باتت مدينة حمص القديمة، التي تغيّرت معالمها، بعد عشرين شهرًا من القصف والمعارك العنيفة بين الجيش السوري والفصائل المقاتلة، باتت مصدر إلهام للفنانين، ومسرحًا لأعمالهم على اختلاف مجالاتهم.


&

حمص: وسط الخراب والدمار في مدينة حمص في وسط سوريا، اختار جود سعيد أن يخرج فيلمه "مطر حمص" في صيف العام 2014، بعد ثلاثة أشهر على انسحاب الفصائل المقاتلة، بعد دفاعها بشراسة عن المدينة، وإجبارها على الخروج منها، بموجب تسوية إثر عامين من حصار خانق فرضه الجيش السوري.

بناء على الأنقاض
يقول سعيد (35 عامًا) لوكالة فرانس برس: "في نهاية العام 2013 كنا في صدد التحضير لفيلم يتحدث عن حصار ثلاث شخصيات، وكنا ننوي تصوير ذلك ضمن ديكورات سنقوم ببنائها لهذا الغرض، وفي اللحظة التي حصلت فيها الاتفاقية في حمص، نقلنا كل هذا الحدث إليها، إلى الديكور الحقيقي".
&
يعتبر سعيد أن حمص هي "المأساة الحقيقية، التي خلفناها نحن البشر، ولذلك بني (مطر حمص) للأسف كسيناريو على أنقاض هذه المدينة". وأطلق معارضو الرئيس السوري بشار الأسد على حمص لقب "عاصمة الثورة" لكونها شكلت ساحة احتجاج ضد النظام منذ منتصف آذار/مارس 2011 لتتحول بعدها إلى ساحة معارك عنيفة بين الطرفين.
&
وبات الجيش السوري منذ بداية أيار/مايو 2014 يسيطر على مجمل هذه المدينة، بعد انسحاب حوالى ألفي عنصر من مقاتلي الفصائل من أحيائها القديمة بموجب تسوية بين ممثلين عنهم والسلطات إثر حصار خانق تسبب بمجاعة ووفيات. وفي أواخر العام 2015، بدأ تنفيذ اتفاق جديد لإخراج المقاتلين من حي الوعر، آخر نقاط سيطرتهم في هذه المدينة.
&
يسرد الفيلم أحداث الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحصار، من خلال عرض قصة امرأة وأختها الصغرى، اللتين انتهزتا فرصة أول عملية إجلاء للمدنيين في شباط/فبراير 2014 للدخول إلى المدينة القديمة بحثًا عن شقيقهما المفقود. وبقيتا هناك بمساعدة قسّ، تم قتله في وقت لاحق.
&
يروي المخرج، الذي حاز جائزة أفضل فيلم في مهرجان القاهرة السينمائي في العام 2015 عن فيلمه الآخر "بانتظار الخريف"، أن "حمص المدمرة كانت تعد جزءًا من شخصيات (مطر حمص) بمعنى أن هذا المنظر يلخص ما نحن كبشر قادرون على فعله من بشاعة".
&
أمضى فريق العمل نحو مئة يوم بين أنقاض هذه المدينة، التي تخلو من أي مظاهر حياة، باستثناء وجود عناصر الجيش فيها. ويقول سعيد "تروي هذه المدينة ذاكرة أهلها، الذين تفرّقوا، وبقيت هذه الأحجار المدمرة تحمل أسماءهم وآلامهم ودموعهم". يتابع: "نحن، السوريين كلنا، مسؤولون عن مأساتنا. لا يهمّ من قام، أين وكيف، وعلينا إيجاد الوسائل للتعافي من جروح أرواحنا وأحجارنا".
&
زواج وسط الدمار&
تعكس يارا عيسى (26 عامًا)، التي روّعها ما حدث في المدينة، كل ما تشعر به تجاه حمص في لوحاتها. تقول "كان جو الموت واضحًا جدًا في حمص، أشخاص يقتلون، وشهداء وتفجيرات وقذائف، كان هناك دمار إنساني، وبدأت برسم ما شاهدته، والتعبير عن ذلك باستخدام الألوان الباردة التي ترمز إلى الحزن".
&
اضطرت هذه الشابة المتحدرة من حي باب السباع في المدينة القديمة للانتقال إلى دمشق، بعدما دمّر منزلها و"جميع الأماكن" التي كانت ترتادها. تقول يارا إن الفنان السوري يرسم "كي نذكر العالم بعد الحرب ماذا حدث لنا، أريد أن يكون ذلك موجودًا، لأننا مررنا بمرحلة صعبة جدًا، ولكي أبقى على تواصل مع الماضي".
&
بنية الحب التحتية
واختار جعفر مرعي بدوره الدمار في مدينة حمص وواجهات الأبنية المدمرة خلفية لصور يلتقطها لعروسين يحتفلان بزواجهما، الفتاة في فستانها الأبيض والشاب في بدلته. يقول مرعي إنه صوّر ثلاث حفلات زفاف وسط الأماكن المدمرة، ويروي "اقترحت عليهم (العرسان) أن نقوم بالتصوير في مكان مدمر، ولدى سؤالي عن السبب أجبتهم بأننا نريد أن نظهر للعالم كله أننا صامدون، ولا نستطيع إعمار سوريا إلا بالحب".
&
يعزو هذا المصور (22 عامًا) الذي لا يخفي ولاءه الشديد للنظام، سبب الدمار إلى "الإرهاب"، معتبرًا أن الجيش السوري أدى بواجبه عندما أعاد السيطرة على حمص بالقوة.
&
التقط الشاب صور آخر حفل زفاف بين الحطام منذ أيام عدة، حين صوّر العروسين، الضابط في الجيش السوري حسن يوسف (27 عامًا)، ورنا (18 عامًا). وتقول رنا: "وافقت على التقاط الصور في هذا المكان التعيس والحزين، لكي يرى أولادي صور الزفاف في يوم ما، وأروي لهم أنه رغم الحزن والدمار الحياة مستمرة"، مكررة بدورها أيضًا أن "سوريا لا تعمّر إلا بالحب".
&
&