تبقى جرائم الاغتصاب جدلية على الرغم من بشاعتها، وتنقسم الآراء حولها بين مبرر للفاعل فعلته، ومتعاطف مع الضحية. هكذا جاءت نتائج استفتاء استدعى ردًا من فتيات في منطقة «ليون» الفرنسية.

خاص بـ«إيلاف» من باريس: تنتشر الأخبار عن جرائم الاغتصاب في وسائل الإعلام، ومعها الترويج لأفكار نمطية، تبرر للفاعل فعلته، وتلوم الضحية باعتبارها «هي لم تمانع، فلا بدّ أنها راضية»، أو «لو لم تثر غرائزه بلباسها، لما أقدم على اغتصابها».

جمل كهذه تندرج من دون شكّ في خانة التبرير. فهل من مبرّر للاغتصاب أو لتخفيف المسؤولية عن المغتصب؟

 

هل تستحق طريقة المرأة في اللباس الاعتداء عليها؟

 

لا ينحصر هذا الكلام في المجتمعات المحافظة أو المتديّنة فحسب، فقبل شهر تقريبًا أجرت مؤسسة فرنسية تعنى بمناهضة التعذيب والاعتداءات الجنسية استطلاعًا تبيّن من خلاله أن 19% من الفرنسيين يعتبرون أن النساء اللواتي يرفضن إقامة علاقة جنسية يكنّ في الواقع راغبات فيها، فيما يرى 21% أن المرأة قد تستمتع بالعلاقة حتى لو كانت غير راضية عنها. أكثر من ذلك، يعتقد 27% من المستَطلعين أن المسؤولية تكون أقلّ على المغتصِب في حال ارتداء الضحية ثيابًا يعتبرونها مستفزّة. 

هذه الأرقام والنسب وقعت كالصاعقة على الطالبة «كاميل البقال» وصديقاتها في مدرسة التجارة في "ليون" الفرنسية. ضمن أحد الصفوف، طُلب من الطلاب تنفيذ فكرة متكاملة خلال 24 ساعة تصل إلى أكبر عدد من الأشخاص وتترك أثرًا. تؤكّد البقال لـ «إيلاف» أن موضوع الدفاع عن المرأة يعنيها منذ صغرها، وأرادت مع زميلاتها تنفيذ فكرة في هذا الإطار خصوصًا أن الأرقام الواردة في نتائج هذا الاستطلاع صادمة. تقول «إذا كان هذا الوضع في فرنسا، فما تراه يكون في بلدان أخرى؟». 

بالنسبة إلى كاميل «موضوع الاغتصاب لا تبرير له، لا لباس ولا دين ولا أي شيء آخر. المغتصِب مريض. أردنا أن نعرف إن كانت هذه الأرقام صحيحة».

الشابات التسع في الفريق وقفن في وسط الطريق مرتديات ملابس متنوّعة بعضها «جريء» وبعضها الآخر محتشم وفضفاض، وحملن لافتات كُتب عليها: «هل تستحقّ طريقتي في اللباس أن تعتدي عليّ؟» و«مَن هي الأكثر جرأة بين تلك الشابات؟».

كان بإمكان المارّين إلصاق الأوراق الصغيرة الملوّنة على الشابة التي يعتبرونها «جريئة». وبطبيعة الحال، من لبست أقلّ حصلت على الحصّة الأكبر من الأوراق الملوّنة.


شريط فيديو التوعية عن آراء الناس بفرنسا في المسؤولية عن جرائم الاغتصاب ودور اللباس فيه:


تستغرب الشابات هذه النتيجة، وتسأل كاميل: «لِمَ لباس البحر لا يبدو جريئًا مثلًا؟». كاميل هي التي حصلت على أكبر عدد من الأوراق. عندما سألناها عن شعورها وهي واقفة في وسط الطريق بهذا اللباس، أجابت: «لا أخفي أنني لا أرتدي ثوبًا كهذا في حياتي اليومية، ولكن هذا اللباس لا يبرّر جريمة المغتصب».

 

مَن هي الأكثر جرأة بين تلك الشابات؟

 

تضيف: «كان ذلك صعبًا للغاية، أن ترى ردود فعل الناس، حتى بعد انتشار الفيديو. صعبٌ أن تسمع التعليقات وتقرأ الشتائم على فايسبوك أو على وجوه الناس. لكن رغم كلّ شيء أنا فخورة جدًا، لأن معظم ردود الفعل كانت في غاية الإيجابية وتلقينا الكثير من التشجيع، والأجمل أن نرى نساءً تجرّأن على طرح قصصهن بعد مشاهدة الفيديو».

تعتبر كاميل أن الرسالة وصلت بوضوح وهذا ما يهمّها خاصّة أن الفيديو انتشر بشكل واسع على صفحات فايسبوك ويوتيوب، وحصل على نسبة مشاهدة عالية جدًا خلال ساعات قليلة. وتخبر أن فريقها حصل على جائزتين من الجامعة. وتختم كلامها لـ"إيلاف" بالقول: «نتمنّى أن تكون هذه البداية، كي نستطيع نشر التوعية لاحقًا واتخاذ خطوات فعلية للحدّ من الاغتصاب. لا يجوز بعد الآن أن تشعر الضحية بأنها مذنبة، عليها أن تتحرّر».