دائمًا ما ابدى الغرب اهتمامًا ملحوظًا بملف الأقليّات في سوريا، لكنه اهتمام لا يشمل الأكثرية السنية التي تعاني من مظلومية كبيرة، وبالتالي تحوّل القلق حول مصير هذه الأقليات إلى مجرد ذريعة للتدخل، بحسب ما أوضح بعض السوريين لـ"إيلاف".

لندن: أصبح موضوع الأقليات أمرًا مثيرًا للجدل في سوريا، وخاصة عندما يحاول الغرب أن يظهر وكأنه حارسها في مواجهة الأكثرية التي لطالما تعايشت معها وعايشتها دون مشاكل، مما يجعل الأمور أكثر تعقيدًا وعلى أرض الواقع، حيث بدأت الاكثرية تشعر بالمظلومية، وأن أحدًا لا يهتم بها، بل انها باتت تفقد الوئام مع ابناء المجتمع الواحد باتجاه الحديث عن الفرق بين الطوائف والاثنيات في العالم العربي، فيما يترسخ تفكير المحاصصة والطائفية والتقسيم في العمق.

وفي هذا الإطار، اعتبر محمد خليفة، الكاتب والصحافي السوري، "أن الغرب خلال القرنين الماضيين اتخذ من مسألة الاقليات ذريعة ليتدخل في بلادنا، ولا يزال يظهر تعاطفه مع كل الأقليات ويهب لنجدتها، لكنه لا يكترث للغالبية".

كذبة كبيرة

وقال لـ"إيلاف" إن "الغرب اليوم يعبّر عن قلقه تجاه الاقليات المسيحية والعلوية والدرزية واليزيدية، ولا يهتم بما يصيب الغالبية السنية"، وأضاف: "هناك خوف في الغرب على العلويين وخوف على المسيحيين، وهناك دول غربية تدعو المسيحيين الآن للهجرة اليها بداعي الحرص عليهم"، معتبرًا بأن "هذه المقولة غير دقيقة ولا موضوعية، بل مفتعلة وفيها مبالغة واضحة". 

من جانبه، اعتبر حسن سعدون، الكاتب والمعتقل السياسي السوري السابق، في تصريح لـ"إيلاف"، أن حماية الاقليات لدى الغرب هي كذبة كبيرة.

وشدد على أن حماية الأقليات هي "كذبة لحماية النظام"، وقال: "اعتقد ان الغرب بهذا الادعاء ابقى الاقليات بعيدة الى حد ما عن المشاركة الفاعلة في الثورة"، وأضاف: "إن اعلام الائتلاف السوري واعلام المعارصة مقصر جدًا ولا يعتمد على مواكبة الاحداث والتركيز على بداية الثورة، وعلى وضع قيم عليا للثورة، أهمها أن الثورة السورية هي ثورة مجتمع يحتاج للحرية والكرامة ودولة القانون وحماية المواطنين وتنمية قدراتهم في ظل سيادة حقيقية لقانون ينتجه السوريون بعد الخلاص من معركة التحرير الآن"، وشدد أن "الثورة يجب ان تكون ثورة تجيّر لسوريا لانها احتلت من روسيا وايران وحزب الله".

رؤية للتغييرات

وقدّم الشاعر السوري منذر المصري رؤية للتغييرات الحاصلة في الاكثرية والاقلية في سوريا، وقال إنه "بقدر ما كانت الأكثرية تزدري الأقلية، وتعتبرها عنصراً زائداً عن الحاجة في المجتمع، بقدر ما يصير الخوف من الأكثرية كابوس الأقلية المسيطرة، ويصير شغلها الشاغل إضعافها، وتهشيمها، وذلك بالعمل على كسر قشرتها من الخارج، واختراقها والتأثير عليها من داخلها، بهدف الحفاظ على امتثالها وخضوعها لها، ومحو أي قدرة كامنة فيها لتجميع قواها واسترداد حقوقها، وذلك باستخدام الترغيب (الإفساد) للبعض من أفرادها، بالمناصب والامتيازات، التي تأتي بالثروات، لدرجة قد يخال لهذا البعض أنهم جزء منها، وذلك لأنه لا مانع لديها من تقريب هذا أو حضن ذاك، مهما كان انتماؤه ما دام قابلاً بها ويعمل معها ويخدم أهدافها، وفي المقابل الترهيب الجماعي لها، الذي من طبيعة الأمور أن يعمم، مع الوقت، على كل فئات الشعب دون تفريق".

وأشار الى أن الأقلية باتت تفتقد اليوم ليس فقط لدورها التاريخي الشديد الأهمية والتميز، بل أيضاً أهم وأجمل خاصياتها، فهي الحاملة لقيم الحداثة والتغيير والانفتاح، والملجأ الذي يجد به ملاذهم الخارجون من جمود الأكثرية وتشددها، تغدو متعصبة، غير متقبلة للآخر، ومنغلقة على نفسها تخاف العالم، وتكن له مشاعر العداء.

ولكن خليفة يعتبر في تعليقه لـ"إيلاف" على ما قاله المصري أن الأخير يسقط على مجتمعنا السوري، تحديدًا، احكامًا جاهزة مستعارة من نماذج غربية بشكل متعسف". وأضاف: "في مجتمعنا السوري لم تكن الغالبية تزدري الاقلية كما يزعم، بدليل أن الأقلية كانت في مستويات أعلى وأفضل من الغالبية اقتصاديًا وسلطويًا، ومع ذلك لم تكن الغالبية تعترض لولا أن العلويين تجاوزوا كل الحدود، فثار الشعب السوري، لا ضد حكم الاقلية بحد ذاته، بل ضد الفساد المنظم والاستبداد المتفاقم". 

واختتم خليفة قائلاً إن المصري بشكل عام "يرى في نظام الأسد نموذجًا لحكم الغالبية، مع أنه نموذج لحكم الاقلية، وهذا تناقض صارخ. فالمجتمع السوري مجتمع عرف بالتسامح والتعايش والتفاعل بين مكوناته، والغبن الرئيسي هو الذي اصاب المكون الكردي تحديدًا".