بدأت تنتشر في اسواق بغداد حاليا سلال (الكمأ) بشكل ملفت وصار من الطبيعي أن تشاهد المواطنين يقفون عنده وينظرون اليه بشيء من التأمل والسؤال عن سعر بيعه الذي وصل الى 50 دولارا فهذا هو موسمه الذي يأتي فيه زائرا لاقل من شهرين في السنة.
&
رزق وشفاء للعيون
&
ولا تفارق الدهشة الكثير من المواطنين وهم يتوقفون عند باعة (الكمأ) او ما يسمى كذلك (الفقع) وعلى الفور تجدهم يسألون عن فوائده التي منحته هذا السعر الغالي جدا والذي يصل احيانا الى 50 دولارا للكيلو غرام الواحد لبعض انواعه مثل الخلاسي (الحرق)، التي يتم جنيها من الصحاري حيث الكثبان الرملية، وهذه الاماكن &يهرع اليها الفقراء والعاطلون عن العمل ليصيبوا ربحا منها ويعدون ذلك منة من الله وباب رزق لهم، فيما لا يعرف الكثيرون فوائده التي من اهمها شفاء امراض العيون.
&
في بغداد وفي مناطق مختلفة منه الان فأن الكمأ هو (البضاعة) التي تمثل علامة فارقة بين الفواكه والخضر، يعرض على عربات او يفرش على الارض بشكل يغري العابرين للتطلع اليه والاستفسار عن سعره ومن ثم اجراء محاولات لتقليل السعر او شراء نصف كيلو من النوع الجيد او كيلو من الحجم الصغير، فيما البائع يحاول اغراء البعض بشراء الاقل سعرا لانه من النوع غير الجيد، وفي اغلب الاوقات تراه وكأنه يتباهى ببيع الكمأ لاسيما وهو ينادي (ذهب يا جمه / الكلمة باللهجة العامية) .. وحين سألت احد الباعة عن بيعه اليومي قال: (خير والحمد لله ) لكنه استدرك قائلا : الفقراء يتفرجون بحسرة فيما الاغنياء يشترونه، فقد اضر زمن التقشف الحالي ببيعه فهناك القليلون الذين يشترونه وخاصة الذين يعرفون فوائده والذين تعودوا على شرائه كل سنة، ولا اخفي عليك البعض اعتقده بطاطا!.
&
بادية السماوة الجنوبية مصدر الكمأ
&
بائع اخر قال عن مصدر الكمأ الذي يبيعه: من صحراء السماوة الجنوبية، لان باديتها ارض يعشقها الكمأ بعد ان حرمتنا الظروف من الحصول على كمأ المنطقة الغربية في اشارة الى سيطرة تنظيم داعش عليها والعمليات العسكرية الجارية فيها. وحين سألته عمن يشتري منه الكمأ قال :كل مكونات الشعب العراقي، ثم اردف: الكمأ موسمي وهناك اناس ينتظرونه فيشتروه مهما كان ثمنه لانهم يعرفون قيمته وهناك من يعتبره من باب تغيير الاكل فمرة في السنة لا تؤثر على ميزانية البيت ثم ان فيه فوائد لو يعرفها الناس لاشتروه كلهم / فسألته مشاكسا : وهل تعرف ما فوائده ؟ فأجاب : نعم يحمي القلب من الجلطة ويشفي العيون من الرمد.
&
وحين سألته عن الاسعار قال: انها تتراوح ما بين 10 الاف دينار (نحو 8 دولارات) الى 70 الف دينار (اكثر من 50 دولار)، وهذه الاسعار حسب نوعية الكمأ وحجمه فهناك ذو حجم كبير وهناك ذو حجم صغير وصغير جدا.
&
وفرة ومضاربات في البيع والشراء
&
سألت، جبار كريم، احد ابناء محافظة السماوة عن الكمأ عندهم هذه السنة فقال: بصراحة .. صار الداخل الى المحافظة لا يسمع الا حديث الكمأ ولا يرى الا اعدادا كبيرة منه على الارصفة وفي الاسواق بل وتقوم له ساحات بيع وتجار ومضاربون ومعاملات بيع وشرار وتصدير.
&
واضاف: قبل هذه الايام ومع البرق والرعد والامطار هب الكثير من مواطني المحافظة وسواهم الى البادية زرافات ووحدانا بحثا عن الكمأ، استقلوا سياراتهم وحملوا معداتهم وتسابقوا نحو المساحات الشاسة لبادية السماوة يقضون الليالي والايام ولا يوقفهم الا نفاد الطعام وكمية المحصول.
&
للتصدير ايضا
&
في بغداد توقفت عند بائع اخر فقال لي بعد حديث قصير عن خبرته في بيع الكمأ: انك تذكرني بما كنا عليه في مدينة (القائم) احدى مدن محافظة الانبار على الحدود السورية، فقد كنا نذهب بالعشرات مع متاعنا وخيامنا لمدة لا تقل عن اربعة ايام بلياليها بحثا عنه في اعماق الصحراء والى ما فوق منطقة (الرطبة) بـ 120 كم ونحمل ما نحصل عليه ويصل مبيعات البعض منها الى الملايين من الدنانير.
&
واضاف: الان لا اعرف حال الكمأ في ظل الظروف الامنية الصعبة هناك لكنني لا اعتقد ان الناس تجازف بحياتها خاصة مع العبوات الناسفة والمعارك الدائرة هناك . وتابع: اقسم انني التقيت شخصا من اهالي مدينة حصيبة الحدودية لا زلت احفظ اسمه (خالد رباح حبيب) وقال لي ان عمته اصيبت &قبل سنوات بالعمى فوصفوا لها ماء الكمأ كعلاج فتكحلت به فاستردت بصرها.
&
كما توقفت عند بائع شاب فقال : اتينا به من السماوة لان البادية هناك شهدت موسم امطار جيد جداً ولذلك كانت كميات (الكمأ) وفيرة وبعض التجار في بغداد ذهبوا الى هناك لشرائه باسعار يعتبرونها مناسبة لبيعها في بغداد بسعر يحقق له ارباحا جيدة بل ان بعضهم يصدرها لدول الجوار.
&
لحم الارض
&
يقول الاطباء ان للكمأ فوائد جيدة لصحة الإنسان لكن الكثيرين لايعرفون اهميته والغريب ان الجهات الصحية لا توضح للناس هذه الفوائد ، ومنها شفاء امراض العيون، وقد روى الطبري : كثرت الكمأة على عهد رسول الله فامتنع قوم عن اكلها وقالوا هي (جدري الارض) فبلغ الرسول (ص) ذلك فقال : ان الكمأة ليست هي جدري الارض، الا ان الكمأة من المن وماؤها شفاء للعين.&
&
كما ذكر العالم ابن سينا (ان ماء الكمأ يغلى ويبرد ثم يكتحل به كعلاج لامراض العين) .. فيما يؤكد احد الاطباء العراقيين ان الكمأ له قيمة غذائية عالية لانه يحتوي على البروتينات والدهون والكالسيوم والصوديوم والبوتاسيوم والنتروجين والهيدروجين والفسفور وفيتامين ــ ب ــ &والمواد النشوية وغيرها.
&
والكمأ.. نوع من الفطر ينمو تحت سطح الارض الى عمق 30 سم تقريبا في جماعات ، حجمه كروي لحمي رخو منتظم وسطحه املس او خشن وله انواع منها الزبيدي والخلاسي وهما الاجود وهناك (الاوبر) وهو الاردأ، ويختلف لونه من الأبيض إلى الأسود، ويكون في احجام تتفاوت وقد يصغر بعضُها حتى يكونَ في حجم حبَّة البندق، أو يكبُر ليصلَ حجم البرتقالة. وكان يسمى بـلحم الارض ﻻنه رخيص والفقير يشتريه مكان اللحم ولكن سعره الان اغلى من سعر اللحم! &
&
وقد عرف العرب الكمأ وكانوا يسمونه نبات الرعد لانه يكثر عند الرعد وتنميه الامطار، وهو مختلف عن النبات اذ لا جذور له ولا اوراق وينبت بلا تكلفة بذر ولا زراعة ولا سقاية وهو لا يزرع وكل محاولات زراعته باءت بالفشل &لانه (منة من الله الى عباده)، كما يقول عنه المتاجرون به.