دقت منظمة هيومن رايتس ووتش الدولية ناقوس خطر كارثة تواجه مدينة الفلوجة العراقية التي تعاني حصار القوات الحكومية ومنع سكانها من مغادرتها بحيث إن 140 شخصًا أغلبهم مسنون وأطفال قد توفوا بسبب نقص الغذاء والدواء داعية السلطات إلى السماح بسرعة بدخول المساعدات إلى المدينة وتنظيم داعش بالسماح للمدنيين بالمغادرة.

لندن: أكدت المنظمة الدولية أن سكان مدينة الفلوجة في محافظة الانبار الغربية والمحاصرة يتضورون جوعا ما يتعين على قوات الحكومة العراقية السماح بسرعة بدخول المساعدات إلى المدينة، وعلى تنظيم "داعش" المتطرف، المعروف بـ "داعش"، والذي استولى على المدينة أوائل عام 2014 السماح للمدنيين بالمغادرة.

وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة إن "سكان الفلوجة يواجهون الجوع بسبب الحصار الذي تفرضه الحكومة وداعش وعلى الأطراف المتحاربة ضمان وصول المساعدات إلى المدنيين".

قطع طريق الامدادات

ونقلت المنظمة عن ثلاثة مسؤولين عراقيين قولهم إن القوات الحكومية قطعت طرق الإمدادات إلى المدينة (60 كم غرب بغداد) منذ أن استعادت منطقة الرمادي القريبة، عاصمة محافظة الأنبار، أواخر كانون الأول (ديسمبر) عام 2015، ومنطقة الجزيرة الصحراوية شمالي الفلوجة في آذار (مارس) عام 2016 وحيث لا يزال عشرات الآلاف من المدنيين عالقين في المدينة التي يزيد عدد سكانها على 300 ألف نسمة.

وأشارت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها اليوم اطلعت على نصه "إيلاف" انها لم تتمكن من الوصول إلى الفلوجة، وصار من الصعب جدا الحصول على معلومات من السكان المتبقين نظرا لحظر داعش استخدام الهواتف المحمولة والإنترنت وحيث يمكن للسكان أحيانا التقاط إشارات خلوية ليلا، حيث يردون على بعض رسائل النشطاء الحقوقيين في بغداد والذين حصلت منهم المنظمة على معلوماتها. لكنها اوضحت انها تمكنت مؤخرا من التحدث مع أحد سكان الفلوجة و7 آخرين من المنطقة على اتصال مع مقيمين هناك.

وأشارت إلى أنّ نشطاء عراقيين على اتصال بعائلاتهم في الفلوجة أكدوا أن الناس باتوا يتناولون الخبز المصنوع من نوى التمر وحساء العشب فيما يُباع ما تبقى من الطعام هناك بأسعار باهظة. وقال أحد السكان إن كيس 50 كيلوغراما من الطحين يباع بسعر 750 دولارا، وكيس السكر بـ 500 دولار، بينما في بغداد، على بعد 70 كيلومترا شرقا، تباع الكمية &نفسها&من الدقيق بـ 15 دولارا والسكر بـ 40 دولارا.

وفي أواخر الشهر الماضي قال مصدر طبي في الفلوجة لـ هيومن رايتس ووتش إن المستشفى المحلي يستقبل أطفالا جوعى بشكل يومي، ومعظم المواد الغذائية لم تعد متوفرة مهما كان ثمنها.

وفاة 140 فلوجيا بسبب نقص الغذاء والدواء

وزوّد مسؤول عراقي، في اتصال مع بعض عائلات الفلوجة، المنظمة بقائمة من 140 شخصا، أغلبهم مسنون وأطفال، قال إنهم لقوا حتفهم خلال الأشهر القليلة الماضية بسبب نقص الغذاء والدواء لكنه لم يرغب في نشر أسماء القتلى خوفا من أن يعاقب داعش، الذي يمنع الناس من الاتصال بخارج المدينة، أقاربهم.

وقد سعت حملة جديدة باسم "الفلوجة تقتل جوعا" إلى لفت الانتباه إلى تأثير الحصار وفي أحد مقاطع الفيديو التي قدمها نشطاء مقيمون في بغداد تظهر امرأة مجهولة الهوية تقول إنها من الفلوجة وأن أولادها يموتون جوعا لعدم وجود الأرز أو الطحين - أو حتى التمر المحلي - مع نفاذ طعام الأطفال من المشافي.

كما عرض حساب فيسبوك "فلوجة مدينتي" شريط فيديو في 23 من الشهر الماضي تظهر فيه جثث هامدة في الماء. وقال نشطاء في بغداد، إنه يُظهر أما أغرقت نفسها مع طفليها لأنها لم تستطع العثور على الطعام حيث أيّد ناشط آخر من الفلوجة، مقيم الآن في كردستان العراق، ما جاء في الحساب بناء على معلومات من أقاربه ممن ما زالوا في الفلوجة.

وقال "برنامج الأغذية العالمي" في 24 من الشهر الماضي إنه "يشعر بالقلق إزاء حالة الأمن الغذائي في الفلوجة المحاصرة، مع عدم توفر المواد الغذائية في الأسواق".

وقال مسؤولان عراقيان ومصادر أخرى إن القوات العراقية الحكومية و"قوات الحشد الشعبي"، وهي قوة مساعدة شبه عسكرية، منعتا وصول شحنات المواد الغذائية وغيرها من السلع إلى المدينة كما لم تستجب وزارة الدفاع وقيادة العمليات المشتركة في بغداد ولجنة التعبئة الشعبية لطلبات هيومن رايتس ووتش بالحصول على تعليق.

تصاعد إعدامات داعش للسكان

وأكدت المنظمة أن المدنيين داخل الفلوجة لم يتمكنوا من مغادرة المدينة وقال محام عراقي لديه اتصالات هاتفية مع مقيمين في المدينة إن داعش أعدم في 22 من الشهر الماضي رجلا لمحاولته المغادرة قبل يوم. وأضاف "ذهب الرجل مباشرة إلى نقطة تفتيش لـ داعش قائلا إنه يريد المغادرة لأنه لا يستطيع تحمل الوضع أكثر.. اقتاده داعش إلى المدينة وأعدمه".

وأبلغ 3 أشخاص، على تواصل مع الفلوجة، هيومن رايتس ووتش أواخر شباط (فبراير) الماضي أن داعش أعدم عائلة حاولت المغادرة ولما ثار أقاربها ضد داعش، سُجن منهم أكثر من 100 رجل. وأكد صحافي لديه مصادر داخل الفلوجة أن داعش يمنع الناس من المغادرة ويعاقبهم على ذلك. وفي 30 من الشهر الماضي قالت قوات الحشد الشعبي إن داعش أعدم 35 مدنيا في الفلوجة لمحاولتهم الهرب.

وعلق جو ستورك على ذلك قائلا "يُظهر تنظيم داعش تجاهلا تاما لحماية المدنيين في الصراعات. عليه ألا يضيف تجويع الناس لسجله البائس، وأن يسمح فورا للمدنيين بمغادرة الفلوجة". ومن جهتها قالت ليز غراندي، نائب ممثل الأمم المتحدة الخاص في العراق، في 20 شباط (فبراير) الماضي "يحاول الناس مغادرة المدينة، لكنهم ممنوعون من ذلك".

وقال مسؤول محلي في 25 من الشهر الماضي إن الحكومة فتحت 3 طرق لخروج المدنيين من الفلوجة، وهو ما أكده محافظ الأنبار صهيب الراوي لكنه مع ذلك، قال نشطاء في بغداد إن داعش ما زال يمنع المدنيين من المغادرة.

قوانين الحرب تمنع تجويع المدنيين

واضافت هيومن رايتس ووتش ان قوانين الحرب لاتمنع حصار القوات العسكرية المتحاربة إلا انها تحظر تجويع السكان المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب، وتعتبره جريمة حرب ولذلك فإن على الجانبين أيضا اتخاذ جميع الخطوات الممكنة لإخلاء السكان المدنيين من المناطق المجاورة للأهداف العسكرية.

وأشارت ايضا إلى أنّه يُحظر على أطراف النزاع مهاجمة المواد التي لا غنى عنها لحياة السكان المدنيين، مثل المواد الغذائية والإمدادات الطبية والمناطق الزراعية ومرافق مياه الشرب كما أن عليهم تسهيل تقديم المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق إلى جميع المدنيين المحتاجين ولا يجوز المنع المتعمد للمساعدات الإنسانية أو تقييد حرية حركة موظفي الإغاثة الإنسانية.

الصورة الانسانية تزداد قتامة في الفلوجة

وأكدت هيومن رايتس ووتش أن المدنيين في الفلوجة تضرروا كثيرا بسبب القتال.. وبحسب سكان محليين، نفذت الحكومة هجمات بالطائرات والمدفعية أسفرت عن مقتل مدنيين. وذكر جيران لأحد سكان الفلوجة سابقا أنه يوم 27 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي قتلت القنابل 12 شخصا في الحي الذي يسكن فيه، بينهم 9 أطفال.

وابلغ قريب أحد موظفي المستشفى هيومن رايتس ووتش إن قنابل جوية أصابت مشفى الأطفال في الفلوجة في 13 آب (أغسطس) الماضي ما أسفر عن مقتل عدة أشخاص. وقال مصدر طبي في المدينة - قالت هيومن رايتس ووتش انها لم تستطع التأكد منه - إن 5769 مقاتلا ومدنيا أصيبوا منذ كانون الثاني (يناير) عام وقُتل 3455 آخرون ربعهم نساء وأطفال.

وقال جو ستورك ان "الصورة الإنسانية في الفلوجة قاتمة وتزداد قتامة وهناك حاجة لمزيد من الانتباه الدولي للبلدات والمدن المحاصرة وإلا فإن المدنيين سيواجهون نتائج كارثية". ويأتي هذا التقرير في وقت تزداد معاناة المحاصرين في الفلوجة من أقسى ظروف إنسانية تشهدها في تاريخها نتيجة عدم السماح لقوافل المساعدات بالوصول اليها.

ويهدد الموت جوعاً حوالى 150 الف شخص مازالوا يعيشون في أجواء إنسانية غاية في الصعوبة داخل مدينة الفلوجة التي يؤكد سكانها ان حوالي 40 شخصا أغلبهم من الأطفال والنساء وكبار السن يموتون في المدينة اسبوعيا بسبب نقص الغذاء والدواء.

ويحتل تنظيم داعش قضاء الفلوجة الذي يبعد 60 كيلومترا غرب العاصمة بغداد منذ مطلع عام 2014 وحولها إلى ولاية تابعة إلى دولته الاسلامية فيما تجري القوات العراقية استعدادات لانتزاع السيطرة عليها من قبضة التنظيم.