعثات قصة يجب أن تؤرخ: ففي أعقاب الحرب العالمية الثانية أُسست الجامعة العربية وأرادت مصر أن تفتح صفحة جديدة في علاقاتها مع المملكة العربية السعودية، وكان من أهم ما اتفق عليه هو أن تقبل الجامعة المصرية، جامعة فؤاد الأول آنذاك، طلبة سعوديين، كما تعهدت مصر بإرسال مدرسين مصريين لمساعدتهم على الوصول بدراستهم الثانوية إلى مستوى البكلوريا المصرية".
&
ويتابع: "كانت أيام الدراسة في المدينة المنوّرة وحتى ذهابي إلى مكّة المكرّمة أيام تكويني الفكري والعاطفي، فإلى جانب الدراسة المنظمة في المدرسة الثانوية، كنت فرداً من مجموعة متجانسة من الشباب يجمعهم الحس الأدبي: لقد كنا نتابع بشغف شديد جميع ما تنتجه مصر في ذلك الوقت من مجلات وكتب. وكنا نتابع ونتأثر بالمعركة الدائرة في ذلك الوقت بين فئة الجامعيين المنبهرين بحضارة الغرب وعلى رأسهم مصطفى عبد الرازق وطه حسين، وبين الفئة المحافظة والمقاومة للغزو الفكري الأجنبي، وهي الفئة التي كان يتزعمها مصطفى صادق الرافعي وعباس محمود العقاد والدكتور زكي مبارك".
&
الملك الداهية
&
لاحقًا ذهب الهوشان إلى مصر ضمن بعثة تعليمية، والتحق بكلية الحقوق بجامعة القاهرة، وتخرج منها عام 1955 وحاول الالتحاق بوزارة الخارجية، وهي أقصى ما كان يطمح إليه خريجو الحقوق والتجارة في ذلك الحين، لكنه لم يوفق، فقرر أن يتوجه إلى "أرامكو"، وكان من أول خمسة سعوديين قُبلوا ليكونوا من كبار الموظفين، وعندما أسست مصلحة العمل والعمال حضر إلى الدمام ومكثت فيها حتى العام 1958، ثم انتقل إلى الرياض وأصبح أول رئيس لمصلحة التقاعد التي أنشئت في ذلك العام.
&
عام 1961 ذهب إلى فرنسا لإكمال دراسته العليا، وحصل على دبلوم في الدراسات العليا من جامعة "بواتييه"، ثم عاد إلى باريس وأكمل دراسة الدكتوراه في جامعة باريس الأولى "السربون"، وكان أول طالب سعودي يحصل على إجازة "دكتوراه الدولة في الحقوق" من هذه الجامعة، بل ومن فرنسا بشكل عام. وفي العام 1965 انتدب للعمل في منظمة الدول المصدّرة للبترول (أوبيك) في فيينا ومكث فيها قرابة العامين كرئيس لقسم الدراسات المتخصصة، ثم عاد إلى الرياض لمواصلة عمله في مصلحة التقاعد، وفضل العمل كأستاذ مساعد في كلية التجارة بجامعة الملك سعود، وقام بتأليف مجموعة من المحاضرات ضمن كتاب "مبادئ علم الأنظمة"، وقد سلك فيه مسلكاً غير مسبوق، بحيث جعله عبارة عن دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الفرنسي والقانون الأنجلو أميركي.
&
يروي الهوشان، في حوار مع مجلة اليمامة السعودية، إحدى القصص التي سمعها عن الملك عبد العزيز أثناء زيارة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين إلى السعودية، فيقول: "أراد حسن البنا من قدومه للحج ذلك العام أن يطلب من الملك عبد العزيز بأن يسمح له بإنشاء فرع للإخوان في المملكة، فقال له الملك الداهية: ألم تعلم أني وجميع شعبي من الإخوان المسلمين، وأن جميع المملكة فرع من جماعة الإخوان، وهل لا ترضى بي رئيساً لهذا الفرع؟"، وأضاف: "هكذا تغلب دهاء الملك على طموح مؤسس الإخوان".

&