بين اللاتينية والعربية والأمازيغية... اندلعت خلافات في الجزائر حيال شكل الحرف، الذي ستدوّن به اللغة الرسمية الجديدة، التي أقرّها الدستور أخيرًا، بعد عقود من المطالبات.


عبد الحفيظ العيد من الجزائر: ما إن أنهى البرلمان الجزائري الأحد الماضي الجدل، الذي طال لسنوات حول ترسيم الأمازيغية، بالمصادقة على الدستور الجديد، الذي رقاها إلى لغة وطنية ورسمية، حتى أثير جدل آخر حول الحرف الذي ستكتب به، فانقسمت الآراء بين مطالب بكتابتها بالحرف العربي، وآخر باللاتيني، وثالث بالتيفيناغ... الحروف الأصلية للغة الأمازيغ.
&
وبعد سنوات من المطالبة بدسترة الأمازيغية كلغة رسمية في الجزائر، أدرج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تعديلًا جديدًا يتضمن ترسيمها، بعدما قام في تعديل 2001 الدستوري بترقيتها إلى لغة وطنية، وأبقى وقتها على العربية اللغة الوطنية والرسمية الوحيدة.
&
مجمع لغوي
جاء في المادة 3 من الدستور الجزائري، بعد التعديل الذي صودق عليه الأحد الماضي من طرف البرلمان، أن "اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية وتظل اللغة الرسمية للدولة".
&
ونصت المادة 3 مكرر "تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية، تعمل الدولة على ترقيتها وتطويرها بكل تنوعاتها الألسنية المستعملة عبر التراب الوطني". تقول المادة نفسها "يُستحدث مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية، ويستند المجمع إلى أشغال الخبراء، ويكلف بتوفير الشروط اللازمة لترقية تمازيغت بقصد تجسيد وضعها كلغة رسمية في ما بعد، وتحدد كيفيات تطبيق هذه المادة بموجب قانون عضوي".
&
اختلفت الآراء في ترقية اللغة الأمازيغية حول الحرف الذي سيساهم في تطويرها لتصل بحق إلى لغة رسمية قانونًا وتطبيقًا. ويرى رئيس الكتلة البرلمانية لتكتل الجزائر الخضراء نعمان لعور أن تحديد ذلك من مهمة أهل الاختصاص والخبراء، الذين بإمكانهم الخروج بنتائج أكاديمية ترسم طريق ترقية اللغة الأمازيغية.
&
وقال لعور لـ"إيلاف" إن "الدراسات هي من ستفضي إلى إقرار الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية، لأن المسألة في الأول والأخير قضية أكاديمية، وليست سياسية".
&
أضاف "يجب أن تكتب بالحرف العربي أو بالتيفيناغ، لأن الحرف يشير إلى بعد أيديولوجي معيّن، فالحرف اللاتيني هو توجّه إلى الفرانكفونية، وكتابتها باللغة العربية هو توجه نحو البعد العربي الإسلامي. أما كتابتها بالتفيناغ فهو رجوع إلى الأصول".
&
وأوضح أن الأمازيغية تكتب في كل منطقة بحرف معيّن "في منطقة الشاوية في شرق الجزائر تكتب بالحروف العربية. أما في الجنوب فقبائل الطوارق يكتبونها بحرفها الأصلي التفيناغ. أما من يريد كتابتها بالحرف اللاتيني فهي جهة وحيدة معروفة أطروحاتها".
&
اللاتينية باب التطور
أما الروائي والسنيمائي رضا عمران فيرى أن الحرف الأنسب لكتابة اللغة الأمازيغية هو الحرف اللاتيني، معللًا رأيه بالقول: "إن معظم البحوث التي أجريت في مجال اللغة الأمازيغية كتبت بالحرف اللاتيني".
&
وقال عمراني لـ"إيلاف" إن "مولود معمري الذي بحث في هذا المجال منذ الأربعينات اعتمد على الحرف اللاتيني، لكونه القادر على احتواء هذه اللغة".
ومولود معمري هو روائي وباحث في اللسانيات توفي عام 1989، وهو من أبرز نشطاء الحركة البربرية في الجزائر.
&
أضاف أن "الحرف اللاتيني هو الوحيد الذي بإمكانه إيصال الأمازيغية إلى العالمية، فهل يعقل أن نعود إلى الوراء، ونكتب تمازيغت بالعربية، في حين أن البحوث تقدمت في تدوينها بالحرف اللاتيني".
&
منحى فرنسي
وأشار عمراني إلى أن كل عروضه المسرحية والسينمائية المقدمة باللغة الأمازيغية مكتوبة بالحرف اللاتيني كمسرحيتي "النداء" و"المعدوم". لكن البرلماني نعمان لعور يرى في التبريرات، التي يقدمها التيار الذي يمثله عمراني، غير مقنعة. وقال "من يؤكد أن جميع البحوث أنجزت بالحرف اللاتيني، وحتى إن صح ذلك، فهذه الدراسات الجديدة، لكن اللغة الأمازيغية ليست وليدة اليوم، فهي ضاربة في التاريخ، ولها بحوث قديمة".
&
وبيّن لعور أن المدافعين على هذا الطرح تقف وراءهم الأكاديمية البربرية في فرنسا، هذه الأخيرة التي تحاول بكل الطرق الحفاظ على وجود لغتها في جميع مناحي حياة الجزائريين.
&
العربية ولا سواها
أما حسن عريبي النائب عن جبهة العدالة والتنمية في البرلمان الجزائري فيقول لـ"إيلاف" إن الحروف العربية هي الأصلح لكتابة اللغة الأمازيغية. وترى جبهة العدالة والتنمية، التي يرأسها عبد الله جاب الله، أن التاريخ يؤكد أن اللغتين العربية والأمازيغية عاشتا وتعاونتا معًا على الحفاظ على الهوية الجزائرية الإسلامية عبر التاريخ.
&
وقال جاب الله في تصريحات سابقة "إن من مكنوا للعربية وللإسلام هم الأمازيغ، ولو كانوا يريدون الانتصار للأمازيغية لفعلوا"، مذكرًا أن علماء الأمازيغ كبن غبريني (توفي سنة 668 هجري) كانوا يكتبون بالحرف العربي. رفض جاب الله، جملة وتفصيلًا، اللجوء إلى الحرف اللاتيني لكتابة الأمازيغية، وأوضح أن "كتابتها بالحرف اللاتيني سيمهد لتمكن الفرنسية أكثر في الجزائر، ومن شأن ذلك أن يحدث شرخًا داخل أبناء الوطن الواحد".

لا ضير باعتماد التيفياغ
لا يرفض جاب الله كتابة الأمازيغية بحروفها الأصلية التيفيناغ، رغم إصراره على أن الحرف العربي هو الأصل. لكن سعيد عامر أستاذ علوم اللّغة في جامعة مولود معمري في تيزي وزو (منطقة القبائل) فيلحّ على كتابتها بحرف التيفيناغ تجنبًا للخلاف الدائر حاليًا. وقال عامر في تصريحات صحافية: " يجب أن تحترم الأمازيغية كلغة، وأن تعود إلى أصلها وحرفها الأصلي التيفيناغ".
&
وشدد عامر على الإسراع في تأسيس مجمع يسهر على وضع قواعد لهذه اللغة بالنظر إلى احتوائها على لهجات عدة (القبائلية، الشاوية، الميزابية، الطرقية، الشلحية) بهدف وضع منهاج موحد يرجع إليه الجميع. وبهدف تسريع تعليم الأمازيغية في المدارس الجزائرية، أعلنت وزيرة التربية نورية بن غبريت تعميم تدريس اللغة الأمازيغية عبر 32 ولاية بحلول الموسم الدراسي المقبل.
&
وقالت بن غبريت إن "الدولة الجزائرية تولي اهتمامًا بالغًا باللغة الأمازيغية، من خلال إدراجها لغة رسمية في الدستور الجديد، وباعتبارها تعكس الهوية الوطنية".&
&
يذكر أن اللغة الأمازيغية من اللغات الأفروآسيوية، ولا تتوافر إحصاءات رسمية عن عدد المتحدثين بها في الجزائر، لأن الإحصاء السكاني لا يتم على أساس عرقي، غير أن بعض التقارير تقول إن عدد الأمازيغ يصل إلى نحو 6 ملايين في الجزائر أو أكثر، وينتشرون في منطقة القبائل (وسط البلاد) والأوراس (شرق الجزائر) إضافة إلى الميزابيين والطوارق (جنوب البلاد).
&