اجتاحت الثورات العربية تونس ومصر، فأنتجا الدولة الثانية فيهما بدستورين جديدين، طالت التعديلات الدستورية ما بعد الثورات العلاقة بين مكونات السلطة، وبينها وبين الشعب، وتطور الأمر إلى اختلاق تعبير "الدستورانية" للدلالة على قيود متصلة بممارسة أطراف الحكم هذا الحكم، وتوزع السلطات والصلاحيات والمسئوليات.

&
أحمد حسن من القاهرة: للوقوف حول مدى تحقيق الدستور في مصر أمل وطموحات الشعب بعد ثورتين، طرحت "إيلاف" بعض علامات الاستفهام، من أهمها أبرز التعديلات التي أدخلت على الدستور في مصر تأثرًا برياح الربيع العربي؟، وما لم يتغير في هذا الدستور؟، وأي علاقة نسج الربيع العربي بين الحاكم والمحكوم في مصر، وما هي أهمية الدستور في التحول الديمقراطي في دول الربيع العربي؟، وما كان دور الدستور في ضبط عملية هذا التحول، بالسلب أو الإيجاب، في مصر؟، وهل رفعت الثورات من شأن الدساتير في مصر، بعدما كان مطية السلطات السابقة؟.
&
قراءة سريعة&
أشار الدكتور فؤاد عبد النبي، أستاذ القانون الدستوري في جامعة المنوفية، إلى أنه وفق قراءة سريعة بين دستور 1971م و2012م و2014م نستنتج الفروق الآتية في عدد مواد نصوص الدستور بعد الربيع العربي: ففي دستور 1971م عدد نصوص مواده 211 نص، وعدد نصوص دستور 2012م كانت 236، بينما عدد نصوص دستور 2014م كانت 247، والجديد في دستور2014م أنه استحدث 68 مادة، وعدل 96 مادة، ونقل من دستور 71 ودستور 2012 م عدد 83 مادة ليكون في النهاية 247 مادة.&
&
ويعد من أهم نصوصه: "التزام الدولة بتوفير الأمن والأمان والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أراضيها، والكرامة حق لكل إنسان ولا يجوز المساس بها، والتعذيب بجميع صوره وأشكاله جريمة لا تسقط بالتقادم، والحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلًا ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأي قانون ينظم مباشرة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها، ومن حق أي مواطن أن يكون رئيسًا للبلاد، أي من الكوخ إلى قصر القبة، ومدة رئاسة الرئيس مؤقتة حددها بـ 4 سنوات، ولا تزيد على 4 أعوام أخرى، وسحب الثقة من الرئيس أي الرقابة السياسية، إضافة إلى الرقابة الجنائية في حالة انتهاكه للدستور، ووجود فرع كامل للهيئات والأجهزة الرقابية لمكافحة الفساد".
&
اختلال العلاقة&
أما بشأن ما لم يتغير في دساتير هذه الدول، فقال الدكتور عبد النبي ﻟ"إيلاف": "إن توغل الرئيس في كل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية والأجهزة العليا للانتخابات والأجهزة الرقابية والمجالس القومية وتعديل الدستور من دون مسؤولية على رئيس الدولة عملًا بمبدأ مسئولية الحكومة أمام البرلمان".
&
وعن العلاقة بين الحاكم والمحكوم أشار إلى أن "العلاقة اختلت لصالح المحكوم؛ لأن أنيابه (المحكوم) أشد فتكًا عندما تقتضي الضرورة، مؤكدًا على أهمية الدستور، باعتباره الطريق إلى الحرية والديمقراطية والعيش والكرامة الإنسانية، فدائمًا منزلة الدستور بالإيجاب، والأمر في النهاية يتوقف على مدى قدرة الحاكم والمحكومين على فهمه، ونحن مازلنا نعيش التجربة".
&
وعن مدى قيام الثورات بالرفع من شأن الدساتير في مصر، بعدما كانت مطية السلطات السابقة؟، يعتقد الفقيه الدستوري أنها أحدثت نقلة وطفرة لدى كل من الحاكم والمحكومين من حيث معرفة ما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات تجاه الوطن.
&
سبب مباشر&
في السياق عينه قال الدكتور صلاح فوزي، أستاذ القانون الدستوري وعضو لجنة العشرة لوضع الدستور: "إن رياح الربيع العربي التي حدثت في مصر كانت سببًا مباشرًا في خروج دستور 2014م، فقد تم إقرار نظام حكم شبه رئاسي، أعيدت معه بعض الاختصاصات إلى الرئيس بشكل متوازن، مع تشديد إجراءات محاسبته و محاكمته، كما تناول الجديد بالنسبة إلى تشكيل الحكومة، حيث إن تشكيل الحكومة يمر بثلاث مراحل أولها: أن يختار الرئيس رئيسًا لمجلس الوزراء ويكلفه بتشكيل الحكومة، وإذا لم تحصل على ثقة مجلس النواب، فالمرحلة الثانية أن يكلف الرئيس رئيس الوزراء بترشيح من الحزب أو ائتلاف الأكثرية، ويعد مجلس النواب منحلًا حال عدم حصول الحكومة على الثقة".&
&
أضاف "وفي مقابل الصلاحيات الأخيرة للرئيس في ظل تعديلات 2014 م، شدد الدستور على محاسبته من قبل البرلمان، بحيث استحدث جريمة انتهاك أحكام الدستور ضمن الجرائم التي تعفي الرئيس من منصبه، فضلًا عن جريمة الخيانة العظمى والجرائم الجنائية، وبينما لم يحدد دستور 1971 م طريقة تشكيل المحكمة الخاصة برئيس الجمهورية، وتركها للقانون، فقد أقر دستور 2012م وتعديلاته هذه الطريقة في صلب المواد، على أن يرأس هذه المحكمة رئيس مجلس القضاء الأعلى؛ لتصبح لدينا آلية دستورية فعالة لمحاكمة الرئيس، هذا وقد سمحت التعديلات الأخيرة (وللمرة الأولى) بإمكانية سحب الثقة من الرئيس عبر البرلمان، وبعد الاستفتاء، على أن يحل البرلمان في حالة رفض الشعب سحب الثقة".
&
حقوق المرأة
"كما جاءت وثيقة الدستور بإيجابيات غير مسبوقة، وخاصة في مواد الحقوق والحريات والمرأة والطفل والصحة والتعليم والبحث العلمي وإقرارها لنظام الضرائب التصاعدية، وكذلك ما نص عليه من التزام بالاتفاقيات والمواثيق الدولية في مجال حقوق الإنسان".
&
وعن أهم النصوص التي لم تتغير في دستور مصر رغم قيام ثورتين، ذكر الدكتور صلاح فوزي على رأس تلك النصوص المادة الثانية، والتي تنص على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيس للتشريع"، وكذلك النصوص الخاصة بحصانة القضاء، خصوصًا ما يتعلق بالمحكمة الدستورية، حيث نص الدستور في المادة 191 على أن: "المحكمة الدستورية العليا جهة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، وتكون لها موازنة مستقلة، يناقشها مجلس النواب بكامل عناصرها"، وأبقى الدستورعلى استقلال القوات المسلحة، حيث نصت المادة 200 من دستور 2013م على أن: "القوات المسلحة ملك للشعب، مهمتها حماية البلاد، والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها"، وذكرت المادة 201 أن: "وزير الدفاع هو القائد العام للقوات المسلحة، ويعيّن من بين ضباطها".
&
أسس التحول&
وعن &دور الدستور في ضبط عملية هذا التحول، بالسلب أو الإيجاب، في مصر، أوضح عضو لجنة تعديل الدستور، أن الدستور في مصر وضع أسس التحول الديمقراطي، ولكن حتى الآن من الصعب الإجابة عن التساؤل السابق؛ لأن كل القوانين المكملة للدستور لم تخرج إلى النور بعد، لتأخر انتخاب مجلس النواب، وتفعيل الدستور لعملية التحول الديمقراطي يتطلب الانتظار، لنرى شكل القوانين المكملة للدستور، وكيفية تنفيذها، ما دون ذلك فالدستور حاليًا لم يقم بأي دور في ضبط عملية التحول.
&
وأكد الخبير القانوني أن ثورتي يناير ويونيو رفعتا بشدة من شأن الدساتير في مصر، بعدما كانت مطية السلطات السابقة، فللمرة الأولى يتم عمل دستورين وأكثر من إعلان دستوري خلال خمس سنوات فقط، وهذا دليل قوي على سعي الشعب إلى الوصول إلى دستور يحقق مبادئ الثورات، والتحول الديمقراطي وتحقيق الشعارات التي خرج من أجلها الشعب، وهي "عيش – حرية – عدالة اجتماعية"، فثورة يناير قضت على دستور 71 الذي حصر جميع السلطات في يد الرؤساء، من السادات حتى مبارك، وثورة 30 يونيو قضت على دستور الإخوان، الذي كان سيدمر البلاد، ويزرع صراعًا طائفيًا داخل المجتمع المصري.
&
&